عنب بلدي – خولة حفظي
يواجه الطلاب السوريون وذووهم في تركيا صعوبات إضافية بعد التحول المباغت إلى التعليم عبر الإنترنت، إثر إغلاق المدارس ضمن تدابير وقائية فُرضت للحد من انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
ومع مرور أكثر من شهر على دخول التجربة حيّز النفيذ، بدأت مشاكلها تظهر أكثر بالنسبة إلى الطلاب، الأمر الذي فتح الباب على تساؤلات وشكوك تتعلق بموضوع التعليم عن بُعد، ومدى قدرته على الحلول مكان التعليم المباشر، أو كبديل له.
“تراجعت اللغة التركية لابنتي بسبب ابتعادها عن أقرانها، إذ كانت تنمّي قدرتها اللغوية من خلال التواصل والاندماج والنشاطات الصفية بإشراف المعلمة ضمن الصف”، تصف عواطف البديوي، وهي سورية مقيمة في تركيا، تجربة ابنتها في التعليم عن بُعد.
تعاني طالبة الصف الثالث الابتدائي من صعوبة فهم الدروس، بحسب ما ذكرته والدتها، التي اعتبرت أن الأمر أصبح “صعبًا جدًا” كونها لا تتقن اللغة التركية، وأصبحت الطفلة مضطرة للاعتماد على قدرتها فقط.
وأضافت الوالدة، “حاليًا تتابع ابنتي دروسها بشكل يومي معتمدة على ذاتها، فتقرأ وتحل ما تعلمته عبر القنوات التعليمية في التلفاز، ولا أدري إن كانت الحلول صحيحة أم خاطئة”.
وكانت وزارة التربية التركية أطلقت، في 23 من آذار الماضي، شبكة “TRT-EBA” التلفزيونية، وتتضمن ثلاث قنوات تتناسب مع المراحل المدرسية (ابتدائية، متوسطة، ثانوية)، إضافة إلى موقع إلكتروني.
ويلتحق نحو 685 ألف طالب سوري في المدارس التركية، خلال العام الدراسي الحالي (2019– 2020)، وهو ما نسبته أكثر من 63% من إجمالي عدد الأطفال السوريين الذين بلغوا سن المدرسة (5– 17) في تركيا.
فقدان المهارات الاجتماعية
اعتبرت كاتيا أكسوي وهي أم لطالب في الصف الأول الابتدائي، أن التعليم عن بُعد يشكل “تحديًا كبيرًا”، لا سيما أن الصف الأول يعتبر مرحلة تأسيسية في مسيرة أي طفل، و”لن تتمكن الأم من تقديم المعلومة كما يقدمها المدرّس”.
وخلال العام الدراسي الماضي، بلغ عدد الطلاب السوريين الذين يتلقون التعليم في المرحلة الابتدائية في تركيا نحو 340 ألف طالب، أما في العام الحالي فالتحق 90% من الأطفال السوريين المؤهلين عمريًا بمرحلة التعليم الابتدائي، وهي أعلى نسبة بين جميع المراحل.
وفي حديث لعنب بلدي، قالت كاتيا أكسوي، إن مرحلة التعليم الحالية لم تشهد اكتساب أي معرفة جديدة بالنسبة لابنها، وإنما اقتصرت على تدريبات وتمارين حول ما تمت دراسته سابقًا في الفصل الدراسي الأول.
وترى أن الأطفال فقدوا “الحس الجماعي”، ولم يعد مكان تفريغ طاقتهم متوفرًا، إذ كانت ساحة المدرسة مكانًا لقضاء بعض الوقت.
ويتطابق رأي المرشدة الطلابية في مدرسة تركية باسطنبول بيان الجاسم، مع ما ذكرته كاتيا أكسوي، حول صعوبة تكوين المهارات الاجتماعية في التعليم عن بُعد، إضافة إلى احتفاظ الأطفال بنشاط وطاقة تحتاج إلى مكان آخر لتفريغها.
وتعزز الاختصاصية الاجتماعية السورية ندى الفوال، الرأيين السابقين، وتعتبر أن التعليم عن بُعد يحرم الأطفال من استخدام عدد من المهارات في الوقت ذاته، فالتواصل البصري مفقود في هذا النوع من التعليم، كما يشعرهم بالملل، وكأن الطفل يحضر فيلمًا ثقافيًا.
وتقول في حديث لعنب بلدي، إن المهارات الاجتماعية ومهارات التواصل مع الآخرين تغيب عند التعليم عن بُعد، إضافة إلى فقدان التنافس بين الأطفال، وهو محفز مهم لتعزيز العملية التعليمية.
التواصل مع المدرّس
لم يتبع مدرّسو الأطفال، الذين التقت عنب بلدي ذويهم، الأسلوب ذاته في التعامل مع طلابهم، من حيث التواصل والمتابعة والاهتمام والتأكد من وصول المعلومة بشكل صحيح.
وقالت كاتيا أكسوي، إن مدرّس ابنها كان “متعاونًا بشكل كبير”، وكان يطالب بالنشاطات اليومية عبر تطبيق “واتساب”، ثم يعلّق عليها بعد مشاهدتها، إضافة إلى تنظيم مكالمات فيديو جماعية لطلاب الصف.
أما عواطف البديوي، فأكدت أن معلمة ابنتها “لا تتواصل مع طالبتها أو تجتمع بها، ولا تسأل إن كانت بحاجة لتوضيح أي معلومة، بل تركت المسؤولية كاملة على الأهالي”.
ولم تعلن وزارة التربية التركية عن أي إجراءات إلزامية على المدرّسين لمتابعة العملية التعليمية عن بُعد مع طلابهم، ولم تحدد معايير واضحة لتقييم نجاح التجربة الجديدة كليًا بالنسبة للتعليم الحكومي.
ولا تتعلق القضية بتركيا فقط، إذ واجه المعلمون “تحديات كبيرة” بعد انتقالهم إلى التعليم عن بُعد، حتى في الدول التي تملك بنية أساسية مجهزة يمكن التعويل عليها بخصوص تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، حيث برزت حاجة المعلمين إلى تلقي التدريب اللازم لتقديم التعليم عن بُعد.
بيئة ملائمة
رغم أن تركيا تأتي في المرتبة الثانية عالميًا في مجال التعليم عن بُعد، فإن الخطوة كانت مفاجئة للمعلمين والأهل والطلاب، ولم تكن لديهم الاستعدادات اللازمة لذلك، بحسب ما قالته المرشدة النفسية بيان الجاسم، لعنب بلدي.
وترى المرشدة الطلابية أن أكبر صعوبة تواجه الأهالي هي توفير البيئة الملائمة للطالب من أجل تلقي المعلومات، وتتمثل بإقناع الطفل أنه بفترة دراسة وليست عطلة، وعليه أن يأخذ الموضوع على محمل الجد.
ويحتاج التعليم عن بُعد إلى “تفرغ كامل” من أحد الأبوين، والوقت الكافي والدراية باستخدام منصات التعليم عن بعد، وفقًا للمرشدة النفسية.
أما الاختصاصية الاجتماعية ندى الفوال، فاعتبرت أن متابعة الدروس تقع على عاتق الأهل، وعليهم أن يتأكدوا أن الطفل يحضر الدروس بشكل يومي، ويحل التمارين التي يرسلها المدرّس عبر التطبيقات، ليضمنوا وجود الطفل ذهنيًا في أثناء إعطاء الدروس.
وسيلة داعمة
يتلقى الطالب المعلومات عندما يكون بالمدرسة بشكل فيزيائي ويتفاعل معها، وتتدخل مهارات ذهنية معقدة تتيح له حفظ المعلومة وإسقاطها على الواقع وربطها بموقف أو تجربة تساعده على تذكرها لاحقًا.
ووفقًا للاختصاصية الاجتماعية ندى الفوال، فالتعليم عن بُعد هو مجرد إرسال معلومات وتلقين للطفل خالٍ من النقاش، وإذا تعذّر على الطفل فهم أمر ما بشكل مباشر فقد يصعب عليه تعويضه لاحقًا، بحسب الاختصاصية الاجتماعية.