علي درويش | زينب مصري | صالح ملص
يأخذ القطاع الطبي في الشمال السوري حيزًا واسعًا من الأهمية، إذ مر من فوقه طريق السيطرة العسكرية المفضل لدى النظام السوري وحليفه الروسي، عبر استهدافات متكررة مهدت لتضييق مناطق نفوذ فصائل المعارضة، كما يشكل ممرًا مغريًا للجهات السياسية المسيطرة التي تتجاذبه كأداة لتثبيت الشرعية.
حاولت حكومتا الشمال السوري منذ أعوام فرض ثقلهما في القطاع الطبي، كقطاع محوري في وضع أمني وعسكري متقلب، لكن شكلهما الحكومي تحول إلى نقمة على الدعم، الأمر الذي ترك للجهات الإدارية غير الحكومية الفاعلية الأساسية، وعلى رأسها مديرية صحة إدلب.
اليوم، ومع تصدر مكافحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) المشهد في سوريا، بدأت تتضح أكثر ملامح التسابق إلى إثبات الوجود في القطاع الطبي، والصراع الخفي على الشرعية وتحصيل الدعم، وهو ما تحاول عنب بلدي تسليط الضوء عليه.
تواصلت عنب بلدي في هذا التحقيق مع 20 مصدرًا من العاملين في الجهات الثلاث وأطباء مستقلين، امتنع معظمهم عن الإجابة على التساؤلات، وتحفظت على نشر أسماء آخرين حفاظًا على سلامتهم.
ثلاث إدارات طبية تبحث عن الدعم..
من يستجيب؟
تبرز إلى الساحة الطبية في مناطق شمال غربي سوريا العديد من المنظمات والهيئات الطبية وثلاث جهات حكومية رئيسة، تتمثل في وزارة الصحة التابعة لـ”الحكومة السورية المؤقتة”، ووزارة الصحة التابعة لـ”حكومة الإنقاذ”، ومديرية الصحة في مدينة إدلب.
تتركز فاعلية وزارة الصحة في “المؤقتة” في ريف حلب الشمالي، إلى جانب بعض الهيئات الطبية المدعومة من تركيا بشكل مباشر أو المستقلة التي تحصّل دعمها عبر المنظمات، وفي إدلب تنشط مديرية الصحة بشكل أساسي، إلى جانب منظمات طبية أخرى، بينما تؤدي وزارة الصحة في “حكومة الإنقاذ” دورًا أقل فاعلية، بحسب ما رصدته عنب بلدي من خلال مقابلاتها.
ويحدد الدعم المادي الذي تحصل عليه الجهة فعاليتها بشكل أساسي، إلى جانب عوامل أخرى تتعلق بالتبعية العسكرية أو الاستقلالية، والاستقرار الأمني، والحاجات المطلوبة.
المنظمات.. حجر الأساس
تعددت الجهات العاملة ضمن القطاع الطبي في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، وتباينت أدوارها بين مناطق ريف حلب الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، وإدلب التي تخضع مناطق واسعة منها لسيطرة “هيئة تحرير الشام” التي تتبع لها بشكل غير معلن “حكومة الإنقاذ”.
لكن في جميع الحالات، يشكل الدعم محورًا أساسيًا لتفعيل القطاع في مناطق سيطرة المعارضة، وهو ما لا تستطيع حكومتا “الإنقاذ” و”المؤقتة” الحصول عليه بسهولة لأنهما جسمان حكوميان غير معترف بشرعيتهما دوليًا، وبالتالي لا يمكن تقديم الدعم لهما.
أما مديرية الصحة في إدلب فقد توقف الدعم عنها منذ تموز 2019، نتيجة الاختلاطات التي حدثت في شمال غربي سوريا خلال المرحلة الأخيرة، بحسب ما تحدث به خبير في منظمات المجتمع المدني لعنب بلدي، وبقيت بعض القنوات التي تمول أعمالها من خلالها، والتي سيفصّلها التحقيق في فقرة تالية.
في حديث لعنب بلدي قال الخبير (نتحفظ على نشر اسمه) إن حكومتي “الإنقاذ” و”المؤقتة” تؤثران بشكل سلبي على عملية الدعم، بسبب سعيهما للشرعية بطرق تفتقد إلى “الخبرة والمشروعية”.
إضافة إلى وجود نوع من تنازع الشرعية بينهما، وكلتاهما تفتقدان للموارد المادية والمعنوية، فليست لديهما كوادر بشرية وغير قادرتين على تقديم الدعم، وليست لديهما خبرة تقنية ولا خبرة إدارية.
أما مديرية صحة إدلب، فلديها تعاون وثيق مع المنظمات التي يمكنها أن توفر الحصة الأهم من الدعم عبر الأمم المتحدة والمانحين بشكل عام، وأي دعم لمديرية الصحة يأتي عبر المنظمات، كونها جسمًا يمكن تقديم الدعم له، وفق القانون الدولي.
كيف تمول الحكومتان القطاع الطبي لديهما؟
لم تتمكن عنب بلدي من الحصول على معلومات من وزارة الصحة في “حكومة الإنقاذ”، وفشلت في التواصل مع وزيرها الحالي، أيمن جبس، كما لم يرد وزيرها السابق، أحمد جرك، على التساؤلات التي وجهتها له.
استجاب معاون وزير الصحة في “حكومة الإنقاذ”، محمد العساف، لعنب بلدي، لكنه لم يتحدث عن آليات حصولهم عن الدعم، وأكد على أن جاهزية الوزارة الطبية “دون المستوى المأمول”، بسبب ضعف الإمكانيات ومحدوديتها بشكل كبير، كما لا يوجد “تفاعل جاد” من المنظمات العالمية، كمنظمة الصحة وغيرها، “هناك وعود بتقديم مساعدات ولكن حتى الآن لم يصل شيء يُذكر”.
وعن آلية دعم وزارة الصحة في “الحكومة المؤقتة”، قال وزيرها، مرام الشيخ، لعنب بلدي، إن تمويل القطاع يعتمد على التمويل الإنساني بالدرجة الأولى، وأهم الداعمين لوزارة الصحة في “الحكومة المؤقتة” هو صندوق “إعادة إعمار سوريا”، إضافة إلى الدعم الطبي المقدم من المانحين بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية.
وتحدث أيضًا عن دعم مقدم من خارجيات بعض الدول، مشيرًا إلى أن جميع طرق الدعم تمر عبر المنظمات الإنسانية إلى مديريات الصحة في محافظات إدلب وحلب وحماة والساحل والمكتب الطبي في تل أبيض التابعة لـ”الحكومة المؤقتة”.
ريف حلب..
الصحة التركية عنصر فعال في الخدمات الطبية
تنتشر العديد من المشافي والمراكز الطبية في الريفين الشمالي والغربي لحلب، تتبع لوزارة الصحة التركية. المشافي الكبيرة تتركز في المدن الرئيسة وتحتوي غالبًا على مختلف الاختصاصات، وهي مشفى عفرين، ومشفى اعزاز الوطني، ومشفى مارع الجديد، ومشفى الباب الجديد، ومشفى الراعي الجديد، ومشفى جرابلس، وتستقبل شهريًا أكثر من 2700 مراجع، حسب إحصائيات وسطية، حصلت عليها عنب بلدي من أطباء في المنطقة.
أما المراكز الصحية في الريفين الشمالي والشرقي لحلب، التابعة أيضًا لوزارة الصحة التركية، فغالبًا ما تكون في البلدات والقرى الكبيرة، وتستقبل وسطيًا نحو 500 مريض شهريًا.
كما تدعم المنظمات عدة مشافٍ بشكل مستقل في أرياف حلب، منها مشفى “الهلال الأزرق” في معبر “باب السلامة”، ومشفى النسائية والأطفال في الغندورة شرقي حلب، بدعم من منظمة الأطباء المستقلين (IDA)، وتتبع لها أيضًا مراكز صحية في صوران والمخيمات الحدودية، ومنظمة “الأمين الإنسانية” التي تملك مراكز صحية بريف عفرين، كما تدعم منظمة “SRD ” مشفى أخترين وعدة نقاط طبية أخرى بالريف الحلبي.
طبيب في المنطقة (تحفظ على نشر اسمه)، قال لعنب بلدي إن الجهات الطبية التركية أهّلت مشافي كبيرة في المدن الرئيسة، وهي المشغّل الرئيس لها طبيًا، وقدمت العديد من الخدمات الطبية وبعمل مشهود له في مناطق ريف حلب، لكنها في نفس الوقت تحاول السيطرة على دعم المنظمات الطبية لسببين أساسيين، الأول توحيد العمل، والثاني محاولة الاستفادة من دعم المنظمات.
ويرى الطبيب أنه لا يمكن إغفال دور مديريات الصحة التابعة لوزارة الصحة في “الحكومة المؤقتة”، التي تعمل إلى جانب المنظمات وتسهم في عمليات تعويض النقص في مناطق ريف حلب.
وتعمل وزارة الصحة مع الجهات التركية والمنظمات على إعداد خطط لتنظيم الاحتياجات الطبية في مناطق ريف حلب.
مديرية صحة إدلب أساس الخدمات الطبية في المحافظة..
كيف تحافظ على دعمها؟
في محافظة إدلب، تعمل إدارتان لتسيير القطاع الصحي، هما مديرية صحة إدلب، ووزارة الصحة في “حكومة الإنقاذ”، وجهة ثالثة هي المنظمات التي تملك هيئات طبية مستقلة، بينما تحاول وزارة الصحة في “الحكومة المؤقتة” الدخول على خط الخدمات الطبية في المحافظة من بوابة الإجراءات المتخذة لمنع تفشي “كورونا”، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
ورغم توقف الدعم المقدم لمديرية صحة إدلب منذ تموز 2019، ما زالت المحور المشغّل للقطاع الصحي في المدينة، إلى جانب عمل المنظمات.
في حديث لعنب بلدي، لخص مدير صحة إدلب، منذر خليل، العوامل التي اعتمدت عليها المديرية لتوفير الدعم التقني لها، بعد توقف الدعم المالي الذي كانت تحصل عليه، وتمثلت هذه العوامل باعتماد المديرية على الكوادر المتطوعة بالدرجة الأولى، وعلى بعض الموارد المحلية التي طورتها خلال السنوات الماضية.
إضافة إلى الموارد المادية والبشرية والمعرفية الجيدة، على اعتبار أنها ورثت ممتلكات مديرية الصحة الأساسية الموجودة في إدلب قبل سيطرة فصائل المعارضة على المحافظة، من ناحية الأبنية والمعدات، وتمكنت خلال السنوات الماضية من استقطاب كثير من الكفاءات في الداخل السوري، وعملت على تطوير مهاراتهم من خلال برامج تدريبية طويلة الأمد، واعتمدت على الكفاءات السورية في أماكن مختلفة حول العالم بصفة مستشارين متطوعين.
يعتبر مدير صحة إدلب أن درجة النضج التي بلغتها المديرية ضمنت استمرارها في تقديم الخدمات للأهالي بجميع الظروف، وحالت دون انهيارها مع وجود مشكلة النقص في التكاليف التشغيلية، كما حصل مع كثير من المؤسسات الحكومية في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، خلال الفترات الماضية.
على المستوى الإداري، تعمل المديرية على عدة مسارات، منها وضع الأهداف العامة والخطط الاستراتيجية، ووضع القوانين والمعايير، وإيجاد وتطوير آليات التنسيق بين الشركاء، وتحديد الأدوار المرتبطة بمفهوم الإدارة، وتفويض معظمها لمستويات إدارية أخرى، وذلك حسب قدرة كل من المديرية وإدارات المنشآت الطبية والمنظمات العاملة على الأرض، في كل مرحلة من المراحل، وفي كل ملف من الملفات.
إضافة إلى تنفيذ بعض المشاريع المركزية الحيوية بشكل مباشر، التي من غير الممكن تنفيذها عن طريق المنظمات الشريكة، مثل الطب الشرعي والرقابة الدوائية وإدارة النفايات الطبية ونظام الإحالة ونظام المعلومات الصحي.
وتنشط العديد من المنظمات الطبية في مناطق سيطرة المعارضة، ومن أبرزها “سامز” الداعمة لأبرز المشافي في إدلب، والتي تحاول تغطية النقص بشكل عام، ومنظمات “SRD” و”هاند آند هاند” و”أوسوم” و”سيمرو” و”شفق” و”قطر الخيرية” و”SDI” و”IDA” و”الأمين” و”سيما”.
تدمير المنشآت لم يقف عائقًا..
تقييم عام للفاعلية الطبية في إدلب
تعرض القطاع الطبي في مدينة إدلب لأذية كبيرة منذ نيسان 2019، ودمرت قوات النظام وروسيا خلال هجماتهما على مناطق سيطرة المعارضة أكثر من 70 منشأة طبية، أعيد تفعيل بعضها، بينما دُمّر معظمها بشكل كامل، وخسرت مديرية الصحة في إدلب العديد من الكوادر الطبية والأبنية والمعدات اللازمة، بحسب مديرها، منذر خليل.
أزمة النزوح التي تسببت بها الحملات العسكرية المتتالية على المدينة شكلت ضغطًا كبيرًا على المراكز الطبية، وخفف من هذه المشكلة انتقال الكوادر الطبية مع ما سلم من المعدات في المشافي التي تعرضت لقصف قوات النظام إلى المناطق الأكثر أمنًا، ودخولها في نطاق الخدمة بشكل سريع كما حصل في مشفى معرة النعمان وكفرنبل في ريف إدلب الجنوبي، وفق ما شرحته طبيبة (تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمها) لعنب بلدي.
فاعلية تحدها الظروف
يوجد في مدينة إدلب اختصاصيون قادرون على إجراء جميع العمليات الجراحية، عدا المتابعة الطبية بعد الجراحة بالنسبة للأورام، بينما يعاني قطاع العلاج الكيماوي من النقص، ولا توجد تتمات للعلاج الكيماوي سوى لأورام الثدي، التي افتتح قسم خاص بها حديثًا.
وبعض العمليات التي تستعصي على الأطباء كعمليات قطع الكبد وبعض الجراحات العينية، تُحول إلى تركيا، لكن حاليًا بسبب “كورونا” صارت هناك تعقيدات بالتحويل، ما أدى إلى وفاة عدة أطفال بسبب النقص في عدد “المنافس”، نتيجة عدم السماح لهم بالدخول إلى الأراضي التركية، بحسب الطبيبة التي تواصلت معها عنب بلدي.
مدير صحة إدلب، أشار إلى أن إمكانيات القطاع الصحي صارت متواضعة نتيجة التدمير الذي تعرضت له خلال السنة الأخيرة، ومعظم المنشآت صغيرة تخدم المجتمعات المحلية الموجودة فيها.
وكانت إحدى السياسات الدفاعية التي انتهجها قطاع الصحة لحماية نفسه اعتماد منشآت صغيرة وموزعة على كل الجغرافيا، وذلك لتسهيل وصول الناس من جهة، ولتفادي خسارات كبيرة جدًا في حال استهدافها.
ويوجد ضمن محافظة إدلب حوالي 46 مشفى و38 مركزًا طبيًا تخصصيًا و65 مركز رعاية صحية أولية وأكثر من 70 عيادة نقالة وحوالي 220 سيارة إسعاف وإخلاء، تقدم مجموع هذه المنشآت والسيارات حوالي 500 ألف خدمة طبية مجانية شهرية للأهالي في المحافظة، وفق مدير الصحة.
ماذا عن حالات الطوارئ؟
عن إمكانيات المحافظة مقابل الاحتياجات، قال مدير صحة إدلب، منذر خليل، إنه يوجد في محافظة إدلب سرير مرضى واحد في منشأة طبية عامة لكل 1600 مواطن، وهذا الرقم أقل من الحد الأدنى المحدد بسرير لكل ألف مواطن.
كما يوجد فقط 123 سرير عناية مشددة، تحتوي على 47 “منفسة” للبالغين و33 “منفسة” للأطفال، وهذه الأعداد عمومًا أقل بكثير من الاحتياجات، إذ بلغ عام 2019 معدل إشغال الأسرة 88% بالنسبة لأسرة المرضى العادية و98٪ بالنسبة لأسرة العناية المشددة، وهذا يعني أن الإمكانيات المتاحة غير كافية على سبيل المثال للتعامل مع جائحة “كورونا” التي تهدد المنطقة.
وتحدث خليل في سلسلة تسجيلات مصورة نشرتها المديرية، عبر حسابها الرسمي على “فيس بوك”، عن أهمية حماية الكوادر الطبية والأطباء، المقدر عددهم بـ600 طبيب مسجل، يقدمون خدماتهم لـ4.2 مليون شخص في مناطق الشمال السوري، بمعدل 1.4 طبيب لكل عشرة آلاف نسمة، وهذا المعدل أقل من الحد الأدنى المقبول في وقت الأزمات، والذي يكون خمسة أطباء لكل عشرة آلاف نسمة.
وأشار إلى أن القطاع الطبي مهدد بخسارة المزيد من الكوادر الطبية في الفترة المقبلة، نتيجة جائحة “كورونا”، محملًا مسؤولية حماية الكوادر لـ”مديرية الصحة” والمنظمات الطبية التي “يجب أن تبذل كل الجهد الممكن” لتأمين وسائل الحماية للكوادر.
كما تقع المسؤولية على المنشآت الطبية التي يجب أن تطبق التعليمات بشكل “حازم جدًا”، وعلى عاتق الكوادر الطبية بحد ذاتها، التي يجب أن تطبق جميع وسائل الحماية، وعلى عاتق المجتمع أيضًا، بحسب خليل.
صراع خفي على الإدارة يغيّب التنسيق..
قطاع الصحة رهن التجاذبات
لتعدد الجهات العاملة على الأرض آثار تنعكس على القطاع الطبي، منها عدم التنظيم في العمل الذي يؤدي إلى تفاوت في الخدمات الطبية المقدمة بين منطقة وأخرى، وهو ما يحصل حاليًا في منطقتي حارم وسلقين بريف إدلب الشمالي الغربي.
إذ تحوي المنطقتان تجمعات سكانية كبيرة، والخدمات الطبية فيهما متدنية، ولا يوجد أي مشفى عام يعمل بشكل جيد، بينما مناطق مثل سرمدا وأطمة والدانا قرب الحدود التركية، يتركز الدعم الطبي فيها على حساب المناطق الأخرى في إدلب، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
مدير صحة إدلب، منذر خليل، أرجع وجود “بعض التفاوت” في مستوى الخدمات الطبية المقدمة بين المناطق، إلى ارتباطه بالدرجة الأولى بتوفر البنية التحتية المناسبة، التي تعاني منها مديرية صحة إدلب، كتوفير أبنية فارغة مناسبة لاستقبال المنشآت الطبية التي نُقلت من جنوبي إدلب إلى الشمال، نتيجة الحملة العسكرية الأخيرة.
تعاون بين المديرية والمنظمات.. فقط
تسعى المديرية، بحسب خليل، لتعويض هذا التفاوت، من خلال تخديم المناطق المحتاجة بالعيادات المتنقلة إضافة لدعمها بنظام الإحالة، وكذلك استمرار الجهود لتأمين أبنية في المناطق التي تفتقر إلى الخدمات، سواء كانت أبنية عامة أو حتى أبنية خاصة.
وأكد خليل وجود تعاون مستمر وعلاقة تكاملية بين مديرية الصحة والمنظمات العاملة في المنطقة من جهة، والمنشآت الطبية من جهة ثانية، التي تعتبر حجر الأساس في تقديم الخدمات الطبية، من خلال تواصل يومي واجتماعات دورية لبحث البرامج الروتينية الموجودة حاليًا، إضافة لخطط الاستجابة.
وأطلقت المديرية مؤخرًا حملة مع “الدفاع المدني السوري” باسم “متطوعون ضد كورونا” لتقديم الدعم للكوادر الطبية والمساعدة في إجراءات التباعد الاجتماعي، ويتوقع أن يصل عدد المتطوعين إلى ثمانية آلاف و500 متطوع، يتم توزيعهم على حوالي ألف مجتمع موجود ضمن المنطقة.
وأما على مستوى المراكز الطبية، فتنسق فيما بينها أفقيًا، عبر غرف تواصل يشرف عليها منسقون، مثلًا في حال الحاجة إلى شاغر حاضنة أطفال، تحول الحالة المطلوبة إلى المشفى التي يتوفر فيها الشاغر عبر سيارات منظومة الإسعاف، الحاضرة دائما تحت الطلب، وذلك ضمن منطقة إدلب، أما التنسيق بين إدلب وريف حلب فهو على مستويات أقل بحسب ما نقلته عنب بلدي عن أطباء عاملين في إدلب.
شراكات منفرة
امتنع خليل عن الإدلاء بتصريح فيما يتعلق بالتنسيق والعمل المشترك بين وزارتي الصحة في كل من حكومتي “الإنقاذ” و”المؤقتة” فيما يخص القطاع الصحي في إدلب.
بينما قال طبيب (تحفظ على نشر اسمه)، في حديثه لعنب بلدي، إن التنسيق بين المنظمات والحكومتين في إدلب، ضعيف ويقتصر على أشخاص يتواصلون فيما بينهم، لكن على مستوى الإدارات العليا فهو غير متوفر، بسبب محاولة “حكومة الإنقاذ” فرض نفسها كشريك في الدعم مع المنظمات، وهو ما سيؤدي إلى انقطاعه بسبب عدم شرعية هذه الجهة.
وكان وزير الصحة في “الحكومة المؤقتة”، مرام الشيخ، أكد في تغريدة عبر حسابه الشخصي في “تويتر”، ضرورة وجود “قيادة وطنية” لقطاع الصحة، بسبب “الخذلان” الدولي للمؤسسات الصحية التي تعمل “بكل طاقتها” رغم نقص الموارد وانقطاع الدعم المالي.
وفي حديث لعنب بلدي، نفى الشيخ وجود أي تنسيق أو عمل مشترك مع وزارة الصحة في “حكومة الإنقاذ” العاملة في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” بإدلب، لأن “مديرية الصحة تنفذ المشاريع على الأرض باسم الوزارة”.
“المؤقتة” تفرض نفسها
وزير الصحة في “الحكومة المؤقتة”، مرام الشيخ، قال إن عمل مديرية الصحة في مدينة إدلب يدار مباشرة من وزارة الصحة في “الحكومة المؤقتة”، “ولا يجوز الحديث عن الهيئتين ككتلتين منفصلتين”، مؤكدًا أن المديرية جزء من الوزارة، وكل ما تقوم به من أعمال تابع بشكل مباشر لها.
من جانبه، نفى مدير مكتب مدير الصحة، ومسؤول المناصرة في حملة الاستجابة لفيروس “كورونا”، صفوت شيخوني، لعنب بلدي، تبعية المديرية لإحدى وزارتي الصحة في “المؤقتة” أو “الإنقاذ”، قائلًا إن مديرية الصحة في مدينة إدلب “مؤسسة مستقلة غير تابعة لأي وزارة صحة”.
