موتى لا يجدون القبور في إدلب.. من المسؤول؟

  • 2020/04/26
  • 12:00 ص
مقبرة في مدينة إدلب وخلفها بنايات سكنية- 15 من نيسان (عنب بلدي)

مقبرة في مدينة إدلب وخلفها بنايات سكنية- 15 من نيسان (عنب بلدي)

عنب بلدي – عبد الله الخطيب | شادية التعتاع

بينما يصارع المدنيون في إدلب للمحافظة على أسباب استمرار الحياة، ويواجهون من أجل ذلك مشقات النزوح والمقاومة في ظل ظروف معيشية صعبة، يتعرضون في حالات الموت لضغوط مضافة، أبرزها يتعلق بإيجاد أماكن للدفن.

تختلف أسباب مصاعب الدفن بين النازحين والمقيمين، وتتحكم الحالة المادية لذوي المتوفى بها، بينما تحاول الجهات المعنية بالقضية التنصل من دورها حول الموضوع.

تتجاوز أسعار أغلبية القبور في مدينة إدلب 50 ألف ليرة سورية، وهو ما يعادل قيمة إيجار شهري لمنزل فيها، ما يسبب أعباء اقتصادية على أهل المتوفى، وخصوصًا إن كانوا من ذوي الدخل المحدود، الذين يشكلون الأغلبية.

ومع كامل إجراءات الدفن، قد تصل التكلفة إلى 100 ألف ليرة سورية وسطيًا، وفق الأسعار التي رصدتها عنب بلدي في المحافظة.

لذا، يضطر بعض الأهالي إلى دفن الموتى بمناطق بعيدة ونائية، بسبب طلب بعض أصحاب المقابر والمجالس المحلية مبالغ تفوق قدرتهم، وذلك بحسب متطوع في “الدفاع المدني”، لديه تجربة مع مصاعب عملية الدفن.

المتطوع الذي تحفظ على نشر اسمه، توفي طفله بعد خمسة أيام من ولادته في مدينة الدانا شمالي إدلب، ليتفاجأ بطلب المجلس المحلي مبلغ 50 ألف ليرة سورية لقاء الدفن، وهو ما دفعه لدفن الطفل خارج المدينة.

القضية عامة

خلال التواصل مع مجموعة من المواطنين في إدلب، لاحظت عنب بلدي أن المدنيين يتحفظون في الحديث عن قضية صعوبات الدفن، والجهات المسؤولة عنها، فنشرت استطلاعًا للرأي عبر صفحتها عبر “فيس بوك”، وسألت متابعيها: “هل تجد أن أسعار القبور في سوريا عائق أمام دفن الموتى؟”.

شارك بالتصويت على الاستطلاع 434 شخصًا، أجاب 72% منهم عن التساؤل بـ”نعم”، و28% بـ”لا”.

حساب باسم “أحمد أبو علي”، علّق على منشور الاستطلاع بالقول، “يوجد أموات لا يجدون من يدفنهم حتى يُدفع ثمن القبر”، وأضاف أن ثمن القبر يكون مرتفعًا جدًا في المدن، وأحيانًا يصل إلى ما يعادل ثمن أرض تتسع لبناء بيت في مناطق أخرى، بحسب تعبيره.

حساب “أحمد إبراهيم”، علّق بالقول “كان الله بعون الأهالي، الأوقاف تملك الملايين، والفقراء يدفعون المال لقاء دفن موتاهم”.

عوائق خاصة بالنازحين

“منعونا من دفن والدي في مقبرة سرمدا لأننا لسنا من المقيمين في المدينة، ولا من أهلها الأصليين”، بهذه الكلمات بدأ أحمد السلوم، وهو من أهالي بلدة عندان بريف حلب، نازح إلى مدينة سرمدا شمالي إدلب، حديثه لعنب بلدي.

وذكر أحمد أنهم اصطدموا داخل المقبرة بمن رفض حفر قبر والده بداعي قرار عُمّم عليهم من وزارة الأوقاف، يقضي بـ”عدم السماح بدفن أي شخص فيها إن لم يكن من أهالي سرمدا، أو كان من النازحين القاطنين داخلها”.

أخيرًا استطاع أحمد إتمام مراسم الدفن في قرية بتابو، التي تبعد عشرة كيلومترات عن مدينة سرمدا بذريعة أنهم نازحون في أحد المخيمات التابعة للمدينة، وهو ما يحدث عادة مع غيره من النازحين.

الجهات المعنية تتنصل.. من المسؤول؟

تواصلت عنب بلدي مع الجهات التي يفترض أنها معنية بالقضية، فبيّن معاون وزير الأوقاف في “حكومة الإنقاذ” العاملة في إدلب، إياد المصري، أن المقابر الموجودة في المحافظة ليست تحت إشرافهم، ولا ينظمون موضوع الدفن فيها.

كما نفى المصري أي تدخل من قبل وزارة الأوقاف، سواء كان سلبيًا أم إيجابيًا بموضوع القبور، وهذا يخالف ما تحدث به أحمد السلوم في قصة دفن والده في سرمدا.

أرجع المصري أمر المقابر في كل منطقة إلى الجهات المسؤولة فيها، فقد تكون لجنة أو مجلسًا محليًا أو مجلس أعيان أو شخصًا مكلفًا أو وجيهًا معينًا من القرية أو المنطقة يشرف عليها.

عنب بلدي تواصلت مع المجلس المحلي في مدينة إدلب، مستفسرة عن القضية، ليجيب أنه ليست لديه أي سُلطة على المقابر ولا تقع تحت مهامه أو إشرافه.

بدوره، أصرَّ المصري أنه نادرًا ما تكون هناك لجنة وقفية تشرف على مقبرة، ولا تتبع هذه اللجان إلى دائرة الأوقاف في المنطقة، لأنها خارج تنظيم الدوائر حاليًا، بل تُشكل من قبل المواطنين في كل قرية أو مدينة للإشراف على “وقفياتها” واستثمارها وصرف الأموال لما وُقفت عليه، كالمسجد والعاملين فيه، بحسب تعبير المصري.

ولا يعود لدائرة الوقف أي مبلغ منها، ولا سلطة للأوقاف على هذه اللجان، فهي لجان أهلية وليست حكومية، حسب وصف المصري.

في مكتب دفن الموتى

المدير التنفيذي لجمعية “النهضة الإسلامية” بمدينة إدلب ومسؤول إدارة مكتب الدفن فيها، عبد الكريم خضر، قال لعنب بلدي إنهم المسؤولون عن مكتب دفن الموتى في المدينة، الذي يؤدي خدمات الدفن كافة.

ولأن المكتب لا يُدعم من أي جهة، فهو يعتمد على استيفاء رسوم الدفن من آل المتوفى، وتبلغ حاليًا 25 ألف ليرة سورية، بحسب خضر.

وكانت هذه الرسوم أقل مما هي عليه الآن، لكنهم بحسب المدير التنفيذي للجمعية، رفعوها مجبرين هذا العام، بسبب غلاء أسعار المواد الداخلة في صناعة الكفن، إضافة لرسوم حفر القبر المرتفعة.

وقال الخضر، إنهم يراعون حالة أهل المتوفى، ويعفى مجهولو الهوية والفقراء من رسوم الدفن، بعد التأكد وتقييم وضع المتوفى.

وبالنسبة للنازحين فيراعى وضعهم أيضًا، وغالبًا ما يُعفون من الرسوم بعد التأكد أيضًا من وضعهم، فبحسب الخضر ليس كل النازحين بذات الحالة المادية.

حال الأغلبية

تحدد الحالة المادية لذوي المتوفى سهولة دفنه وصعوبتها، الأمر الذي يشير إلى كون المشقة تخص أغلبية السوريين، إذ تصدّرت سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا بالعالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي، في 21 من شباط الماضي.

وتتوافق أرقام الموقع مع أرقام الأمم المتحدة، إذ قدّرت نسبة السوريين الذين يعيشون بفقر مدقع بـ83%، بحسب تقريرها السنوي لعام 2019، حول أبرز احتياجات سوريا الإنسانية.

وذكر التقرير أن 33% من السكان في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وقدّر أن 11.7 مليون سوري بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية المختلفة، كالغذاء والمياه والمأوى والصحة والتعليم.

وأوضحت بيانات الأمم المتحدة أن العدد الأكبر من المحتاجين للمساعدات يوجدون في حلب، تليها ريف دمشق، ثم إدلب، وأن عدد المحتاجين للمساعدة في أماكن يصعب الوصول إليها يبلغ أكثر من مليون سوري.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع