أحمد أرسلان
مع اقتراب نهاية الشهر الفضيل، أعاده الله على الأمة بالنصر المؤزر، لا شك بأن شريحة عظيمة من المجتمع قد تابعت حلقات الدراما السورية بحلّتها الجديدة «الاستخباراتية».
وقد بات واضحًا للقاصي والداني أن معظم تلك المسلسلات قد استحالت أداةً وُظّفت لخدمة أيديولوجية معينة عن طريق بث رموز ورسائل مشفرة لا تخفى مضامينها على أي إنسان.
والمتمعن بتلك الدراما يلاحظ أنها تركز على عدة محاور أساسية مُحاوِلةً غرسها في عقول العامة.
أول تلك المحاور، هو أن الثورة السورية قد قامت لخدمة أغراض شخصية ومصالح فردية، وليس في سبيل قضية كبرى تخص جميع أبناء الشعب وطبقاته.
وثاني تلك المحاور، هو التركيز على أن جيش النظام السوري هو الحامي للبشر وللبلاد، وهو الحصن المنيع في وجه المجاهدين الذين تحولوا إلى عصابات إرهابية مع تلك المسلسلات.
والمحور الثالث هو إظهار الانفتاح والحرية والحضارة عند النظام السوري والمناطق التي مازالت تحت سيطرته، والتأكيد على علمانية هذا النظام وليبراليته. والتأكيد في نفس الوقت على الانغلاق والتعصب عند الطرف الآخر.
أما رابع تلك المحاور وأخطرها، فهو التأكيد على أن الثورة قد أفرزت فتنة طائفية عصفت بالبلاد، وكانت سببًا في دمار الأمة ووصولها إلى ما وصلت إليه. في حين تكمن الحقيقة في أن النظام السوري هو من بثّ الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد ليسهّل على نفسه مهمة القضاء على الثورة.
وإني لا أدري حقًا.. هل كل ذلك هو محاولة من صناع الدراما للتقرب من السلطة التي باتت على شفا جُرُفٍ هارٍ؟
أم هو محاولة من تلك السلطة نفسها لغسيل الأدمغة وإعادة تشكيلها كما يحلو لها؟
إلا أنني أُرجح الاحتمال الثاني، إذ إنّ أي إنسان متبصر يدقق في تلك المسلسلات ورموزها، فإنه يوحى إليه أن غرفة عمليات استخباراتية مدرّبة ومنظّمة قد وُظّفت فقط لإنتاج تلك الدراما. وقد أصبح الممثلون والممثلات مجرد دمى في يد أعضاء تلك الغرفة تُحركها كيف تشاء.
ولكن في النهاية، فإن التفاؤل يملؤني حقًا، لأني على يقين بأن شعبًا مظلومًا قد عرف غريمه، وقد هبّ في وجه ظُلّامه لاسترداد حقوقه وحريته وكرامته المسلوبة، وقد اعتنق عقيدة الكفاح والنضال، لن تُغيّر عقيدته متابعة بضعة حلقات من مسلسل تلفزيوني تافه. وإنّما ستزيد من إصراره وعزيمته ووعيه لما يحيك النظام ضده من مؤامرات كونيّة.