صعد رجل الاقتصاد السوري رامي مخلوف من رحم العائلة الحاكمة في سوريا منذ مطلع القرن الحالي، ليصير أحد أبرز محتكري الاقتصاد السوري، بعد التسهيلات التي قدمت له من قبل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إذ وصفته صحيفة “The New York Times” خلال لقائها معه في أيار 2011 بـ “صديق طفولة الأسد”.
وأشارت الصحيفة إلى أن مخلوف ولسنوات كان حجر الأساس لنظام الأسد الأب ومن ثم للأسد الابن، الذي خصخص بعض أصول الاقتصاد في سوريا مما سمح لمخلوف ببناء امبراطوريته المالية.
لكن صديق الطفولة لم يذهب إلى الأسد ليخبره وجهًا لوجه عن مطالب بدفع ضرائب لحكومة النظام تبلغ نحو 130 مليار ليرة سورية، بل خرج بتسجيل مصور أمس الخميس، 30 من نيسان الماضي، عبر حساب “فيس بوك” الخاص به، ووجه خطابه للأسد، وربما برسائل مضمنة لعموم الشعب السوري.
ولعل أبرز الرسائل ما يرسمه التسجيل من شرخ ضمن الروابط الأسرية لآل مخلوف وآل الأسد، وأن الشرخ نتيجة محاولات روسية لكسر الذراع الاقتصادية للنظام، بعد السيطرة على القرار السوري سياسيًا وعسكريًا.
وكانت وسائل إعلام روسية هاجمت مخلوف، خلال الأسبوعين الماضيين، واتهمته بالفساد وسيطرته على 60% من اقتصاد سوريا.
رضوخ لمطالب الأسد للمرة الثانية
رضخ مخلوف فيما يبدو لمطالب الأسد، لكنه حاول إيصال رسالة مفادها أن رضوخه ليس بفعل القوة، إنما برضى تام من قبله، وأن المال الذي سيدفعه سيتحول إلى عطاء للفقراء، مشيرًا إلى ذلك بقوله، “تكرم عيونك وعيون الفقرا الذين أنت مؤتمن عليهم، وأن الأمر الذي أعطيته سيتحول عطاء منك إلى الفقراء”، مضيفًا، “واجب أنفذ أمرك بما يرضي الله”.
لكنه طلب أن تسدد المبالغ المطلوبة على مراحل، وأن يكون الأسد هو المشرف على عمليات التدقيق في أوراق الشركة.
وكان مخلوف دفع سبعة مليارات ليرة سورية بعد قرار وزارة المالية، في 19 من كانون الثاني الماضي، بالحجز الاحتياطي على أمواله المنقولة وغير المنقولة العائدة له ولشركاته.
وجاء القرار على خلفية تهريب بضاعة ناجية من الحجز قُدرت قيمتها بنحو 1.9 مليار ليرة سورية، وبلغت رسومها 215 مليون ليرة، والحد الأقصى لغراماتها 8.5 مليار ليرة، والرسوم 2.1 مليار ليرة.
وردًا على القرار، اعتبر مخلوف أنه تم زج اسمه وإقحامه في القرار على أنه مالك شركة “آبار بتروليوم سيرفيسز ش.م.ل. أوف شور”، نافيًا وجود أي علاقة قانونية مع الشركة منذ تاريخ تأسيسها.
وذكر مخلوف أنه بسبب عدم تعطيل شركاته، سارع إلى تسوية مع المديرية العامة للجمارك، ودفع مبلغ سبعة مليارات ليرة سورية عن الشركة المذكورة من ماله الخاص، على الرغم من عدم وجود أي علاقة قانونية تربطه بالشركة.
فيما ذُكرت شركة “آبار بتروليوم سيرفيسز ش.م.ل.” في قرار الحجز الاحتياطي على أنها شركة تابعة لرامي مخلوف.
منية للشعب وللحكومة
رغم الدعم الذي ناله والتسهيلات ليعلو كعبه اقتصاديًا في سوريا على حساب بقية رجال الاقتصاد السوري، وسيطرته على 60% من الاقتصاد السوري قبل اندلاع الثورة عام 2011، حسب صحيفة “The New York Times”، نسي مخلوف كل ذلك.
وقال إن “مؤسساتنا أكبر مؤسسات تشغل العمالة في سوريا وأهم دافعي الضريبة ورافدي الخزينة للسيولة”، وقال في إعلانه الرضوخ لدفع الضرائب إنه يطلب من الأسد أن يشرف على توزيعه على الفقراء و”يسد جوعتهم”.
وليست المرة الأولى التي يتفاخر فيها مخلوف بدفع ضرائب لخزينة الدولة، ففي تصريح له لصحيفة “الأخبار” اللبنانية في شباط الماضي، قال إن شركاته ترفد الخزينة العامة في سوريا بسيولة نقدية تزيد على عشرات المليارات من الليرة السورية.
وتشغّل ما يقارب عشرة آلاف موظف سوري برواتب تعد الأعلى في البلاد، وتخدم أكثر من 11 مليون مشترك (في إشارة إلى شركة “سيرياتل” للاتصالات)، إضافة لتشغيل أكثر من 80 ألف نقطة بيع موزعة في سوريا، وهو ما كرره خلال إطلالته الأخيرة أمس.
موضحًا أن “سيرتيل” تدفع كل عام ما يقارب عشرة مليارات ليرة سورية، والعام الماضي دفعت ضرائب بلغت 12 مليار ليرة سورية.
بينما اتهمت “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد في سوريا”، الاثنين الماضي، شركتي “سيرتيل” و”MTN” بعدم دفع الضرائب لحكومة النظام، البالغة 233.8 مليار ليرة سورية.
وفي منشور له عبر “فيس بوك” في 28 نيسان الماضي، ادعى مخلوف أنه يدفع شهريًا مليار ونصف ليرة سورية خلال السنوات الأخيرة، “كلها يذهب للعمل الخيري لدعم أهلنا وخدمة الجرحى ورعاية ذوي الشهداء”، حسب قوله.
شذرات إيمانية موزعة عبر “فيس بوك“
لم يخل خطاب مخلوف من إشارات إيمانية تنوعت بين أن الله سخره لخدمة “الفقرا”، وأن الله هو الذي رزقه وسخر له مهمة إعطاء الفقراء من ماله، وأن الفضل لله يعز من يشاء.
وفي منشور له في 27 نيسان الماضي، ذكر مخلوف أنه يقدم مبلغ نصف مليار ليرة سورية لدعم “مجموعة شباب يوزعون المواد الغذائية الأساسية للعوائل الفقيرة بحماس وصمت وحس وطني كبير”.
ليكمل عطاءه بكلمات إيمانية، “قد أمرني ربي أن نقدم دعم بهذا الشهر الفضيل الكريم شهر رمضان المبارك بمبلغ خمسمائة مليون ليرة سورية”.
مختتمًا منشوره بأن “الله هو العاطي وهو الآخذ وهو صاحب الفضل وحده لا شريك له”.
كما عنون الفيديو الأخير له بـ “كن مع الله ولا تبالي”.
مخلوف في سطور
يعتبر مخلوف من أبرز الشخصيات الاقتصادية في سوريا، ويمتلك بالإضافة لشركة “سيرتيل”، جمعية “البستان”، وإذاعات موالية للنظام السوري، كما يملك صحيفة “الوطن” الخاصة، ويدير شركات للسيارات، إضافة إلى نشاطات اقتصادية تتمثل في قطاعات مختلفة مثل الصرافة والغاز والتجارة والعقارات.
ويشارك في الاستثمار بمدينة “ماروتا سيتي”، المتوقع بناؤها في منطقة خلف الرازي في دمشق، عبر تأسيسه شركة “روافد دمشق المساهمة” في آذار الماضي، بحسب موقع “الاقتصادي” المحلي.
وينحدر مخلوف من جبلة وهو من مواليد عام 1969، ومتزوج من اثنتين، إسبانية، وسورية، وهي ابنة محافظ درعا السابق وليد عثمان، وهو الابن البكر لمحمد مخلوف، أخ زوجة الرئيس السابق، حافظ الأسد، والمقرب منه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :