دير الزور – سيرين عبد النور
«سنمطرهم بالموت كل يوم ونخنقهم جوعًا حتى نجبرهم على الخروج كالجرذان»، بهذه الكلمات يشير أبو الحارث إمام أحد المساجد في دير الزور إلى الأحياء المحاصرة التي تعاني منذ بداية شهر رمضان من قصف متواصل تزامنًا مع ساعات الإفطار.
وجعٌ متعدد الأوجه
بات الأهالي في الأحياء المحاصرة يتجاهلون تعداد المصائب والأخطار التي تحاصرهم، ليس خوفًا من الخطر الأمني الذي تهدّدهم به قوات الأسد، بل تجنبًا لحديث «طويل ممل»، وفق حسان، أحد أبناء حي الجورة، الذي يقول لعنب بلدي إن «الماء شحيح هنا وإن توفر فهو غير صالح للشرب بسب استجراره مباشرة من النهر دون تنظيفه أو تعقيمه ما سبب شيوع عددٍ من الأمراض، خصوصًا بين الأطفال، كالإسهال والزحار والطفيليات المعوية».
وتقبع أحياء الجورة والقصور وهرابش تحت حصار متواصل تفرضه «الدولة الإسلامية» منذ 6 أشهر، كما أنها تفتقر إلى الكهرباء منذ أكثر من ثلاثة أشهر وتحديدًا في 24 آذار الماضي.
أبو محمد، ابن الجورة، يصف علبة الطون بـ «الفطور الشهي» لأسرته، المؤلفة من أربعة أفراد بينهم طفلان تحت سن الخامسة، ويقول إنه قسم علب المرتديلا الأربعة التي حصل عليها بسعر 2500 ليرة سورية، على أربعة أسابيع من الشهر الفضيل «أما بقية الأيام فهناك حساء الماء والبصل».
نقص في المواد الغذائية أدى إلى ارتفاع الأسعار، إذ وصل سعر كيلو السكر إلى 2500، ونصف كيلو من الزعتر إلى 900 ليرة، بينما فقدت موادٌ أخرى كالزيت والسمنة والحلاوة والمربيات والأجبان والتمر منذ مطلع الشهر.
وفقد الفروج والبيض والفاكهة منذ بداية الحصار، أي قبل أكثر من 180 يومًا، ولم يتناول أغلب المحاصرين من الأطفال بيضة واحدة منذ بداية الشهر، وليست مواد التنظيف أفضل حالًا، فقد وصل سعر لوح صابون الغار إلى ألف ليرة بينما سعر سائل الجلي (تطبيق من نوع رديء) إلى 500 ليرة.
طائرة المؤن لم تهبط منذ 20 يومًا
انقطاع الطيران (اليوشن)، الذي كان ينقل كميات من المؤن إلى الأحياء المحاصرة، أثّر بشكلٍ كبيرٍ على نقص المواد وارتفاع الأسعار، كما يقول أبو محمد، فالطائرة لم تهبط منذ 20 يومًا بسب الاشتباكات المتواصلة قرب المطار العسكري والأوضاع في ضيق مستمر.
أم علي، إحدى نساء حي القصور، تقول لعنب بلدي إنها باتت تتمنى الخلاص بأي وسيلة، ولو بالموت «فهو على الأقل يوفّر حصتي من الغذاء لأبنائي الصغار، إنهم بحاجته أكثر مني».
نحولٌ بادٍ على أجساد المحاصرين وصفرة لونت وجوه الغالبية من الأهالي، الذين يرَون في الصيام «أجرًا وعزاءً لهم»، وسط ارتفاع درجات الحرارة إلى 47 درجة في الظل خلال ساعات الظهيرة، ما يدفع الشباب إلى التوجه نحو المساجد محاولين التغلب على الوقت الذي يمر بطيئًا وثقيلًا بثقل الحرب التي طحنت الجميع هنا.
إفطار ممزوج بالفقد
على مائدة الإفطار، التي تتكون في الغالب من صحن أو اثنين مع قدر من الحساء وأكواب المياه الحارة، يجتمع الأفراد منتظرين أذان المغرب لينهوا صيامهم، لكنهم كل يوم يخرجون مسرعين ليطمئنوا على الأهل والجيران بعد سماع انفجارات قذائف الهاون التي تستهدف الأحياء، ويقول أبو محمد «لا أدري ما هو السبب وراء تعمّد التنظيم استهداف المدنيين ومساجد الحي ساعة الإفطار».
وطالت القذائف مسجد الصحابة وعددًا من مساجد حيي الجورة والقصور، رغم ابتعادها عن أفرع النظام الأمينة أو حواجزه.
خبرني يا واتس
عودة شبكات الهاتف والإنترنت إلى أحياء المدينة أعاد الأهالي إلى صفحات التواصل الاجتماعي بعد غياب دام لأكثر من ثلاثة أشهر بسب قطع التنظيم للكبل الضوئي، ويتصدر برنامج الواتساب وصفحات الفيسبوك الصدارة، إذ فتح الواتساب مجالًا جديدًا للحديث ونشر الهموم كونه سهل الاستخدام لدى مختلف الأعمار، كما أنه أقل مصروفًا من التطبيقات الأخرى.
وأصبح البرنامج، كما يشير أبو سعد من سكان حي هرابش، «وسيلة للاطمئنان على الأحبة المنتشرين في أصقاع الأرض»، فالرجل الخمسيني يطمئن اليوم على أبنائه البعيدين عنه، ويقول «عيني تراقب الهاتف باستمرار فاثنتان من بناتي تسكنان الحسكة ضمن مناطق الاشتباكات وأنا لا أعلم شيئًا عنهما، وبينما يشق ابني طريقه إلى أوروبا ما زال أخوتي الثلاثة في حلب».
توزع الأقارب في مناطق تعتبر أغلبها غير آمنة جعل قلوب الأهالي معلقةً على رسالة يأتي بها الهاتف تطمئنهم عن حال أهلهم وأحبتهم في غربة لا يعلمون متى تنتهي؛ يغمضون أعينهم بعد السحور على أملٍ بعيد في الفرج والسلام والعودة إلى أيامٍ مضت يقرّ أغلب السكان في دواخلهم بأنها لن تعود.