المدرجات الفارغة تحكي حكايات
عروة قنواتي
بمشاهدة سريعة لمباريات الدوري الألماني بكرة القدم “بوندسليغا”، التي عادت بشجاعة ومقامرة في مقدمة أوروبا، يبدو أن مستوى المباريات سيكون أفضل مما نتوقع بعد الحجر الصحي، وتوقف الرياضة في العالم جراء تفشي جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، الذي لا يزال يهدد كثيرًا من مرافق الحياة في الكرة الأرضية.
لن أتحدث عن الخط الفني والمهارة للفرق في المباريات، بل سأنتقل مباشرة إلى المدرجات الفارغة تمامًا، إذ تكاد تسمع أصوات الهمس بين اللاعبين والإداريين على دكة البدلاء لخلو الملعب من أي ضجة وأي حماس ومن كل أنواع المؤازرة، لا يوجد شريان فاعل في الملعب ومحيطه، سوى أقدام اللاعبين وحركتهم بالكرة، وتسجيلهم للأهداف، وعودتهم لنقطة المنتصف من جديد.
المدرجات الفارغة في ملاعب ألمانيا، وفي غيرها من ملاعب العالم لحظة انطلاقة المسابقات فيها مجددًا، تذكرنا بمدرجات ظهرت فيها مباريات كروية من دون جماهير لمصاب جلل أو لحادث تاريخي، إذ تشبه المدرجات بعضها مهما اختلفت اللغات بين عشاق كرة القدم في العالم، ومهما تبدلت صورة الاهتمام بهذه المدرجات بين الدول (بكراسي أو من دونها، مع مكيفات هواء أو من دونها، مسقوفة أو مكشوفة…) لا فرق.
هي نفسها المدرجات التي شهدت أحداث مجزرة بور سعيد في العام 2012، وضحايا ألتراس النادي الأهلي في مصر، تلك الليلة الحزينة، التي كان مخططًا لها أن تؤسس لدوامة عنف تعاقب عليها الجماهير التي ساندت الثورة المصرية في العام 2011، وتعطي صورة عن الضعف الأمني والعسكري والفلتان نتيجة الثورة، كما أراد أصحاب المخطط.
أيضًا في مصر، كانت مجزرة ألتراس الزمالك بعد أعوام قليلة من مذبحة النادي الأهلي، حيث قُتل عدد كبير من المشجعين على أبواب استاد الدفاع الجوي.
في سوريا أفرغ نظام الأسد مدرجات الملاعب في الأشهر الأولى للثورة السورية، وكأن وباء قاتلًا أصاب البلاد، ثم قلب الملاعب ومدرجاتها إلى أفرع للتحقيق والقتل وإلى ثكنات عسكرية، احتلها وأدلجها، وأعادها بعد التلاعب بمسرح الجريمة لتخدم وجود النظام أيًا كان نوع المباريات فيها.
قبل سنوات أراد نفس النظام بآلته الإجرامية أن يحتفل بـ”تذابح” جمهور الفتوة وجمهور الجهاد في الدوري السوري لكرة القدم، داخل الملعب وخارجه وفي الشوارع، وكان له ما أراد بالفعل.
لربما تبدو ملاعب المغرب العربي الأقرب بخلوها وامتلائها إلى السيطرة الشعبية، التي تردد أغاني وأناشيد تناهض فيها كل أشكال الطغاة، دون الصدام المباشر أو الحتمي مع الآلة الحكومية، مع الإيمان الكامل بأن كلمات الأناشيد والأغاني تمهد لثورات في المدرجات، سيأتي يوم تنتقل فيه إلى كل الشوارع.
“كورونا” ومصابه وحضوره الثقيل القاتل يذكرنا بما فعلته آلة الطغيان والإجرام، أيًا كان شكلها ولغتها، في ملاعب ومدرجات الأرض.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :