عنب بلدي – إياد عبد الجواد
دفعت سيطرة قوات النظام السوري على ريفي حماة الشمالي والغربي وريف إدلب الجنوبي، معظم سكان هذه المناطق للهرب من العمليات العسكرية، وبعد استقرار النازحين في الشمال السوري، عاد المزارعون منهم لعملهم في الزراعة، وتمكنوا من نقل بعض الزراعات إلى أماكن نزوحهم.
ومن هذه الزراعات نبتة العصفر، التي كانت تُزرع بريف إدلب الجنوبي، وصارت الآن تزرع في مناطق حارم ومناطق جبال باريشا في ريف إدلب الغربي.
ومن الزراعات التي نقلها المزارعون النازحون أيضًا، الفاصولياء (الكلاوي) التي كانت تُزرع في سهل الغاب، أما الآن فتزرع في ريف حلب بمناطق عفرين كجنديرس وغيرها، إضافة لزراعة الخضراوات والبطاطا نظرًا لتوفر مياه الري بكثرة في ريف حلب.
تجارب تواجه تحديات
المزارع أحمد رماح وهو نازح من قرية نقير في ريف إدلب الجنوبي، ويقيم حاليًا في مناطق حارم، قال إنه زرع العام الماضي مساحة 25 دونمًا من أرضه بمحصول العصفر، لكنه لم يتمكن من قطفه، نتيجة القصف على المنطقة، قبل أن يسيطر عليها النظام.
وأضاف لعنب بلدي أنه اضطر لشراء بذار العصفر هذا العام بعد نزوحه، بأسعار مضاعفة وصلت إلى نحو 500 ليرة سورية للكيلو الواحد، في حين كان الكيلو يباع سابقًا بـ150 ليرة سورية.
وأوضح أن الأراضي في ريف إدلب الجنوبي تتميز عن الأراضي في مناطق حارم بكثرة الآبار الارتوازية التي توفر مياه الري، حيث كانت تُزرع الخضراوات بجميع أنواعها، في ظل توفر الأيدي العاملة وروث الأغنام والأبقار الذي يعد سمادًا طبيعيًا للتربة.
أما الآن، وفق أحمد، فإنه يعتمد فقط على الزراعة الشتوية، كالعصفر.
وعن الفرق بين زراعة العصفر في ريف إدلب الجنوبي ومناطق حارم بريف إدلب الشمالي الغربي، قال أحمد، “في مناطقنا كنا نعتني بالزراعة وبالمحاصيل من ناحية تزويد التربة بروث الحيوانات ورش المحصول بالمبيدات الحشرية والمقويات الزراعية، أما الآن فنزرع الأرض ببذار العصفر ونكتفي بذلك حتى جني المحصول”.
ولفت أحمد إلى أن المنطقة التي نزح إليها لم تكن تشهد زراعة العصفر، موضحًا أن شراء بذار العصفور يجري من مزارعين أخرجوها معهم عند نزوحهم.
ونظرًا لقلة البذار، اشتراها المزارع بأسعار مرتفعة، واستأجر أرضًا زراعية ووصلت أجرة الدونم الواحد إلى 20 ألف ليرة سورية.
رائد الغابي مزارع من سهل الغاب، قال لعنب بلدي إنه بعد سيطرة قوات النظام على قرى وبلدات القسلم الجنوبي من سهل الغاب، نزح إلى مدينة جنديرس في ريف حلب الشمالي، موضحًا أنه لا يجيد العمل سوى بالزراعة، لذلك استأجر أرضًا زراعية بريف جنديرس في منطقة تدعى”حج لار” مساحتها 21 دونمًا (الدونم بـخمسة آلاف ليرة سورية)، وزرعها بالفاصولياء العريضة (الكلاوي) التي لم تكن تزرع في هذه المنطقة.
أمّن رائد البذار من مزارعين نازحين في مناطق أطمة وقاح بريف إدلب، بألفي ليرة للكيلو الواحد.
أما بالنسبة لجودة التربة في ريف حلب فهي أقل بكثير من جودة الأرض الزراعية في سهل الغاب، وفق رائد، الذي لفت إلى أن إنتاج الدونم الواحد من الفاصولياء في ريف حلب يعادل 300 كيلوغرام، أما في سهل الغاب فكان يتجاوز الإنتاج 700 كيلوغرام للدونم الواحد.
وعن أساليب الري قال رائد، إن مياه الري متوفرة في ريف حلب، الأمر الذي شجعه على الزراعة، وذلك عن طريق سد “ميدانكي”، حيث توجد لكل أرض زراعية سدة يتم فتحها عند الري.
عوامل كانت مساعدة على زراعة هذه المحاصيل
المهندس الزراعي أنس أبو طربوش، أوضح لعنب بلدي أن زراعة العصفر من الزراعات البعلية التي تعتمد على مياه الأمطار، مشيرًا إلى أنها انتشرت في مناطق لم تكن تُزرع بها سابقًا في الشمال السوري.
وقال إن العصفر من النباتات الطبية والعطرية، ويتأثر هذا المحصول بجودة التربة والمناخ من منطقة إلى أخرى، ما ينعكس على نجاح زراعته أو فشلها.
وأوضح أنس أن ريف إدلب الجنوبي يشتهر بزراعة هذه النبتة، بسبب جودة تربته عن تربة الأراضي الزراعية في المناطق الحدودية مع تركيا، كمناطق حارم وسلقين التي لوحظت زراعة العصفر فيها مؤخرًا.
أما فيما يخص زراعة البطاطا والخضراوات والفاصولياء العريضة (الكلاوي) التي زرعها نازحون من ريفي إدلب وحماة في ريف حلب، فقال المهندس الزراعي، إن هذه الزراعات كانت تعد المحصول الاستراتيجي الذي كان يزرع بريف حماة الشمالي، ومن أبرزها البطاطا، حيث كانت توجد مؤسسات تدعم هذه المحاصيل، ما يؤدي لإنتاجها نقية خالية من الأمراض.
وقال إن المؤسسات الداعمة اعتمدت على بيع مستلزمات الزراعة بالأقساط الطويلة الأمد، الذي أسهم بانتشارها أيضًا، إلى جانب خبرة المزارعين المتراكمة خلال السنوات السابقة.