موسم بثلث الإنتاج السابق

أعمق أزمة في الدراما السورية.. الانفراجة مرهونة بـ”التغيير”

camera iconلقطة من مسلسل سوق الحرير الذي يعرض في رمضان الحالي 2020 (إيلاف)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – يامن المغربي

مرت الدراما السورية منذ منتصف التسعينيات حتى عام 2010 بفترة ذهبية، وصارت مطلوبة للقنوات الفضائية في العالم العربي، وتفوقت على نظيرتيها الخليجية والمصرية، رغم فوارق الإنتاج المادي وأسماء النجوم.

ولم تخلُ تلك الفترة من أزمتين أساسيتين، أسماهما النقاد “أزمة المقاطعة” في عامي 2006 و2007، و”أزمة النص” في عامي 2009 و2010.

لكنّ الدراما السورية تمر اليوم بأزمة أكبر وأكثر عمقًا وخطورة، وهي أزمة تهدد وجودها بشكل مباشر كصناعة أسهمت في الاقتصاد السوري، بحسب مخرجين التقتهم عنب بلدي، وخاصة بعد الانهيار الاقتصادي في سوريا، وهجرة العديد من صناع الدراما السورية إلى الخارج لأسباب مختلفة، سواء كانوا ممثلين أو كتّابًا أو فنيين أسهموا بشكل مباشر بنجاحها خلال الأعوام الماضية.

جوانب الأزمة الحالية في الدراما السورية

لأول مرة منذ تدفق الأموال الخليجية للاستثمار في الدراما السورية في تسعينيات القرن العشرين، تُعرض عشرة مسلسلات سورية فقط ضمن السباق الرمضاني للموسم الحالي 2020، ويعكس هذا العدد الضئيل مقارنة بالأعوام السابقة بعض جوانب هذه الأزمة التي تمر بها صناعة الدراما السورية.

وسبق أن أنتجت الشركات الفنية في سوريا أرقامًا كبيرة على صعيد الكم، إذ شهد عام 2007 إنتاج 37 مسلسلًا، وفي عام 2009 عُرض 30 عملًا دراميًا، و22 مسلسلًا في عام 2011.

لا تتعلق الأزمة الحالية التي تمر بها الدراما السورية بهجرة عدد كبير من نجومها وصناعها فقط، فسوريا تمر بمرحلة حساسة من تاريخها المعاصر، وتشهد أزمة اقتصادية أثّرت على جميع جوانب الحياة في ظل حرب مستمرة منذ تسع سنوات.

ثالوث ممزق ومتخبط

يرى المخرج السوري فارس الذهبي، في حديث لعنب بلدي، أن الأزمة الحالية هي أزمة تتعلق بما أسماه عناصر العمل الفني الثلاثة، أو “ثالوث الدراما”، المكون من العمل الفني والجمهور والمكان الفني.

والعناصر الثلاثة، بحسب فارس، مضطربة ومتخبطة ضمن “أزمة وجودية”، فالجمهور لا يعرف هل الأهم مشاهدة عمل تلفزيوني ليحصل على جرعة تخدير، أم الأفضل تفادي القذائف والبراميل، أم اللهاث وراء لقمة العيش.

الدراما ليست “جسمًا حيًا” يتعرض لأزمات، بل هي انعكاس فني للناس وللسياسة، وبالتالي تنحسر مع انحسار الحريات في المجتمع، وتنكمش مع انكماش المجتمع في مواجهة الأزمات.

لو امتلكت سوريا مجتمعًا صحيًا اقتصاديًا، لتوقفت الدراما منذ عام 2011، ولكن هناك من يصر على بقائها لتكون رسالة على تعافي البلد سياسيًا وهذا خطأ.

المخرج السوري فارس الذهبي

وقال المخرج السوري إن العمل الفني في سوريا “مسيّس حتى النخاع”، وموجه لدرجة صار من المدهش للمشاهد السوري أن يجد عملًا فنيًا لا رسالة سياسية فيه، وهذا بحد ذاته رسالة سياسية في سوريا.

ويصف فارس الذهبي العنصر الثالث (المكان الفني) بـ”المحترق والممزق”.

أزمة اليوم لا تشابه الأزمات السابقة

من جهته، يرى المخرج السوري أيهم سلمان أن الدراما السورية تمر اليوم بأزمة “مختلفة وحقيقية”، لأنها خسرت طاقات فنية من كتاب وممثلين وفنيين، سواء ممن اتخذوا موقفًا مناصرًا للثورة السورية أو من غادروا سوريا ليحظوا بفرص عمل أفضل في الدول العربية، بالإضافة إلى الأزمة الإنتاجية لغياب الموارد المالية التي تستثمر في الدراما، وغياب سوق العرض المحلي، وعدم إمكانية تصوير المسلسلات داخل سوريا لفترة طويلة.

وغياب هذه الأسماء التي يمكن أن نطلق عليها مصطلح “بياعة” أو “نجوم الشباك”، أحد أسباب هذه الأزمة، فهؤلاء النجوم لا يعملون حاليًا في دراما سورية صرفة، وغير قادرين على العمل فيها لا مهنيًا ولا ماديًا ولا تحت الشروط الحالية، بحسب أيهم سلمان، والدراما التي لا تستفيد من هؤلاء النجوم ستترك الفرصة لشركات أخرى لبنانية أو مصرية أو غيرها، ليُصب جهد هذا النجم في مكان آخر.

ويتفق فارس الذهبي مع رأي أيهم سلمان، ويرى أن غياب الممثلين الحقيقيين عن الدراما السورية أفقدها حسها وصوتها، ولا يمكن للدراما بحسب رأيه أن تستعيد قوتها في غياب ممثلين كبار يعيشون منذ عشر سنوات خارج سوريا.

ويربط أيهم سلمان إمكانية نجاة الدراما بنجاة سوريا نفسها مما تمر به، كأي قطاع آخر كالصناعة والتجارة والثقافة والإنتاج الفكري وغيرها، فالدراما لا تنفصل أبدًا عن هذه القطاعات.

لا يمكن أن تسمى الأزمات السابقة في سوريا “أزمات حقيقية” بالمقارنة مع الأزمة الحالية التي تمر بها الدراما.

فأزمة النص موجودة دائمًا وفي كل مكان حتى في هوليوود نفسها، إذ تغيب في عام من الأعوام أفلام لافتة بأفكار جديدة مرغوبة دائمًا.

أما “أزمة المقاطعة” فكانت موجودة أيضًا لفترة طويلة، وحاولت المحطات التلفزيونية الخليجية دائمًا الترويج لأعمالها المحلية على حساب الدراما السورية، لكنها لم تؤثر عليها، وبقيت الدراما السورية تحتل المرتبة الأولى من ناحية رغبة المشاهدة في العالم العربي.

المخرج السوري أيهم سلمان

إلى أين؟

في ظل تراجع الدراما السورية على صعيد الكم والنوع بعد أيام ذهبية عاشتها، يبرز سؤال لدى متابعيها وصناعها، وهو إلى أين تسير الدراما السورية في الوقت الحالي؟ خاصة أن كل القطاعات الاقتصادية والتجارية والثقافية والصناعية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمستقبل سوريا نفسه، وهو مستقبل مجهول حتى اللحظة.

يرى فارس الذهبي أن الدراما السورية في ظل الوضع الحالي ستستمر في استنساخ ذاتها، طالما أن الوضع السياسي يراوح مكانه، فالتغيير في الفن مقترن بالتغيير على الأرض.

وتنبّأ أيهم سلمان بظهور بعض التجارب التي ستُصوّر خارج سوريا عن الحالة السورية، على غرار بعض التجارب السابقة، لتسلط الضوء على حياة السوريين ومشاكلهم، وخاصة في لبنان.

وعُرضت مسلسلات سورية صُوّرت خارج سوريا جغرافيًا، وفي لبنان تحديدًا، منها مسلسل “غدًا نلتقي” للمخرج السوري رامي حنا، وبطولة كاريس بشار وعبد المنعم عمايري ومكسيم خليل، في عام 2015.

واستدرك أيهم سلمان، “لكن في الحالة العامة، لا يمكن مقارنة أفضل عمل أُنتج خارج سوريا في الفترة الحالية، بالمسلسلات التي أُنتجت قبل عام 2011”.

الفن هو “رفاهية في النهاية”، وليس منتجًا أساسيًا يعتاش الإنسان عليه، بحسب المخرج فارس الذهبي، الذي يرى أن هناك “مشكلة حقيقية” في بلد لا ينتج أي منتج صناعي أو تجاري أو أي منتج يتعلق بالطاقة، ولكنه في ذات الوقت يصرف مليارات على الدراما التلفزيونية، متسائلًا: هل هذا يعني أن التلفزيون أهم من الخبز؟ قبل أن يجيب، “في سوريا الأسد نعم، الدراما التلفزيونية أهم من الخبز ومن الماء، لأنها تكرس واقعًا سياسيًا يُراد له أن يكون”.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة