ريف حمص – عروة المنذر
لا تزال أسعار العقارات في ريف حمص الشمالي في مستويات متدنية جدًا مقارنة مع الارتفاع الذي تشهده في العاصمة دمشق ومراكز المحافظات بشكل عام، رغم الاستقرار الأمني نسبيًا بعد سيطرة قوات النظام على المنطقة بموجب اتفاق “مصالحة” برعاية روسية، منتصف عام 2018.
يخضع سوق العقارات بريف حمص الشمالي إلى قانون العرض والطلب بشكل شبه كامل، ولا يتبع انهيار قيمة الليرة السورية أمام العملات، لا سيما الدولار الأمريكي، كما هي الحال في مدينة حمص، إذ تُقيّم العقارات مثل السيارات على أساس ضمني بالدولار الأمريكي.
على سبيل المثال، تبلغ قيمة شقة في منطقة الوعر داخل مدينة حمص نحو 25 ألف دولار أمريكي، لكن سعرها بالليرة السورية قد يرتفع أو ينخفض تبعًا لسعر صرف الدولار، بينما لا ينطبق ذلك على العقارات في ريف حمص الشمالي بسبب ضعف الطلب بشكل عام مقابل العرض.
وفرة المعروض
تسببت الحرب التي شنها النظام السوري وحليفه الروسي بدمار هائل في الممتلكات الخاصة والعامة للسكان بريف حمص الشمالي، حيث وصلت أعداد المباني المدمرة كليًا في محافظة حمص إلى أكثر من ثلاثة آلاف مبنى، وفقًا لمعهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب (UNITAR).
وتعرض نحو ستة آلاف مبنى لدمار “بالغ”، وما يقارب خمسة آلاف مبنى لدمار “جزئي”، بينما بلغ مجموع المباني المتضررة 13 ألفًا و778 مبنى.
ومع عجز المواطنين في ريف حمص الشمالي عن إصلاح بيوتهم المدمرة، اتجه أغلبهم لعرضها للبيع، ما خلق عرضًا كبيرًا في سوق العقارات.
وفي حديث لعنب بلدي، قال مازن معراتي، وهو أحد سكان مدينة كفرلاها في سهل الحولة بريف حمص الشمالي، إن منزله تعرض لدمار كامل بعد سقوط برميل متفجر عليه، منتصف عام 2014.
وأضاف، “بعت حينها بقايا المنزل للكسارات، وأمام انعدام قدرتي على بناء بيت جديد، اضطررت للبيع، لأستطيع بناء منزل في مزرعتي البعيدة قليلًا عن مركز المدينة، وقد بقي منزلي معروضًا للبيع قرابة ثلاث سنوات، دون وجود راغب بالشراء”.
ارتفاع تكلفة البناء
رغم ارتفاع أسعار المنازل بشكل كبير مقارنة بالواقع العقاري للمنطقة، فإنها لم تصل إلى حد التكلفة، فالمنزل الذي تبلغ تكلفة إنشائه في الوقت الحالي 15 مليون ليرة سورية قد لا يتعدى سعره عشرة ملايين.
وترتفع أسعار مواد البناء تلقائيًا مع ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة، كما ترتفع تكلفة الأيدي العاملة في البناء بشكل متسارع، بينما لا تقفز أسعار المنازل بالوتيرة ذاتها.
عنب بلدي التقت قاسم كتجو الذي يملك مكتب عقاريًا في مدينة الرستن، وقال إن “تكاليف الإنشاء مرتفعة جدًا في الوقت الحالي، والناس يلجؤون إلى الإيجارات أكثر من الإنشاء بسبب التكاليف المرتفعة على أمل انخفاض الأسعار بالمستقبل”.
وأضاف، “لا تتناسب أسعار العقارات مع تكاليف بنائها وثمن قطعة الأرض، يوجد عرض كبير ولا يوجد طلب على العقارات، فالناس لا يملكون المال، وعند وجود بائع ومشترٍ يكون البازار هو محدد السعر غالبًا”.
وكانت حكومة النظام السوري أصدرت قرارًا، في 21 من كانون الثاني الماضي، أعلنت فيه حصر إتمام عقود شراء العقارات والسيارات بالدفع عبر المصارف العامة، ابتداء من منتصف شباط الماضي.
وحددت المصارف سقف السحب اليومي لصاحب الحساب المصرفي، الذي أُودعت الأموال الناتجة عن عملية بيع العقار في حسابه.
واعتبر عدد من المحللين الاقتصاديين، أن هذا القرار سيسبب جمودًا إضافيًا في تجارة العقارات في سوريا.
تراجع قيمة الليرة
مع انخفاض قيمة الليرة، بقيت أسعار العقارات شبه ثابتة أو ارتفعت بشكل بسيط مقابل انخفاض سعر الليرة، ما أبعد التجار عن المغامرات العقارية إلا في حالات وجود شقق بأسعار مغرية أو الشراء بقصد الاستملاك لا بقصد التجارة.
وفي حديث لعنب بلدي، قال محمد نصور، وهو تاجر عقارات من مدينة تلبيسة، “أقدمت على شراء مزرعة بقصد الاستثمار الزراعي، وبعد شرائها بشهرين بعتها، عندما بدأت الليرة بالتراجع”.
وأوضح التاجر أنه اشترى المزرعة عندما كان سعر صرف الدولار 545 ليرة سورية، بينما باعها عند بلوغه عتبة 610 ليرات، واعتبر أنه تجنب خسارة بسبب استمرار تدهور الليرة السورية، مضيفًا، “لا يمكن لأي استثمار أن يعوّض خسارة فرق العملة مهما كان كبيرًا”.
وأشار أبو محمود، وهو صاحب محل تجاري في الرستن (تحفظ على نشر اسمه الكامل)، لعنب بلدي، إلى أنه باع محله مقابل 15 مليون ليرة سورية، أي نحو 11 ألف دولار، في نيسان الماضي، في حين كان بإمكانه بيعه العام الماضي مقابل عشرة ملايين ليرة سورية، ما يعادل نحو 13 ألف دولار، حينها، ما يعني أن أي حركة في سوق العقارات باتت تشكل مخاطرة كبيرة للتجار.