الباب – عاصم الملحم
بعد أربع سنوات من تشكيل المجالس المحلية في ريف حلب الشمالي، والظروف التي رافقت نشأتها، عسكريًا واقتصاديًا، والمهام التي أدتها في إدارة المنطقة على الصعيد الخدمي والإداري، بدأ الحديث عن مرحلة جديدة مقبلة عبر تعيينات لرؤساء جدد.
وأعلنت مجالس محلية، من بينها بزاعة والباب وقباسين وجرابلس، البدء بتجديد الشخصيات المترئسة لعملها، على أن يسيّر رؤساء المجالس الحالية الأعمال إلى حين تشكيل مجالس جديدة.
ولعبت المجالس المحلية دورًا في تأمين الخدمات للأهالي، على مدى السنوات الماضية، لكن لا توجد مظلة واحدة تعمل تحتها، ما أدى إلى حالة من عدم التوازن في عملها.
وتوجد في المنطقة مجالس محلية مركزية تتبع لها مجالس بلدات، ويبلغ عدد المجالس المركزية عشرة في اعزاز وصوران ومارع وأخترين والباب وبزاعة وقباسين والراعي وجرابلس، إضافة إلى المجلس المحلي في عفرين، عقب السيطرة عليها في 2018.
وفي ظل الحديث عن التعيينات الجديدة، بدأت التساؤلات حول آلية اختيار رؤساء المجالس، وكيفية تعيينهم في ظل عدم وجود انتخابات رسمية بمشاركة الأهالي.
آلية الاختيار.. ضبابية
طريقة اختيار الأعضاء لا تزال ضبابية نوعًا ما، إذ لا يوجد شيء رسمي ومكتوب حتى الآن، وكل ما يدور و”يطبخ” حاليًا هو أحاديث شفهية، بحسب ما قاله الأمين العام لتجمع عائلات الباب (يضم عشرات العائلات من المنطقة)، محمد عبد الكريم الجبلي.
وأوضح الجبلي لعنب بلدي أن مستشارين أتراكًا مبعوثين من قبل والي غازي عنتاب التركية، طلبوا من النقابات المهنية والعشائر تقديم ثلاثة مرشحين لكل نقابة وعشيرة، كما يمكن لأي مكون آخر يعتبره المستشارون تجمعًا أن يقدم مرشحين.
من جهته، قال العضو في “مجلس ثوار الباب” خالد عفورة، لعنب بلدي، إن مجموع الأسماء المقترحة 100 اسم، ستصل إلى تركيا حيث تدرس ويفاضَل بينها على أسس لا نعلمها، ومن ثم يُختار منها 25 اسمًا منهم لتمثيل المجلس المحلي في المدينة.
في حين أكد الناطق باسم “تجمع عائلات الباب”، أسامة نعوس، أنه حتى الآن لا تُستشار كل الفعاليات في المدينة، وقد تكون الاستشارة جرت بشكل منفرد، معتبرًا ذلك أمرًا مرفوضًا بالنسبة لـ”تجمع عائلات الباب”.
هذه الطريقة باختيار المرشحين ورؤساء المجلس أثارت حفيظة كثيرين، لأن “الأسلوب لا يمثل مطالب الشعب الثائر، ويعتبر غير ديمقراطي عندما ينحصر حق قبول المرشح أو رفضه بما يرغبه الآخرون (غير الشعب)”، بحسب الجبلي.
وأوضح الجبلي أنه وفقًا لمنهج الاختيار، تعتبر عضوية المجلس ورئاسته مغنمًا، وليست مسؤولية لإدارة المدينة، وقد يكون هناك دور للوساطات والمحسوبيات ومراكز القوة الباحثة عن مصالحها، كما أنه، باتباع هذا المنهج، تعامَل مكونات المجتمع بشكل منعزل، بحيث يبدي كل مكون رأيه في عدد محدود من المرشحين، بدل أن يكون لكل مكونات المجتمع رأي في كل المرشحين.
وطالب الجبلي، بصفته الأمين العام لتجمع “عائلات مدينة الباب”، تطبيق النظام الداخلي في المجلس (المادة رقم 17)، والدعوة إلى اجتماع موسع مع الجانب التركي وكل الفعاليات والنقابات في المدينة، لترشيح كامل أعضاء المجلس المحلي بعد الاتفاق على الشروط الواجب تحققها في المرشح (انتماؤه للثورة، وكفاءته، وإقامته، ونزاهته)، بحسب الجبلي.
في حين تحفظ نعوس على طريقة اختيار رئيس المجلس، وطالب الالتزام بالنظام الداخلي، الذي ينص على أن الفعاليات في المدينة والنقابات ترشح ممثلي المجلس، لا أن يحدث كما في انتخاب الرئيس السابق عبر استشارة بعض الفعاليات أو النقابات فقط، دون استشارة كل مكونات المجتمع، مؤكدًا عدم القبول إلا بالالتزام بالنظام الداخلي.
ناشطون في مدينة الباب كتبوا عريضة تطالب بحق الانتخاب لممثلي المجلس المحلي، نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف التوقيع عليها، ووصل عدد المتفاعلين إلى 500 شخص، على أن يعمل عليها ورقيًا وتمرر على الناس بهدف الوصول لأكبر عدد ممكن، بحسب ما قاله الناشط عمار الخلف من مدينة الباب لعنب بلدي.
واعتبر عمار أن العريضة انطلقت من مبادئ ثورة الشعب ضد النظام، مؤكدًا أن تعيين ممثلي المجلس دون العودة إلى رأي الشعب وحرية الاختيار يعتبر تعارضًا مع المبادئ، حتى لو كان الشخص صاحب كفاءة وثورية ونزاهة.
الانتخابات المباشرة.. ممكنة؟
تزامنت التحركات لاختيار رؤساء المجالس مع تساؤل حول سبب عدم إمكانية إجراء انتخابات قانونية مباشرة، لكن المحامي محمد فارس أوضح لعنب بلدي أن إجراء ذلك متعذر لأسباب عدة، منها أن المنطقة لا تزال في مرحلة انتقالية وخارجة من حرب، والانتخابات تحتاج إلى استقرار من جميع النواحي، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما لا تنعم به المدينة حاليًا.
كما أن أغلبية سكان الباب الأصليين، وخاصة الكفاءات، ما زالوا في المهجر، وأكثر من ثلثي سكان الباب مهجرون قسرًا، وهذا النزوح متحرك غير ثابت، بحسب المحامي محمد، إضافة إلى أن الانتخابات تتطلب بطاقة شخصية، لا يملكها جميع الأهالي ويجري العمل على استكمال تسليمها لهم.
وحول طريقة اختيار رئيس المجلس، أوضح المحامي محمد فارس أنها ليست الطريقة المنشودة، لكنه اقترح أن يكون هناك تدرّج في الانتخابات، بداية بالشورى الواسعة، التي هي استفتاء الشرائح الفاعلة والثورية في المدينة، وصولًا إلى الانتخابات يومًا ما.
واعتبر الأمين العام لـ”تجمع عائلات الباب”، محمد عبد الكريم الجبلي، أن الطريق الديمقراطي في إجراء انتخابات مباشرة تعترضه بعض الصعوبات، وهناك جدل بين مؤيد ومعارض لذلك.
أما الناشط في “تنسيقية الباب” محمد أبو الفتوح، فاعتبر أن اختيار رئيس المجلس بالانتخابات المباشرة يحمّله مسؤولية الشريحة التي انتخبته، وبالتالي يجب أن يعمل لأجلها، كما سيتحمل الناس مسؤولية قرارهم واختيارهم، لذلك يجب أن يعلم الناس خطة المرشح وأفكاره في تطوير الخدمات، ويُنتخب على هذا الأساس، أما من يُعيّن، ولو كان بالشورى الموسعة، فسيكون رهينة لقرارات غيره، أو تحت الضغوط، وهذا لا يحقق مكاسب وخدمات للناس.
ويرى الناشط محمد أبو عمر، وهو من مهجري مدينة حمص ويسكن في الباب، أن الطريقة الأفضل هي الاستفتاء واختيار أعضاء المجلس المحلي، مشيرًا إلى أنه يجب أن يكون أعضاء المجلس المحلي قريبين من كل شرائح المجتمع، وليس فقط من أهالي الباب من أجل تحسين الخدمات في المدينة لكل فئات الشعب من مهجر ومستقر.
وسيطرت قوات “الجيش الوطني السوري” على مدينة الباب، بدعم تركي مباشر، من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية”، في 24 من شباط 2017، وتحظى الإدارات المدنية والخدمية في المنطقة بدعم من ولاية غازي عنتاب التركية.