فتح الاقتصاد السوري.. الفقر والإفلاس “أخطر من كورونا”

  • 2020/04/26
  • 12:00 ص

البزورية في دمشق القديمة- 20 من حزيران 2019 (عدسة شاب دمشقي)

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

“فيروس الفقر والجوع والإفلاس أخطر من أي فيروس آخر”، رد جاء من قبل رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية وعضو مجلس الشعب، فارس الشهابي، على الإجراءات الوقائية الاقتصادية التي اتخذتها حكومة النظام السوري، خلال الأسابيع الماضية، لمنع تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).

هذه الإجراءات لم تدم طويلًا قبل أن تعيد الحكومة دوران عجلة الاقتصاد السوري بشكل جزئي، بعدما أنهكت الإجراءات الاقتصاد الذي يعيش بالأصل حالة من الانكماش نتيجة سنوات الحرب التسع الماضية، وهو ما عبر عنه الشهابي في منشور له عبر “فيس بوك”، الخميس الماضي، معتبرًا أن “فتح الأسواق وتخفيف إجراءات الحظر أتت لإنقاذ الاقتصاد”.

وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية دقيقة توضح تداعيات “كورونا” على الاقتصاد السوري، يعد تخفيف حكومة النظام الإجراءات دلالة واضحة على الخسارات التي ضربت مختلف القطاعات الاقتصادية، وأثرت بشكل مباشر على المواطنين وخاصة أصحاب الأعمال الحرة.

تخفيف الإجراءات رغم الإصابات

بدأت حكومة النظام، الأسبوع الماضي، بتخفيف الإجراءات عبر إعادة افتتاح المهن التجارية والخدمية والمحلات كافة، وفق برنامج يوزع أيام الأسبوع بين هذه المهن، بمعدل يوم أو يومين حسب كل مهنة، ومن الساعة الثامنة صباحًا حتى الثالثة بعد الظهر، بشرط التقيد والالتزام بالإجراءات الوقائية والاحترازية لمنع انتشار “كورونا”.

ثم وافقت الحكومة، خلال اجتماعها في 23 من نيسان الحالي، على تمديد ساعات فتح المحلات والمهن التجارية والخدمات حتى الساعة الخامسة، بهدف تأمين احتياجات المواطنين لدخول شهر رمضان، إلى جانب تعديل أوقات حظر التجول المفروضة في جميع المحافظات، لتصبح من السابعة والنصف مساء حتى الساعة السادسة صباحًا.

كما سمحت الحكومة للمطاعم بالعمل حتى ميعاد الحظر اليومي، والسماح بتنقل المواطنين بين المحافظات يومي الاثنين والثلاثاء بعد إيقافه سابقًا، إضافة إلى السماح لوزارة النقل بإعادة الافتتاح التدريجي لمديريات النقل بالمحافظات، كونها من أكثر القطاعات تضررًا.

وكانت حكومة النظام بدأت بالإجراءات التي أوقفت الحركة الاقتصادية بشكل شبه كامل، منتصف آذار الماضي، أي قبل أيام من الإعلان الرسمي عن ظهور أول حالة مصابة بالفيروس في 22 من الشهر نفسه.

وبلغ عدد الإصابات بالفيروس، حتى 24 من نيسان الحالي، 42 إصابة إلى جانب ست حالات شفاء ووفاة ثلاثة أشخاص.

ويعطي ذلك إشارة إلى أن السماح للحكومة بفتح الاقتصاد جزئيًا لم يكن بسبب سيطرتها على الفيروس، وإنما جاء عقب الآثار الكبيرة من توقف عجلة النشاط الاقتصادي والتخوف من كارثة قد تزيد من الإنهاك الاقتصادي، ومن مرحلة الركود التضخمي (stagflation) الموجودة أصلًا، بحسب الباحث الاقتصادي مناف قومان، الذي أكد لعنب بلدي أن الأرقام الاقتصادية تدل على أن نسب التضخم والبطالة والفقر مرتفعة، ويقابلها ركود في معدلات النمو الاقتصادي وضعف الإنتاج والإنفاق.

