عنب بلدي- يامن المغربي
أوقف انتشار جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) سوق الإنتاج السينمائي حول العالم، وأُجلت مواعيد عرض الأفلام والمهرجانات، وجلس صناع السينما في بيوتهم حالهم حال ملايين الناس.
ويرى صناع سينما سوريون التقتهم عنب بلدي أن تأثير “كورونا” سيمتد إلى ما بعد انتهاء الأزمة الحالية، وستشهد السينما تغييرات جديدة على صعيد قصص الأفلام وسوق العرض وشكل الصناعة نفسها.
كيف يستفيد صناع الأفلام من الحجر الصحي
تستقي السينما قصصها من خلال المواقف الحياتية اليومية، حتى في الحروب والأزمات الاقتصادية، وبقدر ما أثرت جائحة “كورونا” على كل شرائح المجتمع، لكنها أعطت مساحة واسعة لرؤى جديدة لصانعي الأفلام.
فترة الحجر الصحي الحالية التي جعلت صناع الأفلام يجلسون في بيوتهم لها سلبياتها وإيجابياتها، وتساعدهم على الاطلاع على تجارب فنية مختلفة وقراءة المزيد من الكتب وخاصة المتعلقة بالسينما، وهو ما سيطور عملهم وأفكارهم.
وقال المخرج السينمائي السوري هفال قاسو، في حديث إلى عنب بلدي، إن الأزمة الحالية دفعت صناع الأفلام لعيش “تجربة تاريخية عالمية” قرؤوا عن شبيهاتها في كتب التاريخ سابقًا، ولها تأثيرها المباشر على المجتمع والاقتصاد، وهي نقطة من الممكن أن ترصد تفاصيلها ليخرج منها صانعو الأفلام بمخزون شخصي يُستثمر لاحقًا لإنتاج قصص جديدة ومختلفة.
ويتفق المخرج السوري هوزان عبدو مع رأي هفال قاسو، ويرى أن الحجر الصحي “فرصة” لكل صانعي الأفلام ممن كانوا مشغولين بتأمين لقمة العيش لمحاولة تطوير أنفسهم.
لكن هوزان يرى أن الحجر الصحي يؤدي إلى حالات نفسية صعبة لدى الإنسان عمومًا، ويشير إلى أن “التقييد” بحد ذاته يقتل الإبداع.
وتوقع أطباء وعلماء نفس آثارًا نفسية سلبية لتفشي الفيروس، ودعوا إلى مراقبة لحظية للصحة النفسية، بحيث يمكن استخدام أدوات فعالة لتقديم المساعدة للناس في بيوتهم.
وبحسب ما نقلته “BBC”، قال روري أوكونور، باحث في جامعة “غلاسكو” وأحد المشاركين في بحث نشرته دورية “ذا لانسيت سايكايتري”، إن “الإمعان في العزل الاجتماعي، والوحدة، والقلق، والتوتر، والإعسار المالي، هي بمثابة عواصف قوية تجتاح الصحة النفسية للناس”.
المخرج السوري دلير يوسف أوضح أن العمل توقف بشكل شبه كامل، وأُجلت مواعيد التصوير والعمليات الفنية، وحتى مع وجود حلول بديلة فهي “غير نافعة” في كثير من الحالات، إلا أنه أشار إلى أمور إيجابية أخرى، منها توفر الوقت لمشاهدة عدد كبير من الأفلام التي نشرها صناعها عبر المنصات الرقمية.
التكنولوجيا لا تساعد في الحجر
رغم سيطرة التكنولوجيا على حياة الإنسان واعتماد السينما عليها عامة وتطور تقنياتها، فإنها لا تساعد كثيرًا بصناعة السينما في وقت الحجر الصحي، مع غياب التواصل المباشر بين فريق عمل الفيلم، وهو ما أكده المخرجون الثلاثة لعنب بلدي، خاصة أن صناعة الفيلم “هي عمل جماعي”.
وأكد دلير يوسف أنه برغم مساعدة التكنولوجيا على خلق حلول بديلة “كالمهرجانات السينمائية عبر الإنترنت”، ومحاولات لصنع أفلام خلال فترة الحجر الصحي، لا يمكن صنع أفلام عن بعد ودون اللقاء بأفراد الفريق المسؤول.
ويربط هفال قاسو عملية صناعة الأفلام بثلاثة محاور أساسية، هي: الإنتاج، والجودة، وسرعة التنفيذ، واجتماع هذه المحاور ليس سهلًا، وبالتالي عملية صناعة فيلم جيد في هذه الفترة هي عملية معقدة، ومن جهة أخرى يرتبط الأمر أيضًا بالطريقة التي اعتاد صانع الأفلام العمل من خلالها، إذ سيكون صعبًا للغاية على مخرج اعتاد العمل مع فريق ضخم ومعدات متخصصة، صناعة فيلم بأدوات بسيطة للغاية في الفترة الحالية.
ما بعد الحجر.. موجة سينمائية جديدة؟
تستفيد السينما وتطور نفسها من خلال التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي من الممكن أن تنشأ موجات سينمائية تطرح مواضيع جديدة ومختلفة.
وهو ما حصل في عام 1942، عندما ظهرت “الواقعية السينمائية الإيطالية” التي أخرجت معدات التصوير من الاستديوهات إلى الشوارع، لتنشأ مدرسة سينمائية جديدة سُميت “بالمدرسة الواقعية”، وهي تشكل إلى جانب المدرستين “التشكيلية” و”السيموطيقية”، أساس السينما اليوم، بحسب كتاب “نظريات الفيلم الكبرى“.
وقال المخرج هفال قاسو إن كثيرًا من الاتجاهات الفنية ظهرت بسبب الكوارث والحروب، مشيرًا إلى إمكانية ظهور موجة سينمائية جديدة لارتباط السينما بشكل العالم وبكيف سيكون بعد انتهاء جائحة “كورونا”، سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، وكذلك مدى طول الفترة الحالية، لكن لا يمكن التكهن بشكلها في الوقت الحالي.
في حين يرى هوزان عبدو أنه من الممكن ظهور “موجة جديدة” تعتمد على التكنولوجيا الرقمية والتصوير عن بعد، إلا أنه لا شيء واضح حتى الآن بهذا الخصوص.
وقال هفال قاسو إن التجربة التي يمر بها العالم حاليًا ستغير شكل البطل السينمائي، فبعد أن كانت أفلام “الأبطال الخارقين” (سوبر مان مثلًا) ممن ينقذون العالم، سنجد أن الأطباء هم من يتسيدون الشاشات، وبالتالي سيتغير المحتوى والمضمون ليلائم نتائج ما حصل.
كما أن المشاكل الاقتصادية ستؤدي إلى خفض ميزانيات إنتاج الأفلام الضخمة، وبالتالي سيستفيد صناع الأفلام المستقلون وأصحاب الأعمال ذوو الميزانيات المنخفضة بالحصول على موقع أكبر في سوق العرض، خاصة مع التعامل الدائم للميزانيات الضخمة مع ضغوط الرقابة وتقبل الجمهور.
وأوضح هفال نقطة أخرى تتعلق بالوضع الحالي للسينما، الذي دفع شركات الإنتاج إلى تأجيل مواعيد طرح الأفلام وإيقاف عمليات التصوير حول العالم، وبالتالي تضررت صناعة السينما نفسها، وأدى الوضع الحالي أيضًا لازدحام جداول التوزيع، وبالتالي ستُظلم أفلام كثيرة بسبب هذا الازدحام، وهو ما سيؤثر بشكل سلبي على أعمال سينمائية كثيرة، خاصة مع إغلاق دور العرض في أكبر سوقين لعرض الأفلام (أمريكا والصين) وكذلك في أوروبا.
وبالتالي ستستفيد المنصات الإلكترونية المختصة بعروض الأفلام بسبب إقبال الناس عليها، ما سيدفع لظهور منصات جديدة أيضًا.
وتؤكد ذلك الأرقام التي تتحدث عن تصاعد الإقبال على المنصات الرقمية حول العالم، إذ نجحت منصة “ديزني بلس” بزيادة عدد مشتركيها على مدار الأشهر الخمسة الماضية إلى أكثر من 50 مليون مشترك، وهو الأمر الذي لم تنجح منصة “نتفليكس” في تحقيقه إلا بعد مرور سبع سنوات على إطلاق خدمتها، بحسب تقرير لـ”Market Watch”.