الأسد في ميزان الترحيل الروسي
أسامة آغي
يبني كثير من المراقبين تحليلاتهم على تصريحات، تُعرض في وسائل الإعلام، بصيغة مقالات أو تصريحات شخصية. مثل هذا الأمر، لا يمكن اعتماده كخبر حقيقي، بل هو يندرج في سياق غايات التصريح وأهدافه.
التصريحات القريبة من هذه الأهداف، التي نشرها موقع وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية، المملوكة ليفغيني بريغوجين، والتي أتت بصيغة مقالات، تناولت وضع نظام الأسد، واتهمته بالسكوت على فساد حكومته.
هذه المقالات تزامنت مع تصريحات لمسؤول روسي مقرّب من الخارجية الروسية، قال فيها: “إن موسكو غير راضية على كثير من تصرفات النظام، ومنها التراجع عن اتفاقات المصالحة في الجنوب، وعدم تقديم تنازلات سياسية من قبل الرؤوس الحامية في النظام”.
هذه التصريحات والتسريبات، لها أهداف معلنة وأخرى غير معلنة، المعلنة هي ما نصّت عليه كرسائل موجهة لنظام الأسد، وغير المعلنة موجهة للخارج، تحمل استعدادًا روسيًا للذهاب في حل الصراع السوري على قاعدة حفظ مصالح موسكو في سوريا.
التصريحات الروسية لا تتعلق بوضع النظام الداخلي، من حيث وضعه الاقتصادي، أو تراجعه عن عملية المصالحات، التي رعتها موسكو في مناطق “خفض التصعيد”، بل إن الأمر يتعلق بإعادة تقييم روسيا لطبيعة الصراع السوري، وانغلاق الأفق أمام إنجاز استعادة الأراضي السورية، التي تقع تحت ضمانة تركية، وتلك التي تقع تحت الحماية الأمريكية في شمال شرقي سوريا أو ما يسمى شرق الفرات.
التصريحات الروسية باتت تميل إلى إيجاد صيغ تفاهم دولي مع اللاعبين الكبار بالملف السوري، وتحديدًا الولايات المتحدة، وهذا سيأخذ شكلًا واقعيًا على مستوى الممارسة السياسية الروسية حيال الملف السوري.
هذه الممارسة السياسية، ستقرأ بعين متفحصة ومتابعة اجتماع أكثر من عامل مهم، يتحكم بهذا الملف، منها قناعة موسكو بعمق واتساع مساحة الفساد الإداري والاقتصادي في بنية نظام حكم الأسد، فهذا النظام المنخرط بصراع عسكري ضد شعبه، فتح لأنصاره وأذرعه نهب السوريين عبر التجارة والغلاء الفاحش.
إن ما نشرته وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية على موقعها من مقالات متعددة تنتقد بشدة النظام السوري وأدائه، يعبر بصورة غير مباشرة عن رأي الكرملين بالنظام السوري، وبنفس الوقت يبعث برسائل إلى القوى الدولية بأن باب التفاهمات حول حل الصراع السوري، قد أُحدثت انفراجة روسية فيه.
وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية هي ملكية لرجل بوتين، الذي كانوا يطلقون عليه لقب طباخ الكرملين، والآن يسمونه شيطان الكرملين. هذا الرجل وهو يفغيني بريغوجين، يمارس أعمالًا دولية ذات طابع مافياوي، منها تمويل المرتزقة، الذين يُطلق عليهم اسم “فاغنر”، وهم يعملون في مناطق الصراعات، وكذلك ينفذون مهام سياسية وعسكرية قذرة.
الانتقادات الروسية الموجهة للنظام السوري في هذه الآونة، والتي سبقتها تغريدات للإعلامي الإسرائيلي إيدي كوهين، تنبئ عن تسريبات مقصودة، وعن توجه روسي حقيقي، لإيجاد تفاهمات مع الغرب لحل الصراع السوري، مع الاستعداد للموافقة على التخلي عن مجموعة الحكم بدمشق، وعلى رأسها رأس النظام وبطانته القريبة منه.
