مؤيد اسكيف
يومًا ما سوف يسقط الأسد، الحدث لن يكون عاديًا بكل تأكيد، «الغصّات» المخنوقة سوف تتحرر إلى زغاريد، أهالي المعتقلين يبحثون عن أبنائهم، جثث من قضى تحت التعذيب سوف تُدفن أخيرًا كما يليق بها، الأخبار العاجلة لن تشغلنا عن واجباتنا، تمثال مقلوب على رأسه لبشار الأسد سنشيده على عجل داخل سجن أمام القصر الجمهوري، نأتي بحمار ونربطه برقبة الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة السيد رئيس الجمهورية السابق، لن ننسى أن يكون السجن مواجها لنافذة مكتب الرئيس القادم، ولن ننشغل عن تدليل الحمار.. سوف يقوم حسن نصر الله بالمهمة.
ما تبقى من فرح في ذلك اليوم نتركه للارتجال، على أن نحيي طقوس قيامتنا في كل ذكرى سنوية للسقوط:
أطفال كثر يرفعون «الآس» وأهازيجهم تملأ المكان، بينما هم في طريقهم لزيارة ما تبقى من المقابر الجماعية، هناك درج للحمام ليطير بالرسائل إلى السماء، ثم نتلو جميعنا صلوات الأبد، نراقص دمعنا بترتيل الحكايا على درب آلامنا ونحن في طريقنا إلى القصر الجمهوري، نطوف حول الفروع الأمنية، وفي غرف التعذيب نطلق أنين الصمت للصدى، نلطم قليلًا بطريقة مبتكرة وأكثر حداثة وسلمية، ثم نعرّي يهودا وكل المخبرين و»الفسافيس»، نشيّد لهم زنازين نحاسية ثم نرجمهم بالفضة، ونجعلهم يفكرون مليًا بدفع فاتورة العشاء الأخير، وعلى ناصية المشهد يوجد تمثال آخر مقلوب لبشار الأسد مسجونًا بالأسماء.
نتبع درب الجلجلة في أزقة حوران، ونشعل أظافرنا شموعًا في صباحات أطفالنا ثم نعلقها قناديل على ساعة حمص ونواعير حماة وفي كل درب من دروب عذاباتنا.
نسجن كهوف عزلتنا ونختمها بشمع تجربتنا الأحمر، ونكمل المسير إلى متحف الهولوكوست السوري وفروعه في كل المحافظات ما عدا طرطوس.
في ساحاتنا لا تماثيل لطاغية بعد اليوم، في ساحة «المحريب» بإدلب نَصَبَ النحاتون طائرة «ميغ» محبوسة في شبك من أمنيات الأمهات، وفي منتصف «دوار الشعّار» بحلب مجسم لصاروخ يلطم ندمًا ثم ينفجر وردًا عند أقدام العابرين، وفي «كفرنبل» و «أم ولد» و « إزرع» و «مارع» مجسمات لبراميل تنتحر من على جرف العدم.. والندم..
نكمل مسيرنا إلى بانياس والبيضا، وهناك نلقي القبض على عباس، نكلبش حرف القاف الذي أرعب الناس، ونوقف كل أسئلة الاستنكار على شاكلة: بدكن حرية؟؟!!
نلفّ عليهم موتنا كحبل مشنقة، ثم ننصب على جثثهم سارية انتصارنا.
ثم نأتي بمن كان يردح أن أخته تخرج الساعة الثالثة في الليل، نلزمه بالاستماع يوميًا لمذيعة المطر، أما أخته فعليها متابعة كل أرشيف برامج العرعور وأولاده.
لا علاقة لي بمصيرها..
صرنا في «الحولة» وهناك نصبٌ منحوت بعناية من بازلت كنا قد أحضرناه من حوران لطفل سوري بساقين عاليتين تناطحان السحاب، يتدفق شلاله على كرة أرضية تحت خصيتيه، فيعمّد سكان كوكب الأرض ويطهرهم من خطاياهم.
كثيرة هي أيقوناتنا، وعلى سبيل المثال هناك تماثيل من تنك لأعضاء الائتلاف والمجلس الوطني مقيدون جميعهم إلى كراس من وهم، وحول أعناقهم كل «لوجوهات» القنوات التلفزيونية وفي داخل أفواههم نثبت «المايكروفونات».
نكمل المسير ونحن نستلم حصتنا من الراحة الحورانية التي ستغدو «فطرنا وفطيرنا»، فنلزم أهل الساحل بدفع تكاليف السكر المطحون وأطباء الأسنان، وحلب نلزمها بتكاليف النقل من مجدل شمس إلى عين ديوار، ومشايخ دمشق نقطع عنهم «الملّيسة والملبّس».
صالح مسلم سنلزمه بقراءة المنطلقات النظرية لحزب البعث، ونحرمه من نيل لقب «عضو عامل»، امتحان العضوية من حصة البغدادي فقط.
الدواعش والمخبرون سوف نرسلهم إلى البراري والروابي وهم مقيدون باللعنات، نعلمهم كيفية التعامل مع شقائق النعمان، ونلزمهم بزراعة الصنوبر في كل هضاب القلمون وبادية تدمر حتى الأبد.
ثم نعلن البيان رقم واحد وعلى الملأ: الراحة الحورانية فطير من دمنا، محرم على الأغيار أكله إلى يوم الدين.. فاحفظوا يا أيها السوريون فطيركم لأجل أجيالكم أبد الدهر.