نبيل محمد
حوار هكذا ورد حرفيًا في مسلسل سوري لم يكسر فيه الكاتب أصابعه بعد أن كتبه، الحوار بين محقق بالغ الذكاء يحقق في جريمة قتل بالغة الذكاء، يستعرض ذكاءه ليستميل طبيبًا شرعيًا بالغ الذكاء لاكتشاف حقائق دقيقة في الجثة. الطبيب: “إنت متجوز مهيك! باين من المحبس، مبارح نايم نومة مو منيحة (…) عندك بنت صغيرة ريحة عطرها عتيابك، دقنك عم تزبطها على إيدك، روح عالحلاق فيها مشاكل هون وهون”.. يرد المحقق: “اللي عرفتو عني ما بيتجاوز اللي عرفتو عنك، إنت يسراوي، أرمل أو منفصل حديثًا، آثار الخاتم لساتها على إيديك، مدخّن شره ما تخلصت أبدًا من عقدة مسك السيكارة”، في هذا الحوار تبدأ العلاقة التي لا شك ستثمر كثيرًا بين محقق “مو متل كل المحققين”، وطبيب شرعي “خارق”، هما (محمد الأحمد وغسان مسعود) بطلا مسلسل بوليسي سوري جديد اسمه “مقابلة مع السيد آدم” يُعرض على شاشة أبو ظبي.
الحوار أعلاه هو الجزء الأكثر بوليسية حتى الآن في العمل، الذي يحاول تحقيق اختلاف ما على صعيد نوع درامي سوري هو من أكثر أشكال الدراما السورية فشلًا في تاريخها، وهو الدراما البوليسية. لا يمكن تعداد النقاط التي يمكن التقاط زوايا فشل العمل، لكن يمكن رؤية جانب له ما له من إمكانيات أن يعمم على أعمال فنية ودرامية سورية كثيرة، وهو محاولة محاكاة نماذج غربية حديثة في أسلوب العمل والحوارات، وبناء الشخصيات، على أن تلتزم تلك المحاكاة بالإطار المحلي الداخلي السوري، بلغته وسياقاته ومدلولاته، لذا فمثلًا يجب أن يتم إلباس القضية بعدها الوطني، ويجب ربط الجريمة ومحاربتها بالسياق الفلسفي والأخلاقي، وليس من المبالغة بمكان إن قلنا تجب “بعثنة المنتج”، بمعنى أن يكون له منطلقاته النظرية، وتجربته التاريخية، وأهدافه، وحتى مشكلاته هي بعثية الشكل.. مثلًا يرد مصطلح “شح الموارد” في الحلقة الأولى ثلاث مرات.. الطبيب الشرعي سيكون محاضرًا في جامعة، يتحدث ما شاء عن فلسفته في الطب الشرعي، وعن عمق هذا التخصص، يجب أن تستنبط منه كمشاهد ميزات الطبيب الشرعي الأخلاقي، وميزات عن ذاك اللاأخلاقي الذي يتيح له الفساد أن يكون طبيبًا شرعيًا، أما المحقق فيجب أن يعطي دائمًا دروسًا بمعنى أن يكون الإنسان محققًا، ما هو التحقيق أصلًا؟ كيف على الشرطي أن يطوّر مهارته كل يوم؟ “نعم، ذاك ليس مبالغة، هناك من يدعو شرطي سوري ليطور مهاراته”، فتغيب المحاكاة بل ويصعب استنباطها أصلًا، وتغيب الجريمة ومكوناتها، خلف القيم والمفاهيم العليا التي على المسلسل أن يؤديها قبل أي وظيفة فنية أخرى.
غسان مسعود هو الطبيب الشرعي المحاضر الأكاديمي، الأعمق من الشخصية الحقيقية له كغسان مسعود، في كل مشهد يجب أن تتضاعف نمطية العمق هذا، يجب أن يغيب الجسد كليًا خلف العمق، ويجب أن تكفي جملة واحدة منه لجعل جميع الشخصيات غاية في الجدية ليس هو فقط، يجب أن ننسى أنه طبيب شرعي، أو ممثل يؤدي دورًا، أو غسان مسعود ذاته، إنه قيمة العمق التي تنضح به الدراما السورية.
سيصطدم كل الذكاء والاستثنائية بوجود محقق خارق وطبيب أخرق منه، بتفاصيل “اللوكيشن” التي لا يمكن ابتداعها، بالمكاتب القديمة الرثة، وملابس الشرطي السوري نفسها وهيئته، والفاكس المعتمد للتواصل في قضايا جرائم كبيرة، والذي يمكن أن تقع صورة الضحية تحته فيضيع تفصيل الجريمة الأساسي. سيصطدم المسلسل بسوريا وواقعيتها، ويُجبر على أن يكون سوريًا رغم كل محاولاته اللاهثة ألا يكون، يجبره الواقع على الانتماء، مثلما أجبرته نمطية البعث الدرامية على أن يلتزم بمبادئها قبل أن يخوض في أي تفصيل. وبذلك المزيج ينتج عمل كوميدي ينتمي إلى صنف الكوميديا غير المقصودة.. تلك الكوميديا الممتعة جدًا.