التعليم "عن بُعد" أفضل من البعد عن التعليم
التعليم عن بعد في إدلب.. حضر الطلاب والمعلمون في إدلب وغابت الوسائل
عنب بلدي – خولة حفظي
مع وقف دوام الطلاب والمدرّسين في إدلب ضمن إجراءات وقائية لمواجهة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، توجهت مديرية التربية في المحافظة إلى استئناف العملية التعليمية “عن بُعد”، ورغم جهود الأهالي والمعلمين لإنجاح التجربة، فإنها لم تحل دون ظهور مشاكل واجهت الطلاب في أثناء التعلّم بالطريقة الجديدة.
بعد مضي أكثر من شهر على تفعيل التجربة، توضّحت مشاكلها بشكل أكبر، لا سيما نقص الإمكانيات المتعلقة بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال غربي سوريا.
“تتلقى ابنتاي دروسهما عبر مجموعة أنشأها المدرّس على (واتساب)، وأنا أهتم بتدريسهما ومساعدتهما في الطريقة الجديدة للتعلّم”، يصف طارق العبيد، وهو والد لطفلتين في إدلب، تجربة ابنتيه ودوره في مساعدتهما للتعلّم “عن بعد”.
وتدرس الطالبتان في المرحلة الابتدائية، إحداهما في الصف الأول والأخرى في الصف الثاني، وتتابعان التعلّم بجدية، وتشعران بالحماسة، وتطلبان من والدهما أن يطلعهما على الدروس الجديدة حتى في أيام العطل، بحسب ما قاله والدهما لعنب بلدي.
وكانت مديرية التربية في محافظة إدلب، قررت في 29 من نيسان الماضي، استئناف العملية التعليمية من خلال الخيارات المتاحة للتعلّم “عن بُعد”، حتى نهاية الدوام الرسمي المحدد في 6 من أيار المقبل.
غياب الوسائل
يعتمد نظام التعليم “عن بُعد” في مدن وأرياف إدلب على وضع المعلم ومسؤول الحماية وأمين المكتبة خطة أسبوعية، بإشراف الموجه ومدير المدرسة والمعلم الأول.
وتشمل الخطة ما سيشاركه المدرّس مع الطلاب من مواد على شكل صور ومقاطع مصورة وتسجيلات صوتية ونصوص مكتوبة، ترسل لذويهم عن طريق تطبيق التواصل عبر الهاتف المحمول “واتساب”.
لكن سعود العيسى، وهي طالبة في الصف الرابع بإدلب، تواجه صعوبات كبيرة في تلقي الدروس بسبب ضعف الإنترنت.
بينما عانى طلاب آخرون من عدم امتلاك هاتف محمول، كالطالب في الصف الثالث الابتدائي سليمان الحمادي، الذي قال إنه يتابع الدروس عبر هاتف أبيه، ويستثمر فترة وجوده في المنزل قبل أن يصطحب هاتفه معه عندما يخرج إلى العمل.
وتحدث الطفل أن المعلم يشرح له ولأصدقائه الدرس بشكل جيد، كما لو أنهم موجودون في الصف، لكنه يفضل التعليم في المدرسة.
وفي نظام التعليم الجديد، يشارك المعلّم المواد الدراسية مع الأهالي بشكل يومي، ويصحّح المواد التي تصل إليه، ويجيب عن استفسارات الطلاب عبر المجموعات المنشأة على التطبيق.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للعلم والثقافة والتربية (يونسكو) أشارت إلى “فجوات رقمية مروعة” واجهت التعليم “عن بُعد”، لا سيما في البلدان المنخفضة الدخل، حيث لا تتوفر الأجهزة أو الإنترنت اللازمين لمتابعة التعلّم.
بدأ العام الدراسي 2019- 2020 متعثرًا تعليميًا في إدلب، إذ تأخر بدء الدوام ثلاثة أسابيع.
بحسب أرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) فإن نصف المدارس في إدلب مدمرة، أو متضررة، أو تُستخدم لإيواء النازحين داخليًا.
وتشير تقديرات المنظمة إلى أن أكثر من 300 ألف طفل متأثرون في المحافظة.
وكان ملايين الأطفال في سوريا خارج المدرسة أو في خطر التسرب، مع دخول العام العاشر من الصراع.
وأدى تعليق الفصول الدراسية منتصف آذار الماضي، كإجراء وقائي، إلى مزيد من عدم اليقين لملايين الأطفال الآخرين.
دور الأهل
يمارس الأهالي في التعلّم “عن بعد” دورًا فعالًا، لأن الطفل يتعلّم في بيته وسط عائلته على عكس التعليم التقليدي، وكلما كانت البيئة المحيطة بالطالب ملائمة كان التعليم مجديًا أكثر.
ويقول طارق العبيد، وهو والد طالبتين في إدلب، “أحاول مساعدة طفلتيّ بشتى ما أملك من معلومات، وبعد أن يرسل المعلّم الدرس، أجلس معهما لتفهماه بشكل كامل”.
أما أحمد سليمان، وهو والد لطالب في الصف الخامس وآخر في الصف الثالث، فقال لعنب بلدي إنه لا يمتلك الوقت اللازم لمتابعة دروس أبنائه، واختار أن يعمل ليطعم عائلته على التفرغ لتدريسهم، في حين تجد زوجته صعوبة في شرح بعض الدروس.
ويحتاج التعلّم بهذه الطريقة إلى تفرغ كامل من أحد الأبوين، والوقت الكافي والدراية باستخدام منصات التعليم، وتقع على عاتق الأهل مهمة إقناع الطفل أنه بفترة دراسة وليست عطلة.
وفي حديث لعنب بلدي، قال مدير إحدى المدراس في مخيمات كللي شمال إدلب، ساري الرحمون، إن أبرز الصعوبات التي تواجه التعليم “عن بُعد” هي غياب الخبرة بأساليبه بين الأهالي، إضافة إلى مشاكل تقنية كضعف الإنترنت أو عدم توفر أجهزة حديثة بين أيدي الطلاب.
وأضاف، “نحاول العمل على حل هذه المشاكل، بمساعدة أولياء الأمور ممن أخذوا الموضوع على محمل الجد ويتابعون ويساعدون في هذا الأمر خطوة بخطوة”.
المدرسة والمعلّم
لا تختلف الصعوبات التي واجهت الطلاب والأهالي كثيرًا عن تلك التي واجهت المدرّسين، وتتمثل بضعف الإنترنت وغياب الأجهزة التكنولوجية الحديثة.
ولا يقتصر الأمر على إدلب فقط، إذ واجه المعلمون حول العالم “تحديات كبيرة” بعد انتقالهم إلى التعليم “عن بُعد”، حتى في الدول التي تمتلك بنية أساسية تكنولوجية مجهزة يمكن التعويل عليها.
وبرزت حاجة المعلمين إلى تلقي التدريب اللازم لتقديم التعليم، ويضاف إليها غياب العوامل المساعدة في إدلب، كالإنترنت والكهرباء والبنى التحتية التي تسهم في إيجاد منصات ومواقع تعليمية.
وفي حديث لعنب بلدي، قال مدير مجمّع إدلب، عبد الله العبسي، إن التحديات كثيرة لدى المعلم والمتلقي، مضيفًا أن أغلبها تقني يتعلق باستخدام الأجهزة والإنترنت وتوفرهما وتكلفتهما.
ودعم المجمّع تدريب المعلمين لاستخدام البرامج اللازمة لتطوير عملية التعليم “عن بُعد”، وإنشاء قناة “يوتيوب” خاصة بذلك.
وأوضح العبسي أن المعلمين أظهروا رغبة للعمل في المشروع، مضيفًا “كان هناك إبداع وتميز لم نكن نلحظه بالتعليم التقليدي”.
نجاح أم فشل؟
قررت مديرية التربية في محافظة إدلب نقل طلاب الصفوف الانتقالية من مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي إلى صف دراسي أعلى، مع اعتماد نتيجة الفصل الدراسي الثاني لتكون نفس نتيجة الفصل الدراسي الأول للعام الحالي.
أما الطلاب الذين لا يمتلكون نتائج للفصل الدراسي الأول، فسيُجرى لهم امتحان مع بداية العام الدارسي المقبل، لتحديد إمكانية نقلهم إلى صف أعلى.
وأفرزت تلك القرارات سؤالًا حول الجدوى من متابعة العملية التعليمية “عن بُعد”، وأخذها على محمل الجد بالنسبة للطلاب والمدرّسين طالما أنها لن تكون إلا “تحصيل حاصل”، خاصة مع غياب معايير واضحة لتقييم نجاح التجربة الجديدة.
واعتبر مدير مجمع إدلب، عبد الله العبسي، أنه لا يمكن أن تقاس التجربة بالنجاح أو الفشل، وإنما بتحصيل ما أمكن تحصيله من علم فقده الطالب، ومهما كان قليلًا فإنه أفضل من لا شيء.
أما مدير إحدى المدارس في مخيمات كللي شمال إدلب، ساري الرحمون، فقال إن “التعليم عن بُعد أفضل من البُعد عن التعليم”.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في إدلب يوسف غريبي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :