كتب كل من “فيرا ميرونوفا” و”كرم الأحمد” و”سام ويت” في فورن أفيرز
من المفترض أن يكون شهر رمضان وقتًا للسلم، ولكن في سوريا هناك ما يشبه “المزحة الوحشية”.
هناك بعض الفصائل كجبهة النصرة انتهزت حلول الشهر الفضيل كفرصة لكسب القلوب والعقول، ولكن الآخرين، وبالأخص الأسد والجيش السوري الحر يؤدون شعائرهم الدينية من خلال الهجوم على بعضهم البعض.
أخيرًا، فإن الدولة الإسلامية استخدمت هذه المناسبة لتعزيز سيطرتها على المدنيين وتأجيج الجهاد العالمي، بعبارة أخرى رمضان في سوريا يبدو إلى حد كبير كغيره من الأشهر، بل ربما أسوأ، إنه أطول، وأكثر دموية، كما أنه أشد يأسًا.
صيام بطيء
خلال شهر رمضان بالإضافة إلى الصوم، يوجه المسلمون نحو الامتناع عن السلوك الخاطئ، كقول الزور (الشتائم واللعنات والكذب … الخ)، والقتال.
قبل الحرب وتزايد قوة تنظيم “الدولة الإسلامية”، كل مسلم في سوريا تعلم ذلك خلال دروس دينية إلزامية في المدرسة، إذا أردت الحصول على الحسنات يجب عليك أن تكون ودودًا مع الآخرين في شهر رمضان، لأن العلاقات مع الآخرين هي تقريبًا بنفس أهمية العلاقة مع الله.
بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية، حتى الجماعات التي تدعي القتال باسم الإسلام، لا تُظهر اتّباعًا لهذا المبدأ الأساسي، والأسوأ من ذلك يفسر بعضهم شهر رمضان ويغيرونه بشكل جذري ليتناسب مع مصالحهم الخاصة.
ومع ذلك فإن من بين الجماعات المتحاربة في سوريا، هناك طيف واسع من الارتباط المعنوي بالشهر الفضيل.
في القطاع الذي تسيطر عليه قوات الأسد، لوحظ وجود لشهر رمضان ولكن مع صبغة علمانية، وبالإضافة إلى توفر الأغذية لجيش الأسد ليتناولها على وجبة “الإفطار”، هناك شاحنات كبيرة محملة بالكحول والبيرة والنبيذ يوميًا تصل إلى الخطوط الأمامية.
العديد يتوافقون على أنه وخلال الحرب يجب على المقاتلين الامتناع عن الصيام لحفظ قوتهم للمعركة، ولكن العديد من المدنيين يشعرون بالقلق العميق من الجنود الذين يشربون الكحول وخاصة وقت الإفطار.
وليس هذا فقط فـ “كل الأموال تنفق على شراء الكحول للمقاتلين”، هذا ما أخبرنا به أحد القاطنين في المناطق التي يسيطر عليها النظام، مضيفًا “ولكن ذلك يجعل منهم أشخاصًا غير قادرين على القتال”.
الخصم الرئيسي للنظام، هو الجيش السوري الحر، اتخذ أيضًا وجهة نظر “واقعية” ليأخذ عطلة من الصيام، ولكن بعض المقاتلين لا يلتزمون بذلك.
أحد أعضاء الجيش السوري الحر يقول إن الإسلام يسمح للمقاتلين بالإفطار أثناء الحرب، (الجيش السوري الحر أصدر فتوىً خاصة من أجل هذا الأمر)، وهكذا وخلال شهر رمضان يمكن للمرء أن يجد مقاتلي الجيش السوري الحر يأكلون ويشربون خلال النهار، ولكن المدنيين لا يتسامحون مع ذلك فقط، بل حتى يشجعون على مثل هذا السلوك لأنهم يريدون جنودهم على جهوزية تامة للمعركة.
جماعات إسلامية معارضة كأحرار الشام وجبهة النصرة، يزيدون من سلوكهم الديني في رمضان، ولكنهم يستخدمون ذلك لأغراض استراتيجية.
مقاتلوهم يلتزمون بالصيام حتى على الخطوط الأمامية، ولكن رسالة رمضان، على اعتباره شهر السلام، مفقودة لديهم.
في حلب تخطط هذه المجموعات لمعارك كبرى بحجة أن شهر رمضان يعتبر تاريخيًا شهر الانتصارات العظيمة، في إشارة إلى معركة بدر في 624م (الحرب الأولى بين المسلمين والكفار).
وتتخذ أحرار الشام وجبهة النصرة من شهر رمضان فرصة لكسب قلوب وعقول المدنيين، بالنسبة للمدنيين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرتهم جعلت الزكاة “طواعية” وليس فرضًا بقوة الصوم.
وعلى الرغم من أن هناك عقوبة بالجلد 20 مرة للمدنيين المفطرين في الأماكن العامة، ترى الناس أحرارًا فيما يريديون فعله داخل منازلهم.
وفي الوقت الذي تعاني فيه حلب من نقص في كل شيء، ترعى النصرة مطابخ لإعداد وجبات الإفطار المحتوية على جميع الأطعمة التقليدية بما فيها الدجاج، إذ ترسل الأسر عادة أطفالها مع الأطباق لجمع الغذاء مع اقتراب موعد الإفطار. وتعتمد جبهة النصرة على أسلوب اختلاط المدنيين مع قادة الجماعة وأعضاء الألوية المختلفة التي تتبع إليها.
في المقابل استغلت “الدولة الإسلامية” شهر رمضان لتفرض سيطرة اجتماعية أكبر على السكان وتحث على الجهاد، ليس مجرد فرض لقواعد السلوك التقليدية في رمضان، وإنما تطويعها لأغراض أخرى للدلالة على معنى الشهر الفضيل في سوريا.
رمضان هذا العام مهم بالنسبة لهم، لأنه الذكرى السنوية الأولى لإعلانهم الخلافة، الأمر الذي قد يكون أيضًا سببًا لعدم التزام المجموعة بالكف عن القتال هذا الشهر بل تصعيد هجماتها.
خلال عام من السلطة، أجرت “الدول” عددًا من التعديلات الهامة على الممارسات الدينية، بما في ذلك تعديلها صلاة التراويح، وهي صلاة سنة يؤديها المسلمون السنة في الليل خلال شهر رمضان.
هذه الصلاة عادة تكون عبارة عن 20 ركعة، ولكن في المناطق التي تسيطر عليها “الدولة” تُصلى ثمانية فقط ويقرأ فيها الإمام صفحة من القرآن في كل ركعة.
سابقًا كانت تستمر صلاة التراويح لمدة 45 دقيقة كي تنتهي ولكن الآن يمكن بسهولة أن تأخذ أكثر من ضعف هذا الوقت.
الأمر الآخر، هو قراءة القرآن عادة بعد صلاة العشاء أو أذكار وأحاديث قالها الرسول محمد (ص)، ولكن هذا لم يعد مسموحًا به، لأن “الدولة” تعتبر ذلك ليس من الإسلام، وقد تمت إضافته إلى الدين بعد وفاة النبي، فتراهم الآن بعد الصلاة الأخيرة صامتين.
وليس من الواضح اختيار تنظيم “الدولة” لتعديل هذا التقليد، ولكن من الممكن أن يدل ذلك على سعيه لتغيير العادات حسبما يراه مناسبًا.
وتختلف قدرة التنظيم على إعادة هيكلة رمضان تبعًا لمدى قوته وسيطرته على منطقة معينة، ففي الرقة هناك صرامة في الالتزام بالصيام خلال شهر رمضان، وإذا عثر على رجل يأكل أو يشرب خلال ساعات النهار فسيتم وضعه داخل قفص وسط المدينة، ويجبر على الجلوس هناك حتى نهاية شهر رمضان.
تبدو تلك العقوبة وحشية في كل الأماكن، ولكن في حزيران داخل سوريا ستكون شيئًا لا يطاق.
في مكان آخر كالموصل مثلًا لا يسمح للمرأة بالخروج خلال شهر رمضان، إذ أوضح بعض عناصر التنظيم لنا أن ذلك يحدث لأنه “إذا نظر الرجل إلى المرأة في رمضان يتخيل شكل وجهها وسيكون أكثر عرضة لإبطال صيامه”.
أما في دير الزور لا تزال هناك عادات محلية راسخة، ونجح بعض المدنيين في مقاومة التنظيم، إذ قيل لنا إن معظم عناصر الأخير غير قادرين على سجن أو جلد أي شخص يقبض عليه مفطرًا في رمضان لأن القبائل المحلية تتدخل حينها.
وعلى الرغم من شدة العقوبة وقسوتها هناك البعض من أتباع التنظيم سعيدون للطريقة التي يستخدمها في رمضان، ووفقًا لرجل كان موالٍ للتنظيم ويعمل الآن مع إحدى المجموعات في دير الزور، فإنك “في هذا الوقت تشعر وكأنك في مكة المكرمة خلال عهد النبي محمد (ص)”، مضيفًا “رمضان في المدينة هو كرمضان قبل 1400 سنة من الآن”.
مما لا شك فيه أن المشاعر الإيجابية نادرة نسبيًا، في دير الزور هناك العديد من المستائين من مقاتلي التنظيم، الذين ينظمون حفلات إفطار فاخرة كالسمك، داخل المنطقة التي مزقتها الحرب ومنعت سكانها من الوصول إلى البحر منذ فترة طويلة.
ويشكو المدنيون أيضًا من توزيع المساعدات الغذائية خلال رمضان. إذ يقوم تنظيم “الدولة” بجمع زكاة إلزامية بمقدار 2.5 بالمئة من دخل الأسرة لتوزيعها على الفقراء من خلال هيئة يدعونها “بيت المسلمين”.
ويقوم التنظيم باعتماد نظام البطاقة في دير الزور (البطاقات الحمراء للأسر الفقيرة للغاية والصفراء للعوائل الأقل فقرًا)، ولكن نظام التوزيع هذا لم يحفظ الناس من الجوع، فوفقًا لأحد السكان المحليين فإن “التنظيم غير مفيد على الإطلاق، فهم لا يفتتحون المطابخ للفقراء في سوريا، لذلك يبحث الناس في حاويات القمامة بالقرب من مقراتهم للبقاء على قيد الحياة”.
ليس هناك سِلم
يبدو أن المقاتلين في سوريا قد نسوا رسالة رمضان، وحتى أولئك الذين يدعون القتال باسم الإسلام، كان يمكن أن يكون رمضان فرصة هامة لهم للحوار ولكن ليس بالطريقة التي تحصل في سوريا اليوم.
يجب أن يوفر رمضان المزيد من الوقت للتفكير والتفاوض وإعادة البناء، ولكنه بدلًا من ذلك أصبح شهر الدمار، وللأسف فإن هذه النتيجة ليست فريدة من نوعها في سوريا، فعلى سبيل المثال، في عام 2014 اندلع القتال بين حماس وقوات الدفاع الإسرائيلية داخل غزة وخلال حرب 2003-2007 في العراق استمرت هجمات المتمردين خلال شهر رمضان، كما أن حرب تشرين 1973 جرت في شهر رمضان الكريم.
يبدو أن الاستراتيجية في سوريا هي كغيرها مما حدث من صراعات في الماضي. الشهر لم ينته بعد، ويبدو أن العنف في تصاعد بشكل يومي.
نُشر في 8 تموز وترجمته عنب بلدي، لقراءة المقال باللغة الإنكليزية من المصدر اضغط هنا.
–