اللقاح الداعشي..

  • 2015/07/07
  • 11:46 م

حذام زهور عدي

لم يُعرف عن “عراق صدّام” تواجد أي تنظيم إرهابي، فقد كان يحكم باسم حزب البعث؛ الحزب الذي يدعي العلمانية بالرغم من ميله -أواخر عهده- للتمظهر بالتدين ووضع شعار “الله أكبر” على العلم العراقي.

كان استبداد صدام كافيًا لمنع نشوء هذه التنظيمات، ولو أن الرئيس بوش وإدارته السياسية اكتشفت أي تنظيم إرهابي لديه لحاربته باسم القضاء على الإرهاب كما فعلت في أفغانستان، لكنها ادعت الحرب على أسلحة الدمار الشامل لتثأر للحادي عشر من أيلول أولًا ولتدمر الدولة العراقية إرضاءً للإيباك المنظمة الصهيونية الأمريكية الداعمة لانتخابات الرؤساء في أمريكا.

بدأ الإرهاب في العراق تزامنًا مع تدمير الدولة العراقية على يد بوش ومندوبه السامي برايمر الذي سرّح الجيش العراقي بضباطه وجنوده، بمشورة طائفيين يعملون لمصلحة إيران، وكان قد بلغ عدده المليون أو يزيد، ما يعني أن مليون عائلة تُركت من دون معيل، ونصف ذلك المليون من الشباب العاطل عن العمل يعانون من قهر جديد واستبداد طائفي إيراني مقيت، أمعن في تمزيق النسيج الاجتماعي الذي شرخه حكم البعث.

نما تنظيمٌ إرهابي على هامش المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي، مستفيدًا من تهميش السنة الذي صنعته أجواء التوافق الأمريكي – الإيراني، في حين كانت الإدارة الأمريكية تهتم بنهب البترول العراقي وبيع الأسلحة التي تركها الجيش المسرَح غير مبالية بما يحدث لمكونات الشعب أو لانهيار الدولة، ما سبب نموًا متواصلًا وبخاصة عندما نال دعمًا سوريًا تحدث عنه المالكي مهددًا بتقديم شكوى به إلى مجلس الأمن.

ووفق اتفاق المصالح ارتبط هذا التنظيم بالقاعدة على يد “أبي مصعب الزرقاوي”، إلى جانب تحالف موضوعي غير عضوي مع المقاومة العراقية، وزاد في الطنبور نغمًا الأسلوب الحاقد الذي تعامل المالكي به مع الاحتجاجات السلمية بهدف تهميش السنة، إضافةً إلى تدهور الوضع الاقتصادي للشعب العراقي وازدياد الفساد والنهب والمحسوبيات.

بدأ الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية بعد إعلان الرئيس بوش الانتصار وإنهاء العمليات العسكرية، وكانت إيران تنتظر الفرصة لتملأ الفراغ وتحكم سيطرتها على العراق، وهكذا أصبحت للتنظيم قوة لايستهان بها.

تطاير الشرر العربي وأشعل بيادر الكبت السوري، وهدده الأسدُ بخلاياه الإرهابية النائمة ثم قذفها بوجه الشعب الثائر والمجتمع الدولي، فاحتوتها داعش؛ ووجد الاثنان مجددًا تحالفًا موضوعيًا واتفاق مصالح، فكلٌ منهما يحتاج الآخر في معركته، وهكذا كبرت داعش وشبَت عن الطوق ولم يعد بها حاجة لاتباع القاعدة لتعلن الدولة والخلافة.

احتلت الموصل والرقة وتدمر والرمادي، هددت بغداد وأمسكت رقبة الاقتصاد السوري، وأسرت وذبحت من طالته يدها من الغربيين لتترك دويًا يجعل المجتمع الدولي تداول سمعه أصابعه العشر؛ فبماذا عالجها صاحب الحرب على الإرهاب؟

كثيرٌ من الكتاب والمثقفين السوريين المتعاطفين مع الثورة والمستقلين ومراكز الأبحاث العالمية حذرت من إهمال الوضع العراقي والسوري، ولفتت النظر إلى أن استمراره سيُحول عددًا غير قليل من الشباب اليائس إلى التنظيمات الإرهابية، لكنَ الإدارة الأمريكية كانت بوادٍ آخر.

فقد التزم خلف بوش، أوباما، محاولة تنفيذ برنامجه الانتخابي الذي يضع في رأس أولوياته الاقتصاد والانسحاب من مناطق التدخل العسكري جميعها، فانسحب من العراق دون أن يصلح شيئًا من أخطاء إدارة سلفه، وترك للتمدد الإيراني أو الداعشي ملء الفراغ، وأظهر ترددًا في المسألة السورية لم تعرفه السياسة الأمريكية مذ وُجدت.

وعندما استفاق على الاحتلال الداعشي للموصل وقبلها الرقة وذبح الصحفيين الغربيين في سوريا وإعلان الخلافة، كانت داعش قد أصبحت من القوة بحيث أربكت ليس فقط الإدارة الأوبامية وإنما العالم بأسره شرقًا وغربًا.

أنشئ التحالف الدولي (في آب 2014) ليعالج تمدد الإرهاب بالضربات الجوية وبمحاولة خجولة لتحقيق شيء من التوازن في الإدارة الطائفية للعراق، التي قضى عليها الحشد الإيراني المذهبي “الشعبي” فزاد الأمر سوءًا.

وهكذا أثرت السياسة الأوبامية على التنظيم، بعد عام من إعلان الخلافة، بنسبة 15% إلى 10% فقط كما جاء في مداخلات الكونغرس الأمريكي، بينما حصد التنظيم 30 ألف مقاتل أجنبي غير ما لديه من العراقيين والسوريين وفق المداخلات السابقة نفسها.

ومع أن التصريحات الأمريكية كانت حريصة دائمًا على إظهار دعمها لوحدة العراق ووحدة سوريا إلا أن تعاملها مع الأكراد يختلف عن أقوالها، فالدعم بالأسلحة المتنوعة والتدريب وبالمستشارين للبيشمركة الكردية مع القصف الجوي المستمر على مناطق داعش لديهم لايحتاج لدليل، وفي سوريا كان التعامل مع “عين العرب” “كوباني” متميزًا لدرجة يراها الأعمى عن المناطق الأخرى.

تلك السياسة الأوبامية التي حيَرت الأوربيين والأصدقاء الإقليميين كانت المسبب الأساس للتمدد الداعشي، فالاستراتيجيون الأمريكان العسكريون والسياسيون، والمحللون العالميون متفقون على أن الضربات الجوية قد تُربك داعش لكنها لن تقضي عليها، والغريب أن يُفاجأ العالم بتمددها واكتسابها قوة أكبر بعد تلك الضربات.

معالجة مسألة داعش من خلال الجو فقط دون معالجة الأسباب الحقيقية لظهورها لا يماثل إلا إعطاء اللقاح للجسم الإنساني، إذ يعطى الإنسان جرثومة ضعيفة لتتشكل المناعة لديه ويستطيع مقاومة المرض إن أصيب، والضربات الجوية لداعش مع الإبقاء على النظام المذهبي المتوحش الإيراني عراقيًا والأسدي الإيراني سوريًا وتهيئة الظروف لتقسيم البلدين هي عمليًا اللقاح الداعشي الذي يعطيها المناعة الكافية لمقاومة تلك الضربات وازدياد قوتها وتمددها.

القضاء على داعش يتطلب أمرين: أولهما وهو الأهم، القضاء على الأسباب التي أنبتتها وغذَتها، وحاضنة الأجواء التي نمت من خلالها، والولايات المتحدة الأمريكية المسؤولة الأولى عما اقترفت يداها في سورية والعراق.

والثاني: التخطيط لعمل شامل بالتحالف مع شعب المنطقة نفسها لمحاصرة ما سيتبقى من التنظيم، ثقافيًا وعسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا وتخليص الشعوب من التمدد الإيراني والغطرسة الإسرائيلية التي تبتلع الأرض الفلسطينية وتصر على بناء إسرائيل الكبرى على أشلاء الفلسطينيين ووطنهم.

بدون ذلك لن يكون ما يفعله التحالف الدولي غير لقاح داعشي لن يستغرب أحدٌ بعده إعلان الخلافة الجاهلية من المحيط إلى الخليج بل التمدد لأوروبا وإفريقيا، وعندها لا يُلام السيف إن سبق العزل.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي