تلقى النظام السوري مؤخرًا هجمة مركّزة شنّها الإعلام الروسي عليه، متهمًا إياه بالفساد والضعف، إضافة إلى التشكيك بشعبية ومقدرة بشار الأسد على إدارة دفة البلاد.
وشكلت هذه الهجمة حالة مفاجئة للمتابع للشأن السوري، وفتحت الباب واسعًا للسؤال عن الغرض منها، ولماذا تلجأ روسيا لتوبيخ الأسد إعلاميًا، وهي المتحكمة على الأرض عسكريًا، والقادرة على فعل ما تريده وفق ما تروجه لنفسها من قوة في سوريا.
أهداف الحملة
الدكتور نصر يوسف، وهو إعلامي وخبير في الشأن الروسي، أضاء في حديثه لعنب بلدي، الأربعاء 29 من نيسان، على عدة نقاط حملتها الهجمة الإعلامية الروسية على النظام السوري.
ورأى أن الحملة الأخيرة تحمل في طياتها شقين، الأول اقتصادي، لأن التقارير الثلاثة التي صدرت عن “وكالة الأنباء الفيدرالية” لمالكها رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين، الذي دخل في شراكات مع النظام السوري، جاءت بعد ملاحظة بريغوجين أن النظام السوري يميل إلى إرساء المناقصات أو المزادات أو العطاءات على شركات صينية وإيرانية.
هذا الأمر جعل بريغوجين يشعر بنوع من نكران الجميل من قبل النظام، خاصة أنه قدم خدمات شركاته الأمنية الكثيرة للحفاظ على كرسي بشار الأسد، وفق يوسف.
وانطلاقًا من ذلك، يعتقد بريغوجين أن له الحق في أن يفوز بأفضل الغنائم وبأحسن الشروط، بحسب تعبير يوسف، الذي أضاف أن آمال بريغوجين تحطمت عندما هدأت الأمور قليلًا في سوريا، وبدأ هامش المناورة لدى بشار الأسد يكبر، الأمر الذي اضطره (بريغوجين) إلى نشر هذه التقارير ومن ثم حذفها، على شكل رسائل حادة اللهجة للنظام، يذكره فيها بأن حريته ليست مطلقة.
الشق الثاني، وفق نصر يوسف، هو سياسي، فالحملة الإعلامية لم تقتصر على ما نشرته “وكالة الأنباء الفيدرالية”، إذ نشر الموقع الرسمي لـ”المجلس الروسي للعلاقات الدولية” تقريرًا مفصلًا بقلم كاتب رفيع المستوى وسفير فوق العادة، إذ تضمّن التقرير الذي وصفه يوسف بــ”المهم جدًا”، توصيفًا سياسيًا لرأس النظام السوري، حيث وصف السفير ألكساندر أكسينيوك بشار الأسد بالضعيف وعديم القدرة على السيطرة على الوضع، وغير قادر على لجم المتنفذين من طائفته، الذين استشرى فيهم الفساد والرشوة.
وأكد يوسف، الذي يقيم في روسيا منذ عقود، أن هذا الهدف السياسي يضاف إلى الأهداف الاقتصادية التي جاءت في تقارير “وكالة الأنباء الفيدرالية”، ليؤشرا معًا على أن “شهر العسل بين روسيا والنظام السوري بدأ بالانحسار”، وفق تعبيره.
هل روسيا عاجزة
المحلل السياسي السوري المختص بالشأن الروسي محمود حمزة، يرى أن بشار الأسد يعيش بين نارين، الأولى إيرانية والثانية روسية، معتبرًا أن الأسد لم يصبح بعد “واجهة كرتونية”، وأن لديه جانبًا يناور به.
وأوضح حمزة في حديث لعنب بلدي، الأربعاء 29 من نيسان، أن بشار الأسد ما زالت لديه أجهزة أمنية وبقايا دولة وبقايا نظام، ما يجعله أحد اللاعبين في سوريا.
وأشار إلى أن إيران تسيطر في سوريا على مجالات أمنية وعسكرية وثقافية وغيرها، وروسيا تسيطر عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، وإن كل دولة لها نفوذ على هذا النظام، وفق حمزة.
وحول قدرات روسيا في سوريا، قال حمزة إن روسيا لا تستطيع أن تملي كل ما تريده في سوريا، موضحًا أن روسيا لا يمكنها أن تدير الاقتصاد ومؤسسات الدولة والجيش، أو ما تبقى منه عند النظام.
ولفت إلى أن روسيا توجد في الخطوط الأساسية بالملف السوري، لكنها لا تستطيع أن تتدخل بالتفاصيل، معتبرًا أن هذا ما يفسر ضغط الروس على النظام عبر الحملة الإعلامية الأخيرة.
واعتبر حمزة، أن الروس ليسوا في مكان في سوريا يستطيعون القول فيه كن فيكون، لأن هناك لاعبين دوليين وإقليميين مهمين يؤثرون في الملف السوري، كأمريكا وتركيا وإسرائيل.
ودلل حمزة على كلامه بالقول، إن الأسد قادر على أن يناور في سوريا، مستشهدًا بما نشره موقع “MiddleEastEye” البريطاني عن عرض إماراتي للأسد لشن معركة ضد موقع القوات التركية في إدلب مقابل مليارات الدولارات.
ولفت حمزة إلى أن ذلك يعني أن الأسد قادر على أن يغامر ويقدم على عمل عسكري، وأن الروس ليسوا قادرين على التدخل في شؤون النظام في كل صغيرة وكبيرة.
أيضًا هناك عدة تناقضات خرجت من موقف النظام وروسيا، وفق حمزة، منها “اللجنة الدستورية”، فالنظام منذ البداية يغرد خارج الرؤية الروسية، وفي كل مرة تضغط موسكو عليه، ويجلبه بوتين إلى سوتشي ويضغط عليه ليخرج بعدها مؤيدًا لما تريده موسكو.
وختم حديثه بالقول، النظام وروسيا على علم تام أن موسكو إذا سحبت يدها من سوريا سيسقط النظام، والنظام يعلم أن مصلحة روسيا في سوريا، وأنها لن تنسحب من سوريا لأن انسحابها يؤثر على موقف القيادة الروسية، ولذلك يلعب النظام على هذه المعادلة.
الكي آخر العلاج
الدكتور نصر يوسف الإعلامي والخبير في الشأن الروسي، يرى أن روسيا تستطيع أن تفرض على النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد ما تريده، لكنها تتبع سياسة تقول، إن الكي يأتي آخر طريقة في العلاج.
ودعم الخبير بالشأن الروسي فكرته بالقول، إن النظام استعان بالشبيحة وكل أجهزة المخابرات والشرطة والجيش، ومع ذلك لم يسيطر على الثورة.
وبعد ذلك استعان بـ”حزب الله” الذي دخل بكامل قوته، وفشل هو الآخر في السيطرة على الوضع.
وتابع يوسف، “ثم رأينا تدخّل الولي الفقيه الإيراني شخصيًا، إذ ألقى بكل ثقله عبر إعطائه الأمر للحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس بزعامة قاسم سليماني، لكي يستخدم كامل طاقاته البشرية، فجنّد الميليشيات على الصعيد البشري، ومدها بالأموال من عدة مصادر منها نفط العراق وأموال الزكاة، ومع ذلك فشل الولي الفقيه”.
وأردف أنه “بعد ذلك استنجدت إيران بروسيا التي صارت بنظر إيران والنظام المخلّص، ومن المعلوم أن المخلّص هو صاحب الكلمة الألى”.
وعن أوراق القوة بيد النظام، يعتقد يوسف أنه “لم يبقَ في يده أي ورقة، غير المناورة بالتقرب من إيران تارة ليثير غيرة الروس، والتقرب من روسيا ليثير غيرة إيران”.
وأضاف أن أكبر دليل على خروج بشار الأسد من المعادلة هو عدم حضوره في أي اتفاق سياسي متعلق بالشأن السوري سواء على المستوى الثلاثي (روسيا، إيران، تركيا) أو على المستوى الثنائي (روسيا، تركيا).
–