ظاهرة تصوير ونشر الصدقات والمساعدات تتفاقم في رمضان

  • 2020/05/17
  • 1:47 ص

رجل يقدم مكافآت لفتيات لأنهن منقبات ويطلب من طفلة بعمر خمس سنوات أن ترتدي النقاب حتى تحصل على المكافأة في إدلب (ناشطون في فيس بوك)

عنب بلدي – ياسين بزنكو

يرتبط شهر رمضان بأعمال الخير ومساعدة المحتاجين في المجتمعات الإسلامية، وتركز المنظمات الإغاثية وميسورو الحال على المبادرة وتوزيع المساعدات، إلا أن عمليات التوزيع ووصولها لمستحقيها في شمالي سوريا، أبرزت ظواهر سلبية، تتكرر في كل عام.

وطفت على السطح مجددًا ظاهرة تصوير المستفيدين من الأعمال الخيرية، سواء كانت مبالغ نقدية أو مساعدات عينية، ثم نشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي ليشاهدها القاصي والداني.

الصدقات من السر إلى “فيس بوك”

تداولت حسابات عبر موقع “فيس بوك” تسجيلات تظهر هوية بعض المستفيدين من تلك الأموال، أو عمليات توزيع مساعدات شابتها تجاوزات تمس إنسانية المستفيدين.

وأثار تسجيل مصور يظهر رجلًا يقدّم أموالًا لعجوز مستلقية على سريرها، بدا عليها الإرهاق، ردود فعل غاضبة على منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما أن التسجيل يظهر وجه العجوز، ووجه الوسيط، الذي يذكر في التسجيل لقب المتبرع بتلك المساعدة.

كما انتقد ناشطون تسجيلًا مصورًا لمنح رجل طفلات منقبات مبلغ ألفي ليرة سورية، مطالبًا طفلة عمرها خمس سنوات أن تتنقب لتحصل على خمسة آلاف ليرة (الدولار يقابل 1500 ليرة).

وتنشر منظمات إغاثية عاملة في سوريا تسجيلات وصورًا للمستفيدين من برامجها الإغاثية، عبر حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي، وفق معايير وشروط متباينة.

زياد حاتم، قائد فريق الإعلام والمناصرة في “منظومة وطن”، قال لـعنب بلدي إن هناك معايير دولية لتصوير المستفيد لا بد من مراعاتها، منها أخذ موافقة خطية قبل التصوير، وبالنسبة للأطفال تُؤخذ موافقة ولي أمره وموافقته أيضًا، كما لا يجوز إظهار المستفيد في وضع مزرٍ.

ويرى حاتم أن بعض المنظمات تنتهك تلك المعايير، بهدف إثارة شفقة المانحين، عبر صور وتسجيلات تُظهر المستفيد في وضع مزرٍ، كما تقع بعض الانتهاكات لجهل المستفيد بحقوقه، حيث يعتقد بعضهم أنه سيحرم من المساعدة، في حال رفضه التصوير.

أمين عبد الناصر متطوع سابق لدى “الصليب الأحمر الدولي”، ونازح يقيم في مخيمات “الكرامة” شمال غربي إدلب، أوضح لعنب بلدي أن الفرق الإعلامية التابعة للمنظمات الإنسانية تصور عادة المستفيدين لضمان سلامة عملية التوزيع، وسيرها بالشكل الصحيح.

وغالبًا يتجنب إعلاميو تلك الفرق التقاط صور تظهر وجوه المستفيدين، ولكن أحيانًا تخالف بعض المنظمات هذه الأعراف المتبعة لغايات دعائية، بحسب أمين.

التصوير لمواجهة حملات التشكيك

تختلف طرق تعاطي المنظمات والجهات العاملة في الشأن الإنساني، مع أساليب توثيق وصول المعونات لمستحقيها.

وبالمجمل، تفتقر المبادرات الفردية والأهلية الصغيرة إلى آليات رقابة، خلافًا للمنظمات الكبرى التي تمتلك وسائل تحقق من وصول الدعم للمستفيدين.

وقال الصحفي السوري جمال مامو، المشرف كذلك على مجموعة “دفا للعمل الإنساني”، إن قضية تصوير المستفيدين في أثناء تسليم المساعدات ليست جديدة، بل تعود لبداية الحملات الإغاثية مع انطلاق الثورة السورية.

ونتيجة لحملات الاتهام والتشكيك بوصول المساعدات لمستحقيها، لجأت مجموعة “دفا للعمل الإنساني” إلى تصوير عمليات تسليم المساعدات المالية، لكن دون كشف هوية المستفيد أو وجهه، إلا أن هذا المعيار ليس متبعًا لدى جميع المنظمات الإغاثية.

آثار نفسية قد لا تندمل

ولا تقتصر الآثار السلبية للظاهرة على الإساءة للشخص الذي يظهر في التسجيل، بل غالبًا يخلّف ظهور الإنسان بمظهر المحتاج أمام المجتمع المحيط أضرارًا نفسية واجتماعية.

الاستشاري في الطب النفسي الدكتور جلال نوفل قال لعنب بلدي إن الهدف المفترض من تقديم المساعدات، في وقت الأزمات، هو تمكين المحتاجين، وليس إظهارهم بمظهر الضعف والعجز.

وقد تتشكل عند المحتاج “سيكولوجيا المتسوّل” جراء تكرار ذلك السلوك، كما قد تنشأ لديه مشاعر سلبية طويلة الأمد إزاء الجهة التي أساءت إلى إنسانيته وكرامته، لتعمّدها إظهاره في موقف الضعف.

أما بالنسبة للأطفال، فيرى الدكتور نوفل أن تلك السلوكيات قد تشكل لديهم بالمستقبل شعورًا بالخجل والإحراج لظهورهم بشكل غير لائق، وقد يسود لديهم شعور باللاعدالة، ومشاعر سلبية ضد ذويهم لموافقتهم على تصويرهم بتلك الظروف.

لا غنى عن المساعدات

موجات النزوح المتتالية، وتعثر الأنشطة الاقتصادية، وارتفاع نسبة الفقر في سوريا، جعل من المساعدات التي تقدمها المنظمات الإنسانية قضية حيوية بالنسبة للمدنيين.

وتقف المشاريع الإغاثية عاجزة عن تلبية جميع الاحتياجات، خاصة مع موجة النزوح الأخيرة التي شهدتها أرياف حماة وإدلب خلال عام 2019، إذ تجاوزت أعداد النازحين مليونًا و533 ألفًا منذ نيسان 2019، حسبما وثق فريق “منسقو استجابة سوريا”.

وبحسب وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارك لوكوك، يعتمد 2.7 مليون شخص في شمال غربي سوريا على المساعدات في معيشتهم.

وأظهر تقييم للحاجات الإنسانية نشرته منصة “reliefweb” التي تعتمد على إحصائيات الأمم المتحدة، في 12 من نيسان الماضي، أن 81% من الأهالي في مناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا يواجهون مشكلات في حصولهم على المساعدة الإنسانية.

ونحو 49% من المجتمعات (من نازحين ومقيمين) يتناول أفرادها ثلاث وجبات في اليوم، بينما يتناول معظم أهالي مناطق أطمة وعفرين وكفروما وجبة واحدة فقط.

مقالات متعلقة

  1. إدلب.. قرار يمنع عبد الله العمر من النشاط الإعلامي
  2. لقمة العيش مقابل "الترويج".. ما حدود التوثيق لأعمال المنظمات الإغاثية في سوريا
  3. البيت الحلبي.. ذلّ بطعم الإغاثة
  4. "مطابخ رمضان".. فرص عمل ومصدر إغاثي للنازحين في الشمال السوري

منظمات مجتمع مدني

المزيد من منظمات مجتمع مدني