أحمد أرسلان
سنيّ، علويّ، شيعيّ، درزيّ، كرديّ، مسيحيّ…
كلمات أصبحت تطرق مسامعنا مرات عدة كل صباح ومساء، وباتت مفاهيم أساسية في ثقافة الحوار لدينا.
وعلى معظم الفضائيات وفي معظم البرامج الحوارية التي من المفترض أنها وجدت لتقريب الأطراف ولإيجاد الحلول، لا نراهم ينفكّون عن استخدام تلك التعابير التي أضحت مثيرة للاشمئزاز. إلى أن ينتهي الحوار دائمًا إلى اللانتيجة.
ومن المعلوم أن جدالًا مبنيًا على مفاهيم قبْلية متشبث بها سلفًا، من قبل أشخاص يتبنّون سياسة عدم قبول الآخر، ومعتنقين عقيدة الانغلاق الفكري مقدمًا، لن يفضي إلى أي نتيجة ولن يحرز أي تقدم لصالح القضية الكبرى. قضية الوطن الواحد، والدولة الديمقراطية الحديثة، والحرية، والعدالة الاجتماعية… والتي انطلقت الثورة في أساسها من أجل تحقيقها.
ومن المؤسف حقًا أن تصدر ثقافة اللّاحوار تلك عن أشخاص كبار اعتدنا على الوثوق بآرائهم والاسترشاد بها.
وربما يحتج قائل أن النظام الاستبدادي هو من زرع تلك المفاهيم القبيحة في ثقافتنا على مدى الزمن، وقام على تغذيتها باستمرار لتتجذّر في عقولنا.
لكن كون الثورة انطلقت لمكافحة أمراض النظام والتخلص منها، فحرّي بها أن تبدأ من هذا المجال بالذات، لأنه هو الكفيل الأول بتقريب الأطراف جميعها ووحدتها في وجه الطاغية، ومن ثم النصر المبين، من جهة. ومن جهة أخرى، فإن الانسياق الأعمى وراء تلك الأيديولوجية لهو الكفيل الأكبر في نفس الوقت بدمار الفكر وتباعد الشعوب، وفشل الثورة بالنتيجة في تحقيق أهدافها.
وهذا ما سعى إليه النظام الاستبدادي منذ انطلاقة أول شرارة للثورة، وقد نجح حتى الآن في تحقيق مآربه نجاحًا باهرًا، بسبب ضيق أفق العقل وقلة الوعي والانسياق وراء الخطاب الطائفي من قبل الكثير من أبناء الوطن.
والسبب الرئيس لذلك إنما هو نمط التفكير العاطفي الذي يسود أبناء السواد الأعظم من شعوبنا، حيث يسعى المُجادل إلى التلاعب بعواطف الناس وإثارة الحمية العصبية فيما بينهم عن طريق سجالات سفسطائية وفنون إقناع جدلية غير قائمة على منطق عقلي سليم وإنما على حجج باطلة ومماحكات خبيثة تبدو للإنسان العادي مقنعة كونها تؤثر في أعماقه وتدغدغ مشاعره وتمس واقعه المباشر.
في حين أن الإنسان المتبصر ذا الأفق البعيد والنظرة المستقبلية، يرفض تلك الأساليب ويدرك خطأها وخطرها، بل ويسعى لمحاربتها ولتوعية الناس لمخاطرها.
فالسبيل الوحيد للقضاء على هذه الظاهرة هو بث الوعي المحتكم إلى منطق عقلي سليم في نفوس البشر، وتدريبهم على النقد البناء، والبحث عن البراهين المنطقية عند معالجة أي قضية، والابتعاد عن التصديق السريع والانسياق وراء الجدال العقيم.
ولكي تنجح الثورة في تحقيق أهدافها، لا يجوز تقسيم البلاد على أي أساس عرقي أو طائفي. وإنما تقسيمها إلى طبقتين اثنتين فقط. هما، طبقة حاكمة طاغية مستبدة، والطبقة الثانية التي تضم كافة أطياف الشعب السوري المتطلع للحرية والاستقلال.