معبر اليمضية.. آخر حلول السوريين للوصول إلى تركيا
حسام الجبلاوي – ريف اللاذقية
على قارعة الطريق قرب مخيم اليمضية شمال ريف اللاذقية المحرر، يتجمع عشرات القادمين من مختلف المحافظات متوجهين إلى الحدود التركية، يلتف حولهم الصبية والكبار من أبناء المنطقة، الذين يسمّون «دلّالين»، يعرضون عليهم أقصر الطرق وأيسرها، فالطريق لا يكون سالكًا إلا في وقت يختاره الدلال بنفسه.
ويعاني قاصدو الأراضي التركية يوميًا صعوباتٍ أثناء محاولة اجتياز الحدود بشكل غير نظامي؛ وأمام إغلاقها منذ التاسع من آذار الماضي والتشديد الأمني الكبير الذي طال معظم منافذ التهريب، يلجأ المضطرون منهم إلى جبال اللاذقية الوعرة متعرضين للملاحقة والطرد في كثير من الأحيان.
يتميز «الدلالون»، بحسب من عاملهم، بطيب المعاملة والإحسان إلى القادمين، ورغم ارتفاع أسعار التهريب في مناطق عدة (تصل إلى 100 دولار في بعض المنافذ الحدودية) لا يتقاضى الدلال، رغم سيره الطويل وحمله للأمتعة، إلا مبلغًا ماديًا يتراوح غالبًا بين ألفين و5 آلاف ليرة سورية.
ويقطن الشريط الحدودي في المنطقة غالبية تركمانية تجيد التواصل اللغوي مع حرس الحدود، وهو ما يسهل عمليًا التفاهم بين الطرفين، ولم تشهد هذه المنطقة سابقًا وقوع ضحايا أثناء العبور بعكس باقي المناطق على امتداد الحدود.
يفترش المسافرون الأرض لساعاتٍ في انتظار الموعد المحدد للدخول، وتأتي ساعة المحاولة، التي غالبًا ما تكون ليلًا، لتبدأ رحلة 4 كيلومترات يقطعها المسافر صعودًا وهبوطًا بين الأشواك والأشجار وأودية الأنهار.
وتكتمل معاناة النازحين عند اجتياز معظم الطريق الجبلي ثم مصادفتهم دورية حرس الحدود التركية، عندها ينتظرون ساعاتٍ أخرى في انتظار بصيص أمل، لكن أغلبهم يضطر للعودة إلى الحدود السورية والمحاولة مجددًا.
قصص كثيرة ينقلها المسافرون أثناء ساعات انتظارهم، تغلب عليها صبغة القهر التي أوصلت السوريين ليكونوا لاجئين في دولٍ أخرى؛ شابٌ باع منزله وكل ما يملك في سبيل الهجرة إلى أوروبا، وبجانبه توصي الحاجة أم مروان ابنتها المتوجهة إلى زوجها في تركيا بضرورة الانتباه إلى رضيعتها، التي لم يرها والدها حتى اليوم.
بلال، أحد الواصلين حديثًا من مدينة حلب مع أسرته، يتحدث عن رحلة وصوله «الشاقة» إلى المعبر، «بدأت قصة معاناتنا مع المعابر الحدودية في حور كلس، تعرضنا هناك لإطلاق الرصاص واضطررت للعودة مع أسرتي؛ تخلى عنا المهربون ولاذوا بالفرار رغم أني دفعت لهم مسبقًا 20 ألف ليرة سورية».
أكمل بلال طريقه محاولًا عبر عدة طرق ومعابر، لكن «الجندرمة» سجنته في «هتيا» قرب جسر الشغور مع عائلته وأبنائه، وبعد إطلاق سراحه عاد إلى اليمضية في ريف اللاذقية ليبدأ محاولة جديدة.
اعتاد سكان المنطقة على وجود المسافرين، ولأجل ذلك انتشرت في المكان بسطات صغيرة تبيع القهوة وبعض أنواع البسكويت والدخان، وساهمت هذه الظروف في خلق فرص عمل لأبناء المنطقة الذين يسكنون المخيمات المجاورة.
لا يزال المئات عالقين هنا، لكنّ «الدلالين» يقولون إنها مسألة ساعات ويتمكنون من نقلهم إلى الجانب المقابل، لتبدأ تغريبة جديدة داخل الأراضي التركية تبدأ بالبحث عن تأمين العائلة ولا تنتهي بإيجاد عملٍ يسدّ حاجاتها، بينما تعتبر هذه مرحلةً قصيرة أمام الباحثين عن «الأحلام الأوروبية».
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :