سوريون أسرى في الصراع الليبي.. من أرسلهم واستقبلهم يلتزم الصمت

  • 2020/05/03
  • 12:00 ص

رئيس حكومة "الوفاق" الليبية فايز السراج والمشير خليفة حفتر وأسرى سوريون بيد قوات حفتر (تعديل عنب بلدي )

عنب بلدي – تيم الحاج

لم يعد وجود السوريين الذين يقاتلون لمصلحة طرفي الصراع في ليبيا مسألة تقبل التشكيك، إذ صارت حسابات الفصائل العسكرية الليبية تعج بتسجيلات مصوّرة تُظهر سوريين مقاتلين وقعوا أسرى في أثناء قتالهم في ليبيا.

مع نهاية عام 2019، انتشرت أخبار عن وجود مقاتلين سوريين بدعم تركي في ليبيا، يقاتلون إلى جانب حكومة “الوفاق” صاحبة الاعتراف الدولي، والتي تواجه هجومًا من قبل قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يسيطر على الشرق الليبي، بما فيه من منابع للنفط.

بقيت هذه الأخبار تُقابَل بنوع من التشكيك، إلى أن خرج الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 5 من كانون الثاني الماضي، وتحدث عن مشاركة جنود ليسوا أتراكًا إلى جانب حكومة “الوفاق” في ليبيا.

لم يفصح حينها أردوغان عن جنسية وعدد هؤلاء، لكنه عاد، في 21 من شباط الماضي، ليوضح أن أشخاصًا من “الجيش الوطني السوري” في المعارضة السورية، موجودون في ليبيا إلى جانب مدربين أتراك.

واليوم وبعد مرور أكثر من شهرين على حديث الرئيس التركي، بدأت الصورة تتجلى أكثر فأكثر حول طبيعة المقاتلين السوريين في ليبيا.

إذ تظهر التسجيلات المصورة القادمة من ليبيا اعترافات لسوريين وقعوا في الأسر، يقولون إنهم جاؤوا عبر تركيا ليقاتلوا إلى جانب حكومة “الوفاق” مقابل عرض مالي.

ولا يقتصر وصول المقاتلين السوريين إلى ليبيا على الذين تجلبهم تركيا، فروسيا التي تقف مع حفتر، تعمل على إرسال مقاتلين سوريين أيضًا، إلا أنه لم تخرج لهؤلاء تسجيلات تُظهر وقوعهم في الأسر لدى مقاتلي “حكومة الوفاق”.

ومُنيت آخر محاولات تجنيد روسية لسوريين في ليبيا بالفشل، ففي 12 من نيسان الماضي، نشر ناشطون إعلاميون من الجنوب السوري صورًا لحافلات تحمل العشرات من الشبان، اتفقت معهم روسيا لنقلهم إلى ليبيا.

إلا أنه ووفق ما رصدته عنب بلدي، فإن الاتفاق لم يُنفّذ، إذ اكتشف الشبان أن الغرض الأساسي منه هو القتال وليس حراسة آبار النفط وفق ما اتفقت معهم روسيا بداية.

“الوفاق” ترد على عنب بلدي

أمام هذا المشهد، يبرز تساؤل مهم عن مصير السوريين الذين وقعوا في الأسر بيد القوى المتصارعة في ليبيا.

والسؤال هنا يُركّز على من أوصلتهم تركيا إلى هناك، فحتى الساعة، لم يخرج أي تصريح رسمي تركي أو من “حكومة الوفاق” يتحدث عن إجراءات من أجل السوريين الذين تعتقلهم قوات خليفة حفتر.

توجهت عنب بلدي بهذا السؤال إلى “حكومة الوفاق”، التي قال عنها المقاتلون السوريون الأسرى إنها هي التي اتفقت معهم للقتال إلى جانبها ضد حفتر مقابل رواتب شهرية، وعلى شكل “مرتزقة”.

الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية في “الوفاق”، محمد القبلاوي، رد بالقول، إن ما يبثه إعلام خليفة حفتر ليست له مصداقية، ولا يرتقي لكي يكون أداة توثيق.

وعزز رأيه بالقول، إن أحد المقاتلين ممن خرجوا مؤخرًا على أساس أنه سوري يقاتل مع “حكومة الوفاق”، تبيّن أنه مواطن ليبيي، وتمت فبركة فيديو له على أنه أسير سوري.

ويقصد القبلاوي هنا التسجيل المصور الذي انتشر لرجل يتحدث باللهجة الليبية، ويقول إنه سوري يقاتل مع “حكومة الوفاق” ضد حفتر، وقد لقي هذا التسجيل تشكيكًا منذ بداية نشره، حتى إن منصات إعلامية تابعة لحفتر تراجعت وحذفته.

لكن عنب بلدي أعادت التأكيد للناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية في “الوفاق”، محمد القبلاوي، على وجود عشرات التسجيلات المصوّرة التي ظهر فيها أسرى يتحدثون اللهجة السورية، دون أي تزييف فيها، وزوّدته ببعض هذه التسجيلات.

ورد القبلاوي بالقول، “حكومة الوفاق أبرمت مذكرة تفاهم مع الحكومة التركية، لمدها بالدعم اللوجستي، ومدها بالعتاد والجنود الذين يدربون قواتنا في مختلف المستويات، وهؤلاء الجنود جميعًا من تركيا ويحملون جنسيتها”.

“الجيش الوطني السوري”: لا تعليق

توجهت عنب بلدي بالسؤال عن مصير المقاتلين السوريين الأسرى إلى قياديين كبيرين في “الجيش الوطني السوري”، لكنهما اكتفيا بالقول، إنه لا علم لهما بهؤلاء المقاتلين.

كما طرحت عنب بلدي هذا السؤال على ناطق باسم أحد الفصائل التابعة لـ”الجيش الوطني”، والذي بدوره طلب أن يُعفى من الإجابة، وتحفظ على ذكر اسمه.

ويتوافق عدم إصدار “الجيش الوطني” أي تعليق حتى الساعة عن مصير هؤلاء مع تصريح قديم للناطق باسمه، الرائد يوسف حمود، الذي قال لعنب بلدي، في 25 من كانون الأول 2019، إن المعلومات الواردة عن عرض تركي لإرسال مقاتلين من قواته إلى ليبيا غير صحيحة، و”لم يُقدَّم أي عرض لـ(الجيش الوطني) بهذا الشأن”.

القانون الدولي والمرتزقة

يرى مدير “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، إبراهيم العلبي، أن من حق الأسرى السوريين في ليبيا أن يعامَلوا وفق قوانين الحرب والقانون الدولي الإنساني، مشيرًا إلى هذا القانون يضمن عدم تعرضهم للتعذيب، كما يضمن لهم الحق في الغذاء والصحة والتواصل مع ذويهم.

ولفت إلى أنه حتى إن كان هؤلاء جاؤوا على شكل “مرتزقة”، فهذا لا يعني أن محاسبتهم وقتلهم يكون خارج القانون الدولي، عبر عمليات تصفية وإعدام.

وإذا ارتكبوا جرائم حرب، وفق العلبي، فتجب محاكمتهم محاكمة عادلة وفق القانون الدولي، وضمن أصول وشروط المحاكمات، بمعنى أن لهم حق الدفاع وإجراء محاكمة علنية.

وأشار إلى أن المنظمات الحقوقية السورية والدولية يمكن أن تسلّط الضوء على طريقة معاملة هؤلاء الأسرى والمطالبة بعدم تعريضهم للأذى، مؤكدًا أنه لم يرصد حتى الآن أي تقارير حقوقية حول هذا الموضوع، وأن ما يُتداول عن وجود “مرتزقة سوريين” في ليبيا هو فقط أخبار، ولا وجود لتقارير حقوقية موثقة عنهم.

من هم المرتزقة

بحسب الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، الصادرة عن الأمم المتحدة في كانون الأول عام 1989، فإن المرتزق هو “أي شخص يُجنَّد خصوصًا، محليًا أو في الخارج، للقتال في نزاع مسلح، ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في الأعمال العدائية هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي عبر مكافآت تُقدّم له من قبل طرف من أطراف النزاع”.

كما تضمنت الاتفاقية صفة المرتزق بأنه ليس طرفًا من طرفي النزاع وليس من أفراد القوات المسلحة للطرفين، ولم توفده دولة ليست طرفًا في النزاع بمهمة رسمية، إضافة إلى أن هدفه هو مغنم شخصي و”الإطاحة بحكومة ما أو تقويض النظام الدستوري لدولة ما بطريقة أخرى”.

وباختصار التعريفات التي تضمنتها الاتفاقية، التي تضم 21 مادة، فإن المرتزقة هم أشخاص يجنَّدون من قبل دولة ما ليحاربوا من أجلها في دولة أخرى، بهدف تحقيق مكاسب سياسية.

مقالات متعلقة

دولي

المزيد من دولي