“الإنقاذ” دورها ضعيف
من بوابة التصدي لـ “كورونا” تحاول وزارة الصحة في “حكومة الإنقاذ” أيضًا لعب دور أكبر، وفق ما رصدته عنب بلدي.
يشير الموقع الرسمي لـ”حكومة الإنقاذ” إلى أن وزارة التنمية أنشأت مركز عزل مجتمعي، من الممكن أن تفعّله وزارة الصحة في الأيام المقبلة، كما أنشأت مركز حجر صحي احترازي، للقادمين عبر الحدود، في منطقة جسر الشغور، بسعة 100 سرير في الوقت الحالي، وستصل طاقته الاستيعابية لحوالي 180 في المرحلة المقبلة، ويستمر عمل الوزارة على إنشاء مراكز حجر أخرى ضمن الإمكانيات.
وبحسب معاون وزير الصحة في “حكومة الإنقاذ”، محمد العساف، فإن وزارتهم تنسق الآن في عملها بما يتعلق بإنشاء مراكز الحجر والعزل الصحيين، مع عدة جهات فاعلة على الأرض، منها مديريات لم يحددها، ومنظمات إنسانية أخرى.
ويرى العساف أن هذا التنسيق غير كافٍ، و”لم يصل إلى درجة مرضية حتى الآن”، بسبب عوائق أهمها نقص المساعدات والدعم الكافي اللازم لتقديم الخدمات بشكل أفضل، مشيرًا إلى أن جاهزية الوزارة الطبية “دون المستوى المأمول”، بسبب ضعف الإمكانيات.
لكنّ طبيبًا من مدينة إدلب (تحفظ على نشر اسمه)، أوضح لعنب بلدي أن لا دور يذكر لـ”حكومة الإنقاذ” على الأرض في القطاع الطبي، عدا بعض الأعمال، لأنها “غير قادرة على دعم حتى موظفيها ودفع أجورهم، فكيف لها أن تقدم دعمًا من نوع آخر على الأرض”.
المنظمات تبتعد عن الحكومات
أرجع الطبيب الذي التقته عنب بلدي غياب دور “الإنقاذ” و”المؤقتة” أيضًا في إدلب إلى غياب الموارد عنهما، كما اعتبر أن كل المنظمات الداعمة والمانحين “يعملون على تهميش دور الحكومتين، كي لا تتسببان بمركزية واحتكار للعمل”.
وقال الطبيب، إن الدعم يأتي للمشافي حسب المشاريع التي تقترحها، من منظمة الصحة العالمية عبر منظمات وسيطة، نافيًا مرور الدعم من الحكومتين أو وزارتي الصحة.
كما نفى وجود أي تنسيق أو عمل مشترك بين صحة إدلب و”الإنقاذ”، وإن وجد يكون “بحذر شديد وليس على العلن، وهو يتعلق “باضطرار القوى العاملة إلى طلب بناء من الإنقاذ إن احتاجت إليه، كونها الجهة المسيطرة والجهة التي وضعت يدها على بعض المنشآت العامة في المدينة”.
كما يرى الطبيب أن ارتباطات “الإنقاذ” أجبرت الهيئات الطبية في الشمال على أن تكون “حذرة جدًا” بالتعامل أو التعاون معها منذ تشكلها، “كونها امتدادًا لهيئة تحرير الشام”.
أما أغلب الأطباء الذين تواصلت معهم عنب بلدي، والذين يؤكدون استقلاليتهم، فأكدوا أنهم لا يعترفون بالحكومتين إلا بشكل إداري اضطراري، مع “ميلهم” لـ”الحكومة المؤقتة” أكثر من “الإنقاذ”، بينما يتعاملون مع مديرية صحة إدلب لكونها الجهة التي تمنح تصاريح العمل بالتشارك مع إدارة المشافي والمنظمات الداعمة.