ما إن انتهى الفراغ الحكومي في لبنان، وشكّل حسان دياب حكومته، في كانون الثاني الماضي، بعد تكليفه من قبل الرئيس اللبناني، ميشال عون، حتى بدأت الأنظار تتجه نحو الإصلاح الاقتصادي.
لكن “جرت الرياح بما لا تشتهي السفن”، وبدلًا من استقرار قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار، زادت حدة الانخفاض، لتتوجه الاتهامات إلى حاكم مصرف لبنان المركزي منذ عام 1993، رياض سلامة.
إذ تجاوز سعر صرف الليرة اللبنانية حاجز أربعة آلاف مقابل الدولار الواحد خلال الفترة الأخيرة، بينما كانت مربوطة بسعر صرف 1500 ليرة مقابل دولار واحد منذ العام 1997، ما فجر غضب الشارع اللبناني على المصارف وعلى حاكم المصرف المركزي، رياض سلامة.
يرأس سلامة الحاصل على إجازة في الاقتصاد من الجامعة الأمريكية في بيروت عدة هيئات، منها “المجلس المركزي” لمصرف لبنان، و”هيئة الأوراق المالية” في بيروت، و”الهيئة المصرفية العليا”، و”هيئة التحقيق الخاصة” المعنية بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، كما أنه عضو في مجلس محافظي صندوق النقد الدولي وصندوق النقد العربي.
رجل اقتصاد محنّك منذ عهد رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، رفيق الحريري، اكتسب بين عامي 1973 و1985 خبرة واسعة في شركة “ميريل لينش” (شركة خدمات تمويلية عالمية)، وعُيّن عام 1985 نائبًا لرئيسها ومستشارًا ماليًا، وبقي في المنصب حتى تعيينه حاكمًا لمصرف لبنان في 1993.
كما أنه نال جائزة “يورموني” كأفضل حاكم مركزي في عام 2006، وأفضل حاكم مركزي في الشرق الأوسط عام 2005، وأول حاكم مصرف مركزي عربي يقرع جرس افتتاح بورصة نيويورك.
دعوة دياب التي فاقمت الضغط على سلامة
توسع غضب الشارع على المصارف خلال الشهرين الماضيين. إذ انتشرت كتابات على جدرانها تنادي بإسقاط سلامة.
وتعرضت مصارف لاعتداءات بقنابل “المولوتوف” في عدة مناطق لبنانية، بعد اتهام رئيس الحكومة، حسين دياب، المصرف المركزي بإخراج 5.7 مليار دولار من خزائنه خلال شهري كانون الثاني وشباط الماضيين، رغم القيود المشددة على سحب المبالغ بالدولار أو تحويلها إلى خارج البلاد، دون أن يحدد وجهتها.
ودعا دياب حاكم مصرف لبنان المركزي، لأن “يعلن للبنانيين الحقائق بصراحة، وما أفق المعالجة وسقف ارتفاع سعر الدولار”.
وقدّر دياب الخسائر في مصرف لبنان بسبعة مليارات دولار منذ مطلع العام الحالي حتى منتصف نيسان الماضي، ثلاثة مليارات منها خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة.
وأشار إلى أن “السيولة في المصارف بدأت تنضب”، إذ تراجعت قيمة الليرة اللبنانية وتجاوز سعر الصرف أربعة آلاف ليرة مقابل دولار واحد في السوق السوداء.
وحمّل رئيس “التيار الوطني الحر”، جبران باسيل، بعدها المصرف المركزي مسؤولية كبيرة بالخسائر الواقعة عليه، بسبب عدم شفافية أرقامه وطمأنته، مع إدراكه لفظاعة الأمور وخطورتها.
سلامة الملياردير.. ما علاقته برامي مخلوف
بحسب تحقيق نشره موقع “درج”، في 9 من نيسان الماضي، بلغ حجم ثروة حاكم المصرف، رياض سلامة، 200 مليون دولار مودعة بمصارف في بنما وجزر الفيرجين البريطانية وسويسرا.
ويُظهر التحقيق صورًا وأرقامًا لحسابات يديرها سلامة مودعة باسم شقيقه رجا، الذي كان، إلى جانب مساعدته ماريان الحويك، واجهة له.
ولاحق “التقرير السري” حسابات ماريان الحويك، مساعدة سلامة، وكشف حسابًا لها في جزر بنما باسم رياض سلامة بقيمة 187 مليون دولار، إضافة إلى حساب في “الجزر العذراء البريطانية” ببنك “VP”، بقيمة 150 مليون دولار.
كما وصلت حوالة مالية من شركة “دمشق القابضة” في سوريا، التي يترأس رئيس مجلس إدارتها رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بقيمة 90 مليونًا و500 ألف يورو، في 16 من أيار 2012، أي بعد اندلاع الثورة السورية بعام واحد، إلى حساب ماريان الحويك في مصرف “LGT” في زيوريخ بسويسرا.
https://www.enabbaladi.net/archives/380891
سلامة “بالقوّة بالزور”
هذا كان عنوان قناة “MTV” اللبنانية بعد ما اعتبرته انتصار سلامة على الضغط السياسي (عبر دياب وباسيل وعدد من السياسيين).
ونوهت القناة إلى أنها أخذت التعبير من جماهير نادي الفتوة السوري لكرة القدم، الذي يطلقها في إشارة إلى أنه بطل الدوري السوري على كل حال.
كما أشارت القناة، في 13 من أيار الحالي، إلى الضغط الإعلامي عبر صحيفة “الأخبار اللبنانية” التي اتهمت المركزي بالتلاعب بأسعار الليرة اللبنانية، “إذ كان يشتري الدولارات من الصرّافين بسعر مرتفع، بدلاً من ضخّ الدولار في السوق”.
واعتمدت “الأخبار” على التحقيقات الأولية مع صرافين موقوفين ونقيبهم ومدير العمليات النقدية في المصرف المركزي.
وجاء في “الأخبار” أن “المؤشّرات الأولية للتحقيقات تفيد بأن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، هو المسؤول الأول عن تدهور الليرة”.
لكن لم تفضِ التحقيقات إلى شيء حتى لحظة إعداد التقرير، وبحسب “MTV”، فإن الحملة على سلامة هدأت، والقوى السياسية توصلت كلها إلى خلاصة “لا يمكن الاستغناء عن سلامة في هذه المرحلة، والأصح لا تمكن إزاحته”.
وقد يقود الانقسام في المواقف تجاه سلامة، كما أغلب القضايا في الساحة اللبنانية، إلى بقاء الحاكم المالي الماروني ابن بلدة كفردبيان في منطقة المتن، وإلى إطالة عمر وجوده في مناصبه، ما يجعل منه بالفعل “رجلًا لا تمكن إزاحته”.
–