الانتقادات الروسية تعتبر انعطافًا في السياسة الروسية حيال النظام السوري، بما يعني اقتراب موعد التضحية به، وهذا انكشف من قبل، من خلال استدعاء رأس النظام بشار الأسد إلى “حميميم” سابقًا، واستدعائه في دمشق، ليمثل أمام بوتين الذي وصل إلى دمشق دون زيارة رسمية لرئيس دولة.
هذا الانعطاف يرجعه بعض المحللين السياسيين إلى اجتماع الروس والأمريكيين والإسرائيليين في القدس منذ أشهر، وهو اجتماع ذو طبيعة أمنية وسياسية، لم يتسرب عنه ما يمكن أن يؤكد أو ينفي وجود موقف واضح لهؤلاء من بقاء النظام السوري في الحكم، أو رسم سيناريو أو أكثر لإبعاده عن السلطة.
لكن إقرار قانون “قيصر” الشهير من قبل مجلسي الكونغرس الأمريكي، وتوقيع الرئيس ترامب عليه، أعطى إشارة باتجاه الاتفاق المذكور، ما يوحي باقتراب تغيير سياسي في سوريا، تصوغه الدول الفاعلة في ملف الصراع، خصوصًا في ظل احتمال اجتماع قريب، بين ذات المجموعة، ويضاف إليها طرف إقليمي آخر.
إن استحقاقات المرحلة السياسية الجديدة، التي يسير باتجاهها الصراع السوري، وتحديدًا في ظل أزمة جائحة “كورونا”، وما ستتركه من آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي، لن تكون في مصلحة بقاء النظام، فالروس ينكمش اقتصادهم نتيجة تراجع قيمة صادراتهم النفطية، وكذلك قدرات إيران الاقتصادية التي تتعرض لمزيد من الحصار وتآكل أسعار النفط، المصدر الرئيس للدخل في إيران. وهذا سيدفع بالبلدين إلى خيارات سياسية بديلة عن انخراطهم في الصراع إلى جانب النظام، لغايات أصبحت تكلفتها أكبر بكثير من مردودها سواء كان المردود اقتصاديًا أو سياسيًا.
إذًا، نستطيع القول، إن إدارة بوتين سمحت بنشر مقالات وآراء وتصريحات في وسائل إعلامية روسية حليفة، وهذا يدل على بدء إيقاع تغير الموقف الروسي من النظام السوري.
ولكن إلى أي مدى سيؤثر تغير الموقف الروسي على النظام؟
الجواب يتعلق بوضع قدرات النظام السوري العسكرية والاقتصادية والسياسية على الطاولة، هذه الحالة ستكشف بالضرورة، أن ميزان بقاء النظام في الحكم، بات يميل جديًا إلى الجهة السالبة، وهذا يمكن قراءته بشكل ملموس، فالروس وأمام ازدياد الضغوط الاقتصادية بفعلي “كورونا” وأسعار النفط، التي صارت أقل من صفر، لن يكون بمقدورهم الاستمرار بدعم النظام، الذي بدأ حبل عقوبات “قيصر” يقترب من عنقه، وحبل ضائقة قاعدته الحاضنة له، وكذلك لن يكون بمقدور إيران الاستمرار بالبقاء في سوريا وحماية النظام، الذي قدّم لها أقصى ما يمكنه.
نحن إذًا أمام منعطف التغيير في مجرى الصراع السوري، وهذا التغيير لن يكون البتة في مصلحة إعادة إنتاج النظام، الذي يقترب بسرعة من نهايته الذاتية والموضوعية. النظام ذاتيًا أصبح عاجزًا عن تغيير الواقع البائس، للذين يفرض حكمه عليهم، وكذلك أصبح موضوعيًا في حالة تدحرج سريع نحو عجزه السياسي، الذي يجعل منه في حالة احتضار.
بقي أن نقول، إن التصريحات الروسية ليست ابتزازًا للنظام، ولا ضغطًا عليه، بقدر ما هي إبلاغ له، بأن ساعة رحيله تدنو بسرعة، وأن روسيا لن تنقذه هذه المرة، فعليه الاختيار بين انتحاره سياسيًا، أو حزم حقائبه، والبحث عن بلد يحميه ويستقبله.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :