اليوم العالمي لحرية الصحافة.. تطور وسائل السيطرة على الإعلام

  • 2020/05/03
  • 12:00 ص

منصور العمري

يقول ألبير كامو الفيلسوف الفرنسي الحائز على نوبل: “بلا حرية لن تكون هناك سوى صحافة سيئة”.

يختلف مستوى تقييم حرية الصحافة بحسب مدى تدخل الجهات المانحة أو المسيطرة. يبدأ سلّم التقييم بالصحافة الحرة التي تحترم الإنسان وحقوقه، وتعتمد الحقيقة وأخلاقيات المهنة كمحرك رئيس لعملها، وينتهي التقييم في الدرك الأسفل للسلّم كأداة “بروباغندا” بحتة، محركها الرئيس ما يمليه عليها المسيطر في أنظمة ديكتاتورية، وما بين الأخلاقيات و”البروباغندا” من درجات.

الصحافة الحرة لا تعني فقط الصحافة التي تخلصت من قيود وانتهاكات الحكومات، بل تعني الصحافة التي لا تتبع لأنظمة وحكومات وتيارات سياسية ورقابة ذاتية وغيرها.

يمكن القول مثلًا:

سيطرة نظام الأسد على الصحافة أحالها إلى أداة “بروباغندا”.

كي نفهم هذه الجملة أكثر، لنستبدل الجهة المسيطرة فيها:

سيطرة أي نظام على الصحافة يحيلها إلى أداة “بروباغندا”.

يمكن استبدال “أي نظام” بـ”أي حكومة”، أو “أي معارضة”، أو “أي دولة” أو “أي تيار سياسي” وغيره. إنْ سيطرت إحدى هذه الجهات على وسيلة إعلامية، تصبح الوسيلة الإعلامية منحازة وغير حرة.

قد تكون هذه السيطرة حكومية، أو تجارية، أو سياسية، أو دينية، أو ذكورية وغيرها. يمكن أيضًا حذف تعريف الجهة المسيطرة من الجملة، ليصبح المبدأ: السيطرة على الصحافة يحيلها إلى أداة “بروباغندا”.

أشكال السيطرة قد تكون مباشرة أو غير مباشرة

المباشرة منها، قد تكون بالقوانين التي تضعها الدولة وتحدّ من حرية الصحافة، أو بتوجيه الخط التحريري وتوظيف الصحفيين على أساس توجههم السياسي أو العقائدي، لا حرفيتهم الصحفية واحترامهم لحقوق الإنسان.

غير المباشرة، قد تكون دفع الرواتب وتمويل الوسيلة الإعلامية. يؤدي هذا النوع من السيطرة إلى تطوير رقابة ذاتية لدى الصحفيين، قائمة على افتراضات مسبقة متعلقة بالتوجهات السياسية للجهات الممولة إن كانت حكومية أو مؤسسات بدورها تتلقى تمويلها من حكومات.

لا يجب أن يسيطر على الصحافة سوى أخلاقياتها

مع تصاعد الاهتمام الحقوقي والعالمي بحرية الصحافة، وتطور أدوات الصحافة ونقل الخبر بشكل كبير، تتطور أيضًا أدوات السيطرة وقمع الآراء الحرة والمستقلة بشكل رهيب. كثير من الدول والتيارات السياسية ورجال الأعمال لم يعودوا يتبعون الطرق التقليدية لقمع الصحفيين والصحفيات والإعلام والسيطرة، كالخطف والقتل والتدخل المباشر، رغم أن بعضها لا يزال يستخدم أكثر الطرق بشاعة كالتحرش بالصحفيات ومحاولات تشويه السمعة، لتصل إلى القتل تحت التعذيب، لدى نظام الأسد.

تقبع سوريا في المرتبة 174 من بين 180 دولة من حيث النتيجة الإجمالية في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2020 الصادر عن “مراسلون بلا حدود”.

لكن سوريا لا تزال تتصدر المؤشر من حيث كم الانتهاكات وأعمال العنف ضد الصحفيين، لتأتي في المرتبة الأولى بنسبة 82.05، وبعدها الصين بنسبة 80.43، ثم أرتيريا بنسبة 72.36 في المرتبة الثالثة، ثم مصر وتركيا وإيران والسعودية على التوالي.

كثير من الدول تطور أدواتها للسيطرة، فمنها ما يخفي علاقته بوسائل الإعلام ويمارس سيطرة خفية، أو يؤسس وسائل إعلامية انطلاقًا من هدف سياسي أو عقائدي، ثم يختار من يوظفهم على أسس انتماءاتهم، بما يخلق وسيلة إعلامية منحازة وغير حرة بطبيعتها منذ تأسيسها. بعض الدول تتبع طريقة شراء السمعة وتوظيفها، كأن تشتري حقوق النسخة العربية من وسيلة إعلامية غربية عريقة وحرة، ثم تحيل هذه النسخة العربية إلى وسيلة “بروباغندا”.

وفي حين خلت سوريا أو كادت مع بداية الثورة السورية من الصحفيين المحترفين المستقلين، الذين إما فروا من سوريا أو شن نظام الأسد ضدهم حملة خطف واعتقال وتعذيب وتصفية، تسلّم الناشطون الإعلاميون راية الإعلام في سوريا، وقدموا تضحيات، أدّعي أن التاريخ لم يشهد مثيلًا لها من حيث الكم والنوع. صار الناشطون الإعلاميون مصدر الخبر، وزودوا كبريات وسائل الإعلام والصحفيين المحترفين بالمعلومات. كانت بوصلتهم الأولى تحدي منهجية نظام الأسد في إخفاء الحقائق ونشر الكذب وتلفيق الأخبار. ثم أكملت الجماعات المسيطرة على المناطق المحررة في سوريا عمل نظام الأسد، وبدأت بخطف الصحفيين والناشطين وترهيبهم و”ترويضهم”.

بوصلة المواطن الصحفي السوري الذي بدأ عمله بهدف تحدي حرب الأسد على الإعلام الحر هي أحد أرقى محركات الصحافة، لكن بشرط ألا يصبح الناشط الإعلامي تابعًا لنظام أو حكومة أو تيار سياسي آخر يؤثر على أدائه الصحفي. لا يكفي أن تتخلص من سيطرة الأسد ثم تصبح مروجًا أو مدافعًا عن نظام أو حكومة أو تيار سياسي. بهذا الشكل تتحول من ناشط إعلامي يتوخى الحقيقة، إلى ناطق باسم جهة ما أو مدافع عنها لا عن الحقيقة، بما يرفع عنك صفة الصحفي الحر. بعض الناشطين الإعلاميين أدوا رسالتهم بأمانة ثم تركوا هذا العمل لأسباب مختلفة، وبعضهم الآخر استمر في عمله وطور أدواته وأصبح صحفيًا محترفًا وحرًا.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي