خليفة الخضر
يتوزع حب القرى والمدن في سوريا بحسب الجهة التي تسيطر عليها، وتعتبر هذه القرية أهم من المدينة الأخرى لهذا السبب.
كثيرًا ما تصادف على صفحات التواصل الاجتماعي أو على المواقع الإخبارية، خبرًا يناقض بعضه بشكل حاد، إذ تسمع وتشاهد وتقرأ خبرًا عن “تحرير” القرية الفلانية في مكان ما، التي تعتبر ذات موقع استراتيجي، و”تحريرها” يعتبر نصرًا وخطة عسكرية محكمة، بينما ذات الخبر ومن وجهة نظر محطات ووسائل إعلامية أخرى قد لا يذكر، وتُنشر بدلًا عنه تغطية لجولة تفقدية لزوجة الرئيس على ميتم في ضواحي العاصمة، وفي حال ذكر الخبر عن القرية والمكان المسيطر عليه من جهة أخرى، تجد بأن هذه القرية ليست ذات أهمية، وتنقل الوسيلة صراحة، على لسان المتحدث، أن أهل هذه القرية من الأساس جلّهم إرهابيون، ولو كانت الجهة المسيطرة مختلفة لوجدت التغطية معكوسة تمامًا.
هذه الحالة من تكذيب وتقليل قيمة وأهمية القرى كانت في بداية معارك انتزاع القرى في سوريا، بين المعارضة المسلحة وقوات النظام، حتى منتصف عام 2013.
وأخذ قالب حب وكره المدن والقرى والتقليل من أهميتها طابعًا آخر، بعد تعدد الجهات العسكرية على أرض سوريا من تنظيم “النصرة” وتنظيم “داعش” و”قسد” وتعدد الفصائل، التي دخلت في دوامة الصراع العسكري فيما بينها وانتزاع السيطرة بحسب ما تطمح إليه من رسم حدود داخل الأراضي السوريّة.
وأخذ الطابع الإعلامي، بتكذيب الخبر أو تصديقه، قالبًا آخر، وهو التقاط الصور أمام اللوحات الطرقية لهذه المدن، أو التقاط الصور في مكان مميز داخل هذه القرى، كمحل معروف أو أمام ساحة مميزة، لتأكيد السيطرة على هذه القرية ونفي ما يقوله “الأعداء”.
وبجرد الصور التي نُشرت منذ صعود المعارك المتداخلة، نجد أن العسكريين أصيبوا بحمى التقاط الصور أمام اللوحات الطرقية، رافعين إشارة النصر أو إشارة التوحيد، بحسب الجهة، أو رافعين رايتهم مجتمعين ومبتسمين ومنتشين بنشوة النصر أمام لوحة مدينة، لم تذكرها محطات أخبارهم وصفحاتهم على الإنترنت عندما انسحبوا أو “انزاحوا” عنها لأغراض عسكرية.
ذات اللوحة الطرقية وذات كادر التصوير وذات المكان، تُلتقط الصورة أمامه من عدة جهات عسكرية باختلاف إشارة اليد وباختلاف الراية، ولكن الصورة ذاتها، الفكرة ذاتها، الابتسامة ذاتها، الكادر ذاته، والهدف: رفع المعنويات لدى الجمهور لتأكيد ما تحمله الصورة من الحق الذي يرافق هذه الجهة عن غيرها، وأنها هي من يجب أن تسيطر على كل البلاد وتحكمها.
في المقابل، هناك من يعتبر التقاط الصورة أمام لوحة طرقية لقرية ما نصرًا ومحطة عبور للوصول إلى القدس وتجديدًا لروح المقاومة، وآخرون يجدون ذات الصورة في حال كانوا هم الذين خرجوا فيها نصرًا ومحطة عبور للوصول إلى روما، وكل جهة تجد أنها في حال التقطت صورة أمام لوحة طرقية في سوريا أنها تسير على الطريق الصحيح لتحقيق ما ترنو بالوصول إليه.
تراهم يبكون تارة ويرقصون مرات، وتارة يضربون الرصاص ابتهاجًا وتارة يسجدن سجود الشكر أمام ذات اللوحة الطرقية ويلتقطون المزيد من الصور الجماعية و”السيلفيات”.
قد تكون اللوحات الطرقيّة لقرى ومدن سوريا وحّدت الجهات العسكرية على نمط محدد من التفكير، كما تشاركت بعدة انتهاكات أخرى.
قد تأخذ هذه القرى المنسية والمترامية في سوريا وهجها وعنفوانها من تلك الصور، وهذا ما يفسر “تهكمًا” حب هذه القرى لتغيير الجهات التي تسيطر عليها لكي تعتبر نفسها ذات أهمية، مستغلة متلازمة التقاط الصور أمامها من قبل الجهات العسكرية المتغيرة على أرض سورية.
–