كيف سيغيّر “كورونا” شكل الطيران في المستقبل
نشرت وكالة “بلومبيرغ” العالمية المتخصصة بالإحصائيات الاقتصادية، تقريرًا تحدثت فيه عن تغيير فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، شكل الطيران في المستقبل، من أسعار التذاكر إلى الوجهات، إلى التصميمات الداخلية في الطائرة، والمنافسة بين الشركات وحتى الحاجة إليها من عدمها.
وقالت الوكالة في التقرير الذي نشرته، في 25 من نيسان الحالي، إن الرحلات الجوية قد تبدو مختلفة تمامًا بمجرد عودة الناس إلى السفر مرة أخرى، بعد فتح المجالات الجوية المغلقة حاليًا بسبب “كورونا”.
وستكون أيضًا في الحقبة المقبلة بعد الفيروس، الأجور أعلى، والمسارات أقل، والفحوصات الطبية قبل الطيران أكثر، وقليل من الطعام المجاني، ما يخلق تحولًا ضخمًا في حسابات شركات الطيران العالمية وتقييماتها لخططها.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة “دلتا إيرلاينز إنك” (Delta Airlines Inc)، إد باستيان، في رسالة إلى موظفيه هذا الأسبوع، “يجب أن نكون مستعدين للتعافي البطيء المتقطع حتى بعد احتواء الفيروس”.
وقدر باستيان أن فترة الاسترداد والعودة إلى الحالة التي سبقت الفيروس قد تستغرق من سنتين إلى ثلاث سنوات.
وذكرت الوكالة أن أحدًا لا يعرف متى سيكون الناس على استعداد للسفر مرة أخرى.
وأجرى اتحاد النقل الجوي الدولي (IATA) استطلاعًا وجد فيه أن 40% من المصوتين توقعوا الانتظار قبل الطيران مجددًا لمدة ستة أشهر على الأقل بعد السيطرة على الفيروس.
سعة أقل بنسبة 70%
بعد إغلاق العالم أبوابه أمام الرحلات الجوية، خفضت شركات الطيران سعة المقاعد فيها بأكثر من 70% منذ كانون الثاني الماضي، بحسب شركة “Cirium” المتخصصة بالتحليلات.
وتخطط شركة النقل الجوي “EasyJet“، كحال كثير من الشركات، لإبقاء المقاعد المتوسطة فارغة، على الأقل في البداية، لطمأنة العملاء بشأن التباعد الاجتماعي.
في حين صممت شركة الخطوط الجوية الكورية (Korean Air Lines Co)، نظارات وأقنعة وقفازات وألبسة واقية، مدت بها طاقم طيرانها، لتجنب تخفيض سعتها.
بينما قال الرئيس التنفيذي لـ”IATA”، ألكسندر دي جونيك، إن ارتداء أقنعة الوجه قد يطمئن الركاب، لكن إبقاء المقاعد الوسطى فارغة سيكون تحديًا ويقلل من الحد الأقصى لسعة المقاعد إلى ما دون مستوياتها.
المقصورات ما بعد “كورونا”.. ما أرباح الطيران من المسافر الواحد؟
من المحتمل أن تتغير المقصورات الخاصة بالمسافرين، لأن شركات الطيران تحاول سحب أموال أكثر من عملائها.
وقال المحاضر في إدارة النقل الجوي بمعهد سنغافورة للتكنولوجيا، فولوديمير بيلوتكاش، إن بعض الشركات ستطور كبائن الدرجة الممتازة، بينما تكون أساطيلها متوقفة، ما يؤدي إلى اختلاف أكثر حدة بين أقسام الدرجة الأعلى والمقاعد الاقتصادية أكثر من أي وقت مضى.
بيلوتكاش، الذي ألف كتاب “اقتصاديات الخطوط الجوية” في عام 2017، أضاف أن بعض شركات الطيران في آسيا قد تعمل أيضًا على تحصيل رسوم إضافية من ركاب الدرجة الاقتصادية مقابل خدمات معينة، منها تسجيل الوصول إلى الأمتعة وغرفة الجلوس والوجبات.
حتى قبل فيروس “كورونا”، عادة ما تحقق شركات النقل ربحًا قدره ثلاثة دولارات فقط من كل عميل، وفقًا لـ”IATA“.
أما في أوروبا والولايات المتحدة، حيث ترتفع الرسوم الإضافية بشكل فعلي وأكبر، فكانت أرقام الأرباح ما بين خمسة و17 دولارًا من المسافر.
خسائر بالمليارات تجعل الشركات تحت رحمة الحكومات
رغم إمكانية العثور على رحلات رخيصة في الوقت الحالي، بسبب تنافس شركات الطيران على عدد قليل من الركاب، أضر “كورونا” بشركات الطيران أكثر مما فعلته الأحوال الجوية السيئة، فما يقرب من ثلثي طائرات الركاب البالغ عددها 26 ألفًا في العالم متوقفة، وحوالي 25 مليون وظيفة معرضة للخطر.
وحذر “IATA” من أن شركات النقل تواجه نقصًا في مبيعات التذاكر بقيمة 314 مليار دولار هذا العام، وأن نصفها يواجه الإفلاس خلال شهرين إلى ثلاثة أشهر إذا لم تحصل على مساعدة حكومية.
الرئيس التنفيذي لشركة “EasyJet”، يوهان لوندغرين، ومقرها في لوتون بإنجلترا، قال إن لديهم فرق علوم البيانات التي تعمل على صياغة سيناريوهات مختلفة لمعرفة مدى سرعة عودة الطلب على الطيران، وبأي المستويات، وما الأسعار التي سيدفعها الناس، ومقدار التكلفة لتحقيق ربح على رحلة معينة، مؤكدًا أن أحدًا لا يعرف إجابات عن هذه التساؤلات، وهم بحاجة فقط ليكونوا مرنين.
اختبارات صحية للركاب تعرقل سير الرحلات
أحد المخاوف هو أن العملاء سيتأخروا بسبب قواعد الدخول المتعلقة بالصحة والتي قد تختلف من بلد إلى آخر، خاصة خلال عملية الانفتاح غير المتكافئة، وغير النهائية.
شركة “BCG” للاستشارات العالمية، تحدثت أن هذا الأمر سيكون تمامًا مثل تشديد أمن المطارات بعد الهجمات “الإرهابية” في أيلول 2001 بالولايات المتحدة.
ويمكن أن يخضع المسافرون لاختبارات مثل فحص درجات الحرارة، أو قد يحتاجون حتى لشهادات صحية للسفر، وقد يكون ذلك مستهلكًا للوقت، ويعقّد جداول الطيران الدقيقة.
رئيس قسم السفر بشركة “BCG” في أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ديرك مارتن مولينار، قال، “يجب أن تكون هذه الإجراءات سريعة وآمنة”.
إن الطبيعة الأساسية للسفر الجوي التي تدعم التجارة والدبلوماسية والأعمال والسياحة، تجبر الحكومات في جميع أنحاء العالم على دعم شركات النقل الجوي.
وصرفت وزارة الخزانة في الولايات المتحدة مساعدة الرواتب لشركات الطيران، ودخلت حينها شركة “Virgin Australia Holdings Ltd”، في أزمة بعد أن فشلت في تأمين مساعدة الدولة.
ورغم تقديمها ثمانية نداءات للحصول على التمويل، فشلت في ذلك قبل أن تنهار بالنهاية.
واعتبر بيلوتكاش أن المزيد سيكون لهم ذات المصير، ما يؤدي إلى منافسة أقل، وقال إن شركات الطيران الكبرى منخفضة التكلفة ستبقى على الأرجح، لكنّ كثيرًا منها سيكون مملوكًا جزئيًا من قبل الحكومات، أو على الأقل سيكون مدينًا لها بالمال.
وهذا ما سيجعل تذاكر الطيران أكثر محدودية وأغلى سعرًا من قبل زمن الفيروس، بحسب بيلوتكاش.
ضرورية السفر من عدمها
أدى انتشار فيروس “كورونا” إلى عقد مؤتمرات ضخمة على نطاق عالمي عن بُعد عبر تقنية “الفيديو”، الأمر الذي قد يدفع إلى إعادة تقييم الحاجة إلى الطيران بشكل كامل، وفقًا لمجموعة “UBS Group AG”.
مديرة أبحاث الأسهم الصناعية الأوروبية في “UBS”، سيلين فورنارو، قالت “إن الفيروس سجعل الناس تعيد تفكيرها، حتى لو لم تكن من أنصار البيئة، فما السفر الأساسي والضروري؟”.
تتوقع فورنارو، أن يتسارع التحول من السفر الجوي إلى القطارات الفائقة السرعة في أوروبا والصين، فمن المرجح أن تختفي بعض المسارات الجوية المنخفضة التكلفة والقصيرة المدى.
ووفقًا لتقرير “UBS” هذا الشهر، فإن الرحلات التي تقل عن 300 ميل شكلت خمس السوق الأوروبية مقارنة بالعام الماضي.
وإذا انعكس هذا الاتجاه في مناطق أخرى مثل آسيا، فإنه سيفكك جزئيًا التوسع الهائل في صناعة الطيران.
حلول أمام الشركات ولكن
طرحت وكالة “بلومبيرغ” في تقريرها العديد من الحلول التي من الممكن أن تتبعها شركات الطيران لتجنب هذه الأزمات، ولكن الخبراء بحثوا في إمكانية جدواها.
أستاذ النقل وإدارة سلسلة التوريد في كلية الأعمال بجامعة سيدني، ريكو ميركرت، قال إنه في حين قد تضطر شركات الطيران إلى خفض الأسعار في البداية لجذب الركاب، فإن المخاوف من الفيروس ستزول تدريجيًا.
وقال مولينار من “BCG”، مع انخفاض السعة الإجمالية، ستفضل شركات الطيران، استخدام طائرات أصغر وأكثر قابلية للتحكم بها مثل “Dreamliner” من شركة “Boeing”، و”A330” من شركة “Airbus”، على الطائرات العملاقة مثل “A380”.
ومن الممكن جدًا أن تعقد شركات الطيران العالمية تحالفات فيما بينها لم تكن مسموعة من قبل مع ذوبان منافسيها الأصغر.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :