محمد فوّاز
يعتمد أسلوب التعذيب النفسي على العقل والوعي والثقافة بين الجلاد والمعتقل، فالمحقق يستفيد في تحقيقه من خلفية المعتقل الاجتماعية والثقافية، ومن ظرفه النفسي وكلامه وانفعالاته، فماذا يتوجب على المعتقل أن يفعل على الصعيد النفسي لمواجهة هذا السلاح؟
رفع الجاهزية النفسية وتوقع الأسوأ
على المعتقل أن يتوقع أنه مقدم على الأسوأ، وأن الظروف الصحية والنفسية ستكون سيئة كذلك، فذلك سيساعده على التأقلم بسرعة مع ما هو مقدم عليه، يجعله أكثر تقبلًا واستعدادًا لما قد يواجهه، فيبقى على الرغم من صعوبة الظرف الذي يعيشه، محافظًا على تماسكه وقادرًا على التكيف بسرعة.
ومن تجربتي الشخصية (استمر اعتقالي لتسعة شهور في عدة فروع)، صمم المحقق في فرع الأمن العسكري بحماة على اتهامي بما لم أفعل، وثبت ذلك في ملفي، وبعد أيام نقلت إلى الشرطة العسكرية، وعرفت أنني سأحول لدمشق، وكان قريبي قد اعتقل وحول معي. أصابت الصدمة قريبي وبدأ بالبكاء والصراخ، وأصيب بنوبات انفعالية شديدة، فقلت له «عليك أن تنسى حياتك السابقة فربما لن نعيش إلا أيامًا قليلة، فكر كيف سنمضيها فحسب». على الرغم من كل الصعاب التي عشتها في فترة اعتقالي الطويلة إلا أنني عندما كنت أنظر إلى نفسي، حيًا آكل وأشرب، كنت أشعر بالسعادة وأحس بالنعمة الغامرة، فما زال هناك أمل بالخروج، ولأني كنت أقنع نفسي بأنني سأموت، فكنت أشعر بكل لحظة حياة على أنها نعمة ومنة مهما كانت قاسية.
عامل الزمن وأهميته
الوقت هو ما يراهن عليه المحقق لانتزاع ما يريد من الاعترافات، ففي كل مرة يرفض المعتقل فيها الاعتراف يهدده المحقق بقوله «سأجعلك تتعفن في الزنزانة»، ومن الطبيعة البشرية أن الإنسان يحب الخلاص من الوضع السيئ بسرعة، وهو ما يستغله المحققون كوسيلة ضغط لانتزاع الاعترافات، وخصوصًا مع من يظهرون الرغبة الشديدة بالخروج من المعتقل، فيبدأ المحقق بتخفيف لهجته مع المعتقل: «ألا تريد أن ترى أمك… ألا تريد أن تعود إلى زوجتك وأولادك»، منتظرًا رد فعل المعتقل، فمن يظهر تفاعلًا ظاهرًا مع هذه الكلمات يقع في فخ المحقق الذي يبدأ بابتزازه وترغيبه بالاعتراف لتسريع خروجه.
في أغلب الحالات لا يخرج المعتقل حتى لو اعترف، فهي ليست أكثر من لعبة نفسية غايتها سحب الاعترافات، لذا من المهم أن لا يظهر المعتقل انفعالًا مع هذا الأسلوب.
يتحدث خالد عما حصل معه في فرع الفيحاء بدمشق لعنب بلدي «كنت قادمًا من لبنان لأزور أهلي، أمسكوا بي على الحدود وحولوني إلى فرع الفيحاء، استدعاني المحقق وطلب مني أن اعترف بأني متعامل مع إرهابيين من قريتي، رفضت ذلك لأنه لم يحصل، كان يتركني لفترة ثم يستدعيني، وفي مرة قال لي «أنا أريد مساعدتك لتعود إلى أهلك وأولادك الذين لم ترهم منذ زمن، ولكن ساعدني بما أريد وسأسوي لك وضعك»، يقول خالد «بكيت عندما ذكر أهلي ولكني رفضت الاعتراف بما يريد، وبعد تكرار الأسلوب اعترفت بما أراد، ولكن الواقع أثبت أنه كاذب ومحتال فقد بقيت في المعتقل بعد اعترافي لخمسة شهور».