محمد رشدي شربجي
في 28 نيسان كتب السفير الأمريكي السابق في العراق كريستوفر هيل مقالًا بعنوان «آن أوان الواقعية في الشرق الأوسط» معتبرًا فيه أن سعي أوباما الملح نحو اتفاق نووي مع طهران ليس «لرغبة أوباما بالتحاور مع أعداء أمريكا» ولكن لأن «الخيارات البديلة تكاد تكون معدومة»، كما يرى أن على الولايات المتحدة لكي تواجه تنظيم الدولة طمأنة السعودية وإعادة بناء العلاقة مع مصر، والتواصل مع إيران، فالواقعية «هي الحل الوحيد المقبول».
وذات المعنى تقريبًا ذهب إليه دوف زاخايم، المخضرم في وزارة الدفاع الأمريكية، في مقاله في «ناشونال انتريست» بعنوان «الاحتواء: الاستراتيجية الوحيدة المتبقية للولايات المتحدة في مواجهة تنظيم الدولة»، حيث اعتبر فيه أن الاستراتيجية الأمريكية في محاربة تنظيم الدولة أثبتت فشلها بعد سيطرة الأخير على الرمادي وتدمر، وعليه فإن الحل الوحيد المتبقي هو الاحتواء ويعني هذا باختصار «دعم الأكراد في شمال سوريا والعراق، تقديم الدعم الجوي للمليشيات الشيعية الداعمة للجيش العراقي، تدريب المعارضة السورية وتسليح الأكراد، ومحاولة تدريب الجيش العراقي».
تبدو إدارة أوباما للبعض وكأنها عديمة الاتجاه، ويتهمه كثير من خصومه السياسيين في داخل أمريكا أنه أضاع هيبة أمريكا وتخلى عن مبادئها، ولكن البعض يجادل بطريقة مختلفة، إذ يرى أن سلوك إدارة أوباما يمكن تفسيره وفقًا للنظرية الواقعية في السياسة (realism) كالباحث ستيفين ديفيد في مركز بيغين السادات الصهيوني، ولكن ما هي الواقعية؟
الفكرة المركزية في الواقعية أن العالم كما هو عليه الآن هو بالضبط كما كان منذ الأزل، وكما سيكون عليه في المستقبل، الذين ينتظرون من الطبيعة البشرية أن تتغير أو ينتظرون الفوضى في هذا العالم أن تنتهي يعيشون أضغاث أحلام، فالدافع نحو السيطرة والنفوذ أقوى من أي دافع خير لدى الإنسان، ولذلك فيرى الواقعيون أن على الراغبين بتخفيف الحروب والنزاعات التي تندلع باستمرار ألا يقعوا فريسة الافتراض الخاطئ أن الناس من الممكن أن ينتهوا من هذه الحالة، وإنما يجب عليهم لكي ينجوا ويزدهروا أن يتعاملوا مع هذا العالم كما هو، وبجملة واحدة للفيلسوف الإنكليزي الشهير هوبز توماس «الكل شرير بطبعه، الكل ضد الكل».
هذه الافتراضات هي التي تقود سلوك الدول، وبما أن الدول جميعًا تسعى إلى النجاة في عالم مليء بالتهديدات، حيث لا يوجد حكومة عالمية لتنقذ أحدًا، فيجب على الدول الاعتماد على نفسها لتأمين حمايتها، الاعتماد على الغير أو «الأسوأ» الاعتماد على المنظمات الدولية هو محض غباء قاتل، فحوالي ثلث دول العالم اختفت من على الخارطة منذ عام 1816 حتى الآن، لا يمكن للقادة أن يتركوا نظرياتهم الأخلاقية لتؤثر على سياستهم الخارجية، الخطيئة الأخلاقية الكبرى للقادة هي أن يتركوا بلدانهم تتعرض للدمار، أما التدخل الإنساني الذي يستهلك موارد الدولة ويتركها غير متأهبة كفاية لأي اعتداء لا يجب أن يتم اتخاذه، فالسياسة الخارجية لا يمكن أن تكون «عملًا اجتماعيًا» كما يقول الفيلسوف ميشيل ميندلباوم، لا يجب على الدول أن تحاول فرض نظامها على الآخرين، ما يهم بالنسبة للواقعي هو نية وقدرات الخصوم وليس شكل الحكومة التي يملكونها، لا يمكن للموارد النادرة أصلًا أن تهدر في أمور هامشية في الوقت الذي تكون فيه المصالح الحيوية في خطر، فلا يجب على الدول أن تكون التزاماتها أكثر من قدراتها.
بالنسبة للولايات المتحدة فإن مصالحها الحيوية هي الحفاظ على أمنها، اقتصادها، قيمها، ومصالح حلفائها المهمين في أوروبا، أجزاء من آسيا، ومنطقة الخليج العربي، وفي سبيل الحفاظ على هذه المصالح تعتمد الولايات المتحدة استراتيجية تحقيق «التوازن الإقليمي»، وهو ما يعني أنها يجب أن تبقي قواتها العسكرية بعيدًا عن النزاعات وتتدخل فقط حين يكون التدخل العسكري هو الخيار الأخير لحماية المصالح الحيوية، وفي سبيل تحقيق التوازن عن بعد تدفع الولايات المتحدة الدول التي تتعرض للخطر لتحارب عن نفسها في حين تراقب من بعيد.
يرى الباحث ستيفين ديفيد أن المقدمة النظرية السابقة قادرة على تفسير سياسة أوباما الخارجية تجاه إيران وسوريا وتنظيم الدولة، فأوباما لا يريد لإيران أن تمتلك السلاح النووي ولكنه لا يريد في الوقت نفسه أن تتحمل أمريكا وحدها تكلفة ذلك، يدرك أوباما مخاطر إيران النووية على حلفاء أمريكا ولكنه لا يرى فيها تهديدًا مباشرًا لأمريكا ذاتها، ولذلك فإنه يستبعد تمامًا استخدام القوة العسكرية، «فعتبة التدخل العسكري في عالم الواقعية مرتفعة جدًا».
أما في سوريا فيرى ديفيد أنها مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، ولكن ليست كافية لكي تتدخل الولايات المتحدة وتنهي الحرب الأهلية الواقعة هناك.
حتى تنظيم الدولة ذاته لا يشكل تهديدًا جديًا لأمن الولايات المتحدة ولمكانتها الاقتصادية، ومن يتعرض للخطر أكثر عليه أن يتحمل التكلفة، لذلك تعمد أمريكا إلى تسليح قوى محلية متعددة لمحاربة التهديدات.
طالب السوريون وما زالوا المجتمع الدولي والولايات المتحدة التدخل لحمايتهم من إبادة نظام الأسد، ولذلك فإن فهم السياسة الأمريكية وطريقة عملها بعيدًا عن نظريات المؤامرة هو أمر في غاية الأهمية.