المقامة السورية

  • 2020/04/26
  • 12:00 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

طابت أوقاتكم يا حضرات، إليكم جملًا وعبارات، منقولة عن رجل، شجاع بل بطل، رجل من عامة الناس، لديه فائض من الإحساس، وقد كتب لنا بروية، مقامة اسمُها “السورية”، قدمها بطريقة الارتجال، إذ تنحنح قليلًا وقال:

محسوبكم أبو النوري، طفران جدًا “أندبوري”، دعكم من كل التفاصيل، أنا هارب من البراميل، ومن المعارك الجانبية، ومن قذائف المدفعية، والهذر وسَقط الكلام، والكذب في وسائل الإعلام، والتلفيق والشائعات، والسجون والمعتقلات، وإغلاق الكتب والمَحَافظ، وثلاثين من حُكم حافظ، وسعيه الدائم والحثيث، لتسليمنا لذلك الوريث، الذي لا يعرف من الحكم، سوى ذبح الناس والفرم، وهدم البيوت بما فيها، على رؤوس ساكنيها، والتحدث بالنافل والبديهيات، واستجلاب الكثير من الغزاة، ومع كل هذا وذاك، ورغم التردد والارتباك، يأتيك واحد ثرثار، غريب المنطق والأطوار، يحسدك على عيشتك الجربانة، وأمور بلادك التعبانة، و: نيالك يا أبو النوري، أنت مواطن سوري! ومن دهشتي واستغرابي، كدتُ أشقشق ثيابي، وأخلط الخل بالزيت، وأمضي نهاري في البيت، وقلت دعني بحالي، يا من شغلتَ بالي، وأجفلني تخريفك الثوري، وأخرجني غباؤك عن طوري..

ومن فرط حزني وهمي، ذهبت إلى ضيعة أمي، في عز الحر والشوب، بباصات الهوب هوب.. الطريق ذو الساعتين، صار يحتاج ليومين، ولدى الوقوف عند حاجز، يُعرف المغلوب من الفائز، فقبل أن تأخذ استراحة، يقول العنصر بصراحة “إذا بدك توصل بالسلامي، زت الخمسمية قدامي”، أتريد أن نستضيفك؟ ونضع جبنًا على رغيفك؟ نقول لك أهلًا وسهلًا، يا هيك الضيوف يا بلا، منفطرك على الإسطرلاب، ومنغديك في قلب الدولاب، ولك شوبك انسطلت؟ سَمّعني شو قلت، أوعى بشفاتيرك تبربر، وتحكي مع رفيقك وتثرثر، إذا بتدور بالحكي وبتلف، الخمسمية بتصير ألف، وإذا بتزيدها كلمتين، بدي سلخك كفين، مثل فراق الوالدين، ولك إنته ما بتسمع؟ بتنزل لتحت ولا بتدفع؟

ومرة من المرات يا ماما، قامت عند الحاجز القيامة، طلع العنصر إلى الباص، وحاص بالكلام ولاص، تمايل في الممر وتبختر، وصار يسبسب ويتشفتر، وعمل حركة بقبضته، وأمسك رجلاً من رقبته، وأخرجه من بين الركاب، بالرفس واللطم والسباب، وقال له أنت واطي، وبدي أبَوّسَك صباطي، اعطني ملخص تعليمك، واسم مجموعتك وتنظيمك!

ولكن الأمور تسير، بين عسر وتيسير، ومع أن الموازين اختلت، مشكلة الرجل انحلت، إذ قابل رئيس المفرزة، وأعطاه رشوة محرزة، وبعد كل هذا التعب، وإهانتنا بلا سبب، والضرب والرفس والسباب، والزجر كأننا كلاب، قابلت أمي في المساء، وتخليت عن الصلف والكبرياء، قبلت رأسها ويديها، وانبطحت تحت قدميها، وأخبرتها بخبر، لو كتب بالإبر، على آماق البشر، لكان عبرة لمن اعتبر: شمس الله ساطعة، وبلاد الله واسعة، فلماذا جنيتِ عَلَيَّه، وولدتِني في سوريّه؟

قالت لي اسكت يا ولد، نحن أهل هذا البلد، وأولئك الكلاب المجرمون، سيأتي يوم ويرحلون.. قلت هذه الخطابات، ستلاحقنا إلى الممات، وتفضلي يا خديجة، هاي قدامك النتيجة.. وتثاءبتُ مثل ثور، فلحوا عليه للعصر، أنا ذاهب يا أمي لأنام، وسنرى ما تخبئ الأيام، مستقبلًا مشرقًا أم سخام؟!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي