عنب بلدي – خولة حفظي
تعتذر بعض المراكز الطبية التي تستقبل مرضى سوريين في اسطنبول عن عدم معاينة “الحالات الباردة” بعد انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في تركيا، وخفضت مراكز أخرى من أوقات دوامها أو من كادرها الطبي، في حين أُغلقت مراكز أخرى بالكامل.
يجد السوريون في اسطنبول صعوبة في إيجاد مركز طبي للتداوي منذ تفشي جائحة “كورونا” في تركيا، وما رافقها من إجراءات احترازية، ما وضع العلاج بعيدًا عن متناولهم.
وروت السورية المقيمة في اسطنبول ريم داوود، لعنب بلدي، أنها لم تستطع تأمين معاينة لابنها في عيادة عينية بأحد المراكز الطبية، واكتفى المركز بوصف قطرة عينية معقمة عبر الهاتف.
أما محمد المظلوم، وهو سوري يقيم في اسطنبول، فقال لعنب بلدي، إنه عانى من فطريات في قدميه، وعندما طلب موعدًا من المركز الطبي القريب من سكنه، رفض المشرف على المركز الموافقة على طلبه واستقباله كونه من “الحالات الباردة”.
بينما نجحت عائشة مصطفى بتطعيم طفلها في مركز طبي، وقالت لعنب بلدي، إن مقاعد الانتظار أُلغيت بالكامل واقتصر العمل على كادر طبي قليل، إضافة إلى تراجع ملحوظ في عدد المراجعين عما كانت تشاهده سابقًا في المركز ذاته.
ويبلغ عدد السوريين في تركيا أكثر من ثلاثة ملايين و585 ألفًا، منهم 496 ألفًا و561 شخصًا في ولاية اسطنبول، بحسب دائرة الهجرة التركية.
العمل مستمر
يتركز وجود اللاجئين السوريين في مناطق عدة داخل مدينة اسطنبول، على رأسها مناطق الفاتح وأسنيورت وأفجلار، ويفتتحون فيها مراكز طبية تسهل عليهم الحصول على الخدمات الطبية.
ويلجأ السوريون إلى المراكز الطبية السورية الخاصة في تركيا، المرخصة منها وغير المرخصة، لسهولة التعامل بعيدًا عن عائق اللغة، إضافة إلى عدم الحاجة إلى مواعيد مسبقة.
وقال مدير “مجموعة عيادات الشام التخصصية”، الدكتور محمد خبي، إن مواعيد وساعات العمل تقلّصت بسبب انتشار فيروس “كورونا” إضافة إلى قدوم شهر رمضان.
أما مدير مركز “النور” الطبي، الدكتور مهدي داوود، فأكد أن مواعيد عمل الأطباء لم تتغير، بل ازداد الدوام في بعض الأيام لتعويض الأيام التي يكون فيها حظر تجول.
بينما أغلق مركز “رودي” الطبي والتجميلي الواقع بمنطقة الفاتح بشكل كامل، وفي تواصل مع عنب بلدي، اكتفى المركز بالقول إن الإغلاق كان حرصًا على سلامة المراجعين وإنه مستمر حتى إشعار آخر.
وتعطّل “عيادات الشام” الواقعة في منطقة باغجلار باسطنبول خلال الأيام التي يُفرض فيها حظر للتجول في تركيا، أما في الأيام العادية فما زال دوام المركز كالمعتاد، إلا أن بعض الأطباء “اعتذروا عن عدم متابعة العمل”.
وبحسب الدكتور محمد خبي، اتخذ بعض الأطباء قرارات فردية بالتوقف عن العمل لتخفيف الازدحام بالمراكز، مثل طبيب العينية باعتبار حالاته باردة، وطبيب القلبية الذي كان يستقبل حالات إسعافية طارئة قليلة.
الضرورة القصوى
ينصح مقسم “عيادات الشام” المرضى بعدم القدوم إلى المركز إلا لحالات الضرورة القصوى، ويعاينها حينها الطبيب المختص، وذلك حرصًا على تخفيف الاختلاط قدر المستطاع، وبالتالي الحد من انتشار الفيروس، بحسب الدكتور محمد خبي.
وعزز مدير مركز “النور” الطبي الواقع في منقطقة الفاتح، الدكتور مهدي داوود، الفكرة السابقة، بضرورة عدم القدوم إلى المراكز الطبية إلا للضرورة.
وبحسب الدكتور مهدي داوود، فإن “المشكلة تكمن بصعوبة إقناع الناس بذلك، فهم يظنون أن كل حالاتهم عاجلة حتى في أبسطها”.
وأضاف، “نستقبل كل الحالات التي تأتي للمستوصف، إلا أننا لا نعالج المصابين بفيروس كورونا، وإنما نشخص الحالة ونوجه المرضى بناء عليه للمراكز والمشافي الحكومية”.
وخففت المراكز الطبية مقاعد الانتظار، وألزمت المراجعين بارتداء الكمامات، كما طبقت التعقيم بعد كل معاينة.
مناوبات
بدأت الحكومة التركية بتدريب أطباء وممرضين سوريين، على آلية عمل نظام الصحة الخاص بها في خطوة لإعدادهم لتقديم خدمات طبية للاجئين السوريين في تركيا، منذ آذار من عام 2017.
وتحظى مراكز طبية بدعم الدولة التركية وتقدم خدماتها مجانًا، لكن بعضها يحتاج إلى مواعيد مسبقة وبطاقة “كيملك” من نفس الولاية، مثل “مراكز صحة المهاجرين” (Göçmen Sağlık Merkezleri).
وقررت وزارة الصحة التركية تقسيم العمل إلى مناوبات بين الأطباء في “مراكز صحة المهاجرين”، بحيث يعمل نصف عدد الأطباء في كل يوم، وفقًا لما قالته اختصاصية الطب العام، الدكتورة منار جمعة، التي تعمل في أحد المراكز باسطنبول.
وأضافت أن المركز يفتح أبوابه من الثامنة صباحًا حتى الخامسة عصرًا، وما زال يستقبل جميع الحالات كما في الأيام العادية، إضافة إلى الحالات المشتبه بإصابتها بفيروس “كورونا”.
عيادات غير مرخصة
توفر بعض المراكز الطبية السورية فرص عمل للأطباء السوريين الذين لم يتمكنوا من معادلة شهاداتهم في تركيا، وهو ما يمنعهم من العمل في المشافي التركية، أو افتتاح عيادات خاصة.
إلا أن أطباء سوريين افتتحوا عياداتهم رغم عدم معادلة شهاداتهم، وبقيت هذه العيادات “سرية” وبعيدة عن أعين الشرطة، معتمدين في جذب المرضى إليها على الأصدقاء أو المجموعات السورية على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويقول طبيب أسنان، تحفظ على ذكر اسمه، لعنب بلدي، إن الحكومة التركية نفّذت حملات مكثفة على المراكز الطبية كافة منذ بدء تفشي فيروس “كورونا”، ووجهت دوريات شرطة لضبط المخالفات.
ويعمل طبيب الأسنان في عيادة خاصة غير مرخصة منذ قدومه إلى تركيا قبل خمس سنوات، ولم يعادل شهادته السورية لصعوبات كثيرة، أبرزها صعوبة امتحان المعادلة، واشتراط اجتياز امتحان اللغة قبل ذلك.
وأغلق طبيب الأسنان عيادته بعد أن ازدادت حملات التفتيش، رغم وجود مواعيد لمرضى كانوا قد بدؤوا بجلسات العلاج سابقًا، وأضاف، “قررت إغلاقها خشية انتشار الفيروس من جهة، وخوفًا من تغريمي من قبل الحكومة التركية”.
ووصل عدد الإصابات بفيروس “كورونا” في تركيا إلى أكثر من 120 ألفًا، توفي منهم 3174 شخصًا، حتى 2 من أيار الحالي، بحسب أرقام منظمة الصحة العالمية.
بينما شُفي قرابة 54 ألفًا، بحسب أرقام موقع “Gis And Data“، الذي تديره جامعة “جونز هوبكنز” الأمريكية للأبحاث والبيانات.