عنب بلدي – عبد الله خطيب
ينتظر مئات الآلاف من النازحين داخليًا في شمال غربي سوريا، طريقة للانتقال من خيمة مهترئة إلى غرفة أسمنتية، يتوفر فيها الحد الأدنى من الحاجات الإنسانية.
وبدأت منظمات إنسانية تنشط في المنطقة للعمل على إيجاد بدائل، بتجهيز قرى صغيرة تتكون من غرف أسمنتية (وحدات سكنية) على الحدود السورية- التركية، تسلّم كل واحدة منها لعائلة تختارها المنظمات بحسب معاييرها.
وتساءلت عنب بلدي عن كيفية تجهيز هذه القرى، وما توفره من خدمات، وما حجم تغطيتها الحقيقية لحاجة النازحين، متحدثة إلى الجهات المعنية من منظمات وعوائل وخبراء.
وتصل أعداد النازحين في أرياف إدلب وحلب جراء الحملات العسكرية التي بدأت في نيسان 2019 إلى مليون ونصف المليون، بحسب أرقام فريق “منسقو استجابة سوريا”.
كأنها قصر.. لكنها ليست منزلًا
“بعدما تشردنا في العراء، ثم استغلنا التجار برفع إيجارات المنازل، تسلّمنا هذه الغرفة في قرية (المدينة المنورة)، وشعرنا كأنها قصر”، هكذا وصف صالح وليد العكل حالته لعنب بلدي.
تتكون أسرة صالح من خمسة أشخاص، ونزح من مدينة كفرنبل جنوبي إدلب متنقلًا إلى عدة قرى، وكان يدفع إيجارًا شهريًا قدره 50 دولارًا، ما زاد حالته فقرًا، بحسب تعبيره.
يسكن صالح في الوحدة السكنية التي تسلّمها منذ شهر، ورغم “جودة الخدمات” التي تحدث عنها، توجد دومًا نواقص أخرى متعلقة بالمواد الإغاثية والمياه وتوفر الخبز.
وناشد المنظمات لإيجاد حل لهذه النواقص، وإنشاء نقطة طبية ومدرسة، وتوصيل خطوط للكهرباء، فبعض الساكنين الجدد لا يملكون بطاريات لتغطية انعدام الكهرباء.
محمد نواف الحلاق، نزح من مدينة كفرنبل بعد نزوح مركّب من دمشق إلى سنجار ليستقر في عزمارين، لكنه لم يتمكن من تأمين إيجار شهري لعدم توفر العمل في الشمال السوري.
حصل محمد نواف بعد ذلك على وحدة سكنية منذ خمسة أشهر في مشروع “ملهم التطوعي”، ببلدة باريشا، ووصف الغرفة الأسمنتية التي يسكنها بأنها أفضل من الخيمة “بألف” مرة، والخدمات متوفرة فيها، ولكنها ليست منزلًا.
أكثر من 13 ألف وحدة سكنية
تواصلت عنب بلدي مع ثلاث منظمات تعمل على مشاريع خاصة بإنشاء قرى النازحين في الشمال السوري، وهي هيئة “الإغاثة الإنسانية التركية” (IHH)، وفريق “ملهم التطوعي”، و”جمعية التعاون الخيرية”.
وأفادت هذه الجهات، التي تعمل على أكثر من 13 ألف وحدة سكنية، بتفاصيل مشاريعها وما أُنجز منها، وما تسلّمه النازحون بالفعل، وآلية اختيار الحاصلين عليها.
المسؤول الإعلامي لهيئة “الإغاثة الإنسانية التركية” (IHH) في الداخل السوري، عدي الصطوف، أوضح أن المنظمة تعمل على 30 مشروعًا للوحدات السكنية لتعويض النازحين.
الهدف المبدئي من المشروع هو 12 ألفًا و400 وحدة سكنية، بينما وصل عدد الكتل المنجزة بالكامل حتى الآن إلى ما يقارب ثلاثة آلاف وحدة، وعدد العائلات المستفيدة منها إلى ألف و500 عائلة نازحة.
وتكمل “IHH” ما يقارب من 600 إلى 900 وحدة سكنية بشكل شهري وفقًا للظروف، ولا توجد في المشروع شراكات مع جهات أخرى، بل يُنجز بشكل كامل من قبل “المكتب الهندسي” في المنظمة.
بينما يعمل فريق “ملهم التطوعي” على مشروع يضم أكثر من ألف وحدة سكنية، أُنجز منها 435 وحدة، وسُلّمت بشكل فوري للعائلات، بحسب مدير الفريق في منطقة إدلب، عبد الله السويد.
وأوضح السويد أن المشروع يشمل بناء وحدات سكنية أسمنتية مكونة من غرفتين ومرافقهما، وتمديدات صحية كاملة، وتعبيد الطرقات.
وأشار إلى أنه من المتوقع اكتمال المشروع بشكله النهائي خلال أشهر، بينما ستعلن المنظمة عن مراحل جديدة فيما بعد، تضم مئات الكتل السكنية في عدة مناطق حدودية.
ويموّل فريق “ملهم التطوعي” مشروعه من خلال جمع التبرعات الفردية فقط، بحسب السويد، نافيًا وجود شراكات مع منظمات أخرى.
مدير ملفات الإحصاء والدراسات في جمعية “التعاون الخيرية”، فضل عمران العكل، قال لعنب بلدي إن مشروع الجمعية هو إنشاء مخيم خاص بأهل مدينة كفرنبل تحت اسم “المدينة المنورة”.
عدد الوحدات السكنية المبنية بشكل كامل في هذه القرية حتى الآن 520 وحدة سكنية، وتعمل الجمعية على توسعته بـ28 وحدة إضافية، وعدد العائلات التي سكنت فيها 514 عائلة.
وتعمل الجمعية على هذا المشروع من خلال شراكات مع المنظمات، فالقسم الأول منه أُنشئ بالتعاون مع منظمة “بناء الإنسان”، وبقية الأقسام أُكملت بالتعاون مع فريق “ملهم التطوعي”.
وتوجد في المنطقة مشاريع متفرقة، يصعب إحصاؤها، تنفذها جمعيات بدعم خليجي، كقرية “صباح الأحمد الخيرية”، التي افتُتحت في نيسان الماضي، وقرى أخرى دعم تنفيذها “الهلال الأحمر القطري”.
كيفية اختيار أصحاب النصيب
تختار المنظمات المستفيدين حسب معايير تضعها كل واحدة على حدة، وتسلَّم بشكل مجاني دون أي أجر أو مقابل من العائلات، وأجابت الجهات التي تواصلت معها عنب بلدي عن هذا التساؤل.
المسوؤل الإعلامي الخاص بمنظمة “IHH” في الداخل السوري، عدي الصطوف، قال إن الفئات الأكثر استفادة أو المحددة بحسب أولويات المنظمة، هي العوائل المهجرة من البلدات ذات التماس المباشر مع قوات النظام السوري، أو الموجودة بالقرب من خطوط الجبهة.
في حين قال مدير فريق “ملهم التطوعي” في منطقة إدلب، عبدالله السويد، إن المنظمة استهدفت في المرحلة الأولى الفئة الأكثر ضعفًا، وهي الأرامل المعيلات.
ثم استهدفت المرحلة الثانية إخلاء العوائل النازحة من مراكز الإيواء الجماعية، ونقها إلى كتل سكنية مستقلة لكل عائلة.
أما جمعية “التعاون الخيرية” فعملت على خمس مراحل لتسليم الوحدات: الأولى أصحاب الإعاقة (رب أسرة من ذوي الإعاقة ومعيل لأسرته)، والثانية لزوجات المعتقلين، والثالثة للأسر التي أحد أفرادها من ذوي الإعاقة، والرابعة للأرامل، وأخيرًا للنازحين من الحملة العسكرية الأخيرة على ريف حلب الغربي والجنوبي.
“منسقو الاستجابة” يقدّر الحاجة الفعلية للنازحين
قدّر مدير فريق “منسقو الاستجابة”، محمد حلاج، أعداد النازحين المستفيدين من هذه المشاريع، بأنها لا تتجاوز بحدها الأقصى حتى الآن ألفين إلى ألفين و500 عائلة.
وأوضح حلاج لعنب بلدي أن هذه المشاريع لا تجهَّز بشكل كامل، وتنفَّذ على أجزاء، وتسلَّم مباشرة لمن وقع عليهم الاختيار، واصفًا هذه الأعداد بأنها ليست كبيرة.
لم تتموضع هذه المشاريع بشكل واضح على الخريطة بعد، بحسب حلاج، فبعضها يستهدف إنشاء الوحدات السكنية، بينما تعمل مشاريع أخرى على ترميم المباني للسكان المقيمين في المنطقة، مقابل إسكان نازح لمدة معينة بلا عقد إيجار أو مع عقد بين المنظمة وصاحب المبنى، وهو ما تقوم به منظمتا “SDI” و”SRD”.
ويرى حلاج أنه من المفترض أن تتجه المنظمات لإنشاء الوحدات السكنية أكثر من الترميم.
ولا تغطي هذه المشاريع، في حالة اكتمالها بشكل نهائي، سوى 3% أو 4% من أعداد النازحين، والأفضل أن يعود الناس إلى منازلهم، ولكن منهم من لا يستطيعون بسبب سيطرة النظام السوري على قراهم أو تهدّم منازلهم بشكل كلي نتيجة القصف.
ووثّق الفريق عودة 18 ألفًا و474 عائلة إلى قرى ريفي إدلب وحلب حتى 12 من نيسان الماضي، بعد اتفاق روسيا وتركيا، في 5 من آذار الماضي، لكن هذه العائلات تمثل 9.94% فقط من مجموع النازحين.
ولا توجد نسبة معينة من النازحين ينتظرون تسلّم وحداتهم السكنية، إذ يعود ذلك، بحسب حلاج، إلى معايير المنظمات لاستقبال حالات خاصة، مثل ذوي الإعاقة والأرامل والأيتام والذين ليس لديهم أي مصدر دخل.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في إدلب يوسف غريبي