رغم عدم إتقانه اللغة العربية، بحيث لا يستطيع تلفظ بضع كلمات متتابعة صحيحة القواعد، إلا أنه انتخب في عام 1922 رئيسًا لـ”الاتحاد السوري”، الذي كان يضم 15 ممثلًا لدول الاتحاد (دمشق وحلب وجبل العلويين)، بخمسة ممثلين لكل منها.
إذ كانت سوريا قد خضعت للاحتلال الفرنسي منذ عام 1920، وقُسّمت إلى عدة دويلات، ثم عملت فرنسا في عام 1922 على إنشاء “الاتحاد السوري”، الذي يضم دول حلب ودمشق وجبل العلويين، بضغط من الكتل الوطنية.
تحدث صبحي بركات التركية في صغره، وكان من أعيان أنطاكيا (جنوبي تركيا حاليًا) البارزين، كما كان تركيًا أكثر من كونه عربيًا من جهة الأصول والمهنة واللغة، حسب كتاب المؤرخ والضابط البريطاني ستيفن لونغريغ، “تاريخ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي” (الصفحة 165).
ولم يكن بركات وطنيًا ولا دمشقيًا، ما لاقى استحسانًا لدى المندوبية العليا الفرنسية، التي كانت تسعى لمنع دمشق بسبب غلبة التيار الوطني فيها من ممارسة نفوذ كبير على المجلس.
كما “كان بارعًا في حياكة المؤامرات، وأبقى الوطنيين الحلبيين خارج المجلس الاتحادي لمدة عامين”، حسب كتاب “سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي” (الصفحة 161) لفيليب خوري.
ومع بداية دخول الفرنسيين إلى الأراضي السورية، كان بركات إلى جانب إبراهيم هنانو يقاوم الفرنسيين، لكن بعد اتفاق الأتراك والفرنسيين، ترك هنانو وانضم إلى محور تأييد الانتداب.
فترة حكم قصيرة
استُحدث الدرك السوري وأُصدرت العملة الورقية السورية في آب 1922، خلال عهد بركات، وبموجب اتفاق مع دولتي “لبنان الكبير” و”جبل الدروز” (جبل حوران، أو جبل العرب)، اللتين استُحدثتا بعد اتفاقية “سايكس بيكو” ودخول الفرنسيين الأراضي السورية واللبنانية وتقسيم المناطق.
شهدت رئاسته تزايدًا في حرية العمل السياسي والاجتماعي التي وفرها المفوض الفرنسي الجنرال ساراي، إلا أنه كان يختار أصدقاءه من الأتراك لشغل الوظائف العامة، وهو ما أسهم في تدني شعبيته رغم ما تمتع به من “ذكاء وجاذبية”، حسب كتاب فيليب خوري (الصفحة 221).
استقالة مبكرة
قدم بركات استقالته في العام 1925 قبل انتهاء فترة ولايته في 1927، بعد اضطرابات اقتصادية في البلاد وقيام “الثورة السورية الكبرى” بقيادة سلطان الأطرش ضد الفرنسيين، التي لم يقرها بركات ولم يدعمها أو يؤيد بيان الأطرش، وهو ما احتذى به بقية نوابه ووزرائه، حسب كتاب لونغريغ (الصفحة 201)، كما اتهم بركات بتأييد قصف دمشق في العام 1925،
ومن الأسباب الأخرى التي دفعته للاستقالة تأثير المعارضة الوطنية، وعلى رأسها عبد الرحمن الشهبندر، مؤسس “حزب الشعب” (الذي انبثقت عنه الكتلة الوطنية).
عقب استقالته، فاز بأحد مقاعد حلب عام 1928 في انتخابات الجمعية التأسيسية، وأعلن عام 1930 تأسيس “الحزب الدستوري” في شمالي سوريا، لكن “انخراطه في المحاباة العائلية وعلاقته الحميمية بالفرنسيين” قللا من شعبيته مقابل الفئات الوطنية، حسب كتاب لونغريغ (الصفحة 232).
أحداث عنف ومحاولة اغتيال
انتخب المجلس النيابي السوري في حزيران 1932 بركات رئيسًا له بأغلبية 51 صوتًا مقابل 17 صوتًا لهاشم الأتاسي. لكن بحسب “مذكرات أكرم الحوراني” (الصفحات 78- 79)، كان بركات يسيطر على معظم أعضاء المجلس، إذ كان يشكل”الوطنيون” نحو 16 نائبًا من أصل حوالي 90.
مع ضيق الخيارات لإﺣﺒﺎط ﻣﺴﺎﻋﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﻲ ﺗﻜﺮﻳﺲ اﻻﻧﺘﺪاب وﻋﻘﺪ معاهدة 1932، بحسب “مذكرات الحوراني” (الحوراني سياسي سوري قومي عاصر بركات)، كان خيار اغتيال المتعاونين البارزين مع فرنسا مطروحًا، وﻛﺎن ﺑﺮﻛﺎت ﻳﻜﺜﺮ ﻣﻦ زياراته إﻟﻰ ﺑﯿﺮوت ﺣﯿﺚ ﻣﻘﺮ اﻟﻤﻔﻮض السامي.
اتفق الحوراني مع صديقه عبد الباسط البني (طالب في مدرسة الهندسة في بيروت)، على اغتيال بركات، ووقعت القرعة على عبد الباسط.
لكن عملية الاغتيال التي نُفذت عام 1932 فشلت وانتهت بمقتل عبد الباسط، إذ استعصت الرصاصة في مسدسه بعد أن كان على مقربة من بركات في بهو فندق “رويال” ببيروت.
وسحب عبد الباسط الذي كان مصرًا على عمليته “مدية” وهجم على بركات، لكن رجال الأخير من حوله منعوه ودار عراك أدى إلى مقتله.
كما تعرض منزل الخالدي عقب فوزه في انتخابات 1931 عن حلب، لهجوم من قبل مناصري “الكتلة الوطنية” بعد إعلان النتائج.
وبحسب “مذكرات الحوراني” كان لعملية الاغتيال في بيروت أثر على سير الأحداث السياسية في سوريا، برفض بركات اتفاقية عام 1932 مع الفرنسيين (اتفاقية الصداقة والتحالف)، لأنها لا تتفق مع مصالح البلاد، وعلّق عمل البرلمان على إثرها من قبل الفرنسيين.
وكان بركات أحد أعضاء “لجنة العمل” التي شكلتها الكتلة الوطنية عقب رفض اتفاقية 1932 وتعليق البرلمان.
اعتزل بركات بعدما زادت قوة “الكتل الوطنية” على حساب “المعتدلين”، وتوفي في أنطاكيا عام 1939، بعد ضم لواء إسكندرون إلى تركيا بعام واحد.
–