واعتبر قومان أن معظم الحكومات في العالم اتخذت إجراءات ضد “كورونا”، وأسهمت بشكل نسبي بين بلد وآخر، حسب طبيعة الإجراءات، في أثر سلبي على الاقتصاد، أما حكومة النظام فذهبت إلى خيار الحظر وإغلاق الأسواق والأعمال في الوقت الذي تعد المكان الأساسي لتفاعل المستهلكين مع المنتجين، إذ لا توجد بنية تقنية للأسواق الإلكترونية وإيصال المنتجات للمنازل.

تقديرات تحذر من الإفلاس

لا توجد أرقام رسمية لنتائج “كورونا” على الاقتصادي السوري، بينما تتحدث تقديرات عن خسارة بعض القطاعات، وأهمها قطاع الصناعة والتجارة والنقل بسبب توقف الحركة بشكل كامل داخل المدن والأرياف أو بين المحافظات، إلى جانب قطاع السياحة بسبب توقف الزائرين وخاصة من إيران والعراق إلى الأماكن المقدسة، وهو من القطاعات المهمة للحكومة لأنه مصدر دخل للقطع الأجنبي إلى سوريا.

من جهته، قدّر رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية، عابد فضلية، أن 60% من الجهات العامة تعطلت عن العمل بشكل كلي، في حين أكد أمين سر غرفة تجارة وصناعة طرطوس، كفاح قدور، أن خسائر الصناعيين كبيرة جدًا ومرهقة، وقد تؤدي إلى انهيار بعض الشركات.

وأوضح، بحسب موقع “الوطن أونلاين“، أن “خسائر التجار كبيرة، وخاصة تجارة الألبسة والأحذية بسبب موسمية البضائع وتغير الموديلات في العام المقبل، إضافة إلى أن أغلب المحلات إيجارها شهري أو بدل استثمار”، معتبرًا أن استمرار الإغلاق قد يؤدي إلى انهيار بعض التجار وإفلاسهم.

أما رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، علي كنعان، فقدر خسائر الاقتصاد بألف مليار ليرة سورية شهريًا، أي بما يزيد على 33.3 مليار ليرة يوميًا، بحسب ما نقل عنه موقع “الوطن أونلاين“، إلى جانب تقديره للخسائر الاقتصادية، خلال شهري آذار الماضي ونيسان الحالي، بحدود تريليوني ليرة سورية، وقد يتضاعف إلى أربعة تريليونات ليرة في حال استمرار الحظر لغاية حزيران المقبل، بحسب قوله.

ونشر ”مركز دمشق للأبحاث والدراسات” (مداد)، دراسة تحدث فيها أن الاقتصاد السوري يتجه إلى حالة الانكماش الحاد بسبب توقف عجلة الإنتاج، وأكد أن الإجراءات التي اتخذتها حكومة النظام لمنع تفشي فيروس “كورونا” أسهمت في توقف عمل معظم الشرائح والمكونات الاجتماعية، وانخفاض لإيرادات الدولة الطبيعية، الآتية عن طريق الضرائب والرسوم وفوائض مؤسسات القطاع العام الاقتصادي، وإيرادات تأجير واستثمار أملاك الدولة.

وأوضحت الدراسة أن “استمرار توقف عجلة النشاط الاقتصادي سيدخل الاقتصاد السوري بحلقة انكماش اقتصادي حاد، قد تترتب عليها نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية مربكة، وقد تنفتح على احتمالات لا يمكن ضبط مفاعيلها”.

كما سيضع استمرار انخفاض الإيرادات الحكومة في مواجهة مع استحقاقات مالية ومعيشية وتمويلية خطيرة جدًا، ستلقي بتبعاتها على الدولة والمجتمع لا يمكن تجاهلها ولا احتواء نتائجها.

وطالب فارس الشهابي، عبر صفحته في “فيس بوك”، بفتح محلات الألبسة والأقمشة والجلديات جزئيًا وتدريجيًا، وضمن ضوابط مشددة، قبل أن “تفلس الصناعة النسيجية العريقة بكامل حلقاتها، ويصبح عشرات الآلاف بلا عمل وبلا دخل وبلا مستقبل”.

وفي منشور آخر، في 23 من نيسان الحالي، قال الشهابي إن “المشكلة لم تعد كيف نحمي أنفسنا ونسيطر على المرض، بل كيف نحمي أنفسنا واقتصادنا ولقمة عيشنا ونسيطر على المرض (…) فيروس الفقر والجوع والإفلاس أخطر بكثير من أي فيروس آخر”.

المواطن الخاسر الأكبر

ولم يكن السوريون، الذين يعيش 83% منهم تحت خط الفقر، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، بعيدين عن تأثيرات “كورونا”، التي زادت رقعة الفقر وانعدام الأمن الغذائي، لأن الموظف الذي يعتمد على ترميم دخله البالغ بالحد الأعلى 50 ألف ليرة سورية بمصادر أخرى أبرزها العمل في وظيفة بعد الدوام أو الأعمال الحرة، لم يعد بإمكانه القيام بهذا الترميم، بعدما تعرضت هذه المصادر للانتكاس مع فرض إجراءات الحجر الصحي، بينما كان هناك ضرر أكبر لدى عمال المياومة الذين فقدوا مصدر دخلهم الرئيس، وصاروا بلا عمل ولا أموال، بحسب قومان.

وزادت الفجوة بين النفقات والدخل مع ارتفاع سلة الاستهلاك الأساسية لأسرة مكونة من خمسة أفراد إلى 430 ألف ليرة، بحسب قومان، إذ تبلغ تكاليف الغذاء والمشروبات منها 230 ألف ليرة، بينما يقف دخل الموظف عند 50 ألف ليرة، وهو ما يرفع حد الفقر وعدد غير الآمنين غذائيًا إلى ملايين الجائعين.

ويبلغ متوسط الرواتب في سوريا 92.93 دولار (ما يعادل 120 ألف ليرة تقريبًا)، بحسب موقع “Numbeo” المتخصص بحساب تكلفة العيش، لكن هذا المتوسط يشمل القطاع الخاص والعام.

وأعلن وزير المالية في حكومة النظام، مأمون حمدان، في آذار الماضي، تخصيص 100 مليار ليرة سورية لتمويل إجراءات الحكومة في مواجهة الفيروس.

لكن رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، أسامة قاضي، اعتبر أنه سيتم التلاعب في صرفها وإدارتها بسبب تفشي الفساد بشكل واسع في مؤسسات الدولة.

وأوضح قاضي، لعنب بلدي، أن 100 مليار ليرة مبلغ زهيد، ويعادل 80 مليون دولار أمريكي تقريبًا، ولو قُسّم على عدد المواطنين القاطنين في مناطق سيطرة النظام البالغ قرابة 13 مليون شخص، تبلغ حصة كل فرد ستة دولارات فقط من أجل دعم نفسه خلال أزمة “كورونا”، على الرغم من أن أكثر الأوقات التي يحتاج فيها المواطن السوري إلى الدعم هو الآن، من أجل شراء المواد الأساسية التي بالكاد تكون متوفرة مثل السكر والأرز والمازوت.

أما في مسألة العمالة، فأوضح قاضي أن هناك مليونًا و600 ألف موظف (حكومي) حسب الأرقام الرسمية، وما تبقى من ثلثي العمالة السورية هي ضمن القصاع الخاص والمشترك، لا علاقة للحكومة بهم.

واعتبر قاضي أن ثلثي المواطنين متضررون من الإجراءات، والأكثر تضررًا هم الذين لا يملكون راتبًا من الدولة ولم تُصرف لهم مساعدات، بينما تهدد البطالة العمال بشكل كلي.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية