“كورونا” يفرض نفسه على العادات والتقاليد في درعا

camera iconعدة قهوة مرة (إنترنت)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – درعا

يلبس الحاج أبو محمد الرفاعي (55 عامًا) ملابسه، يضع العقال، ويجهز نفسه متجهًا إلى أحد مجالس العزاء في البلدة، رغم ما أحدثته انتشار جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-  19) من تغييرات قلبت العالم رأسًا على عقب، فواجب العزاء للرجل الحوراني طغى على ما سمعه في نشرات الأخبار من خطر انتشار المرض نتيجة التجمعات.

“خطورة التجمعات الأهلية، وضرورة التباعد الاجتماعي”، خواطر تجول في بال “أبو محمد” لم تمنعه من تقديم واجب التعزية، فالعادات والتقاليد التي ترعرع وشب عليها غلبت خواطره.

استمر في طريقه ينتقل من زقاق إلى آخر، لكنه وحيد هذه المرة على غير العادة، فتقاليد حوران تفرض على كل عشيرة (أو حمولة باللهجة المحلية) التجمع ثم التوجه إلى مجلس العزاء، يتقدمهم كبار السن وأصحاب الدرجات العلمية.

“أبو محمد” ليس الوحيد الذي قرر الذهاب وحيدًا، فأصداء “كورونا” التي أصبحت تستحوذ على نشرات الأخبار وما تشمله من توعية، أجبرت أهالي حوران على تعديل التقليد الأخير والتوجه إلى مجلس العزاء بتجمع أقل.

بلباسه العربي الفضفاض الطويل وفوقه “الفروة” (ثوب يصل إلى حد الركبتين، مصنوع من جلد الخراف وملبّس بالجوخ الأسود، يُلبس في أوقات البرد) وعلى رأسه الكوفية والعقال (لباس معظم رجال أهل حوران ممن تجاوزت أعمارهم 50 عامًا)، وبهيبته الحورانية، يصل “أبو محمد” إلى مجلس العزاء. يجب أن يسلم باليد على أهل المتوفى الذين يجلسون في باب مجلس العزاء ويقبلهم ويواسيهم، ثم ينتقل ليجلس داخل المجلس، ويتقدم بعد لحظات أحد الشبان ليقدم له كأس الماء، ثم تتبعها القهوة المرة، التي لا يخلو منها أي مجلس مهما كان (فرح أو عزاء أو غيره)، لكن هذه التراتبية لم تحصل.

قال “أبو محمد” لعنب بلدي، إن الضرورة الصحية وتجنب الإصابة بالعدوى تتطلب المرونة بالتعاطي مع بعض العادات والتقاليد، ومن أهمها مواساة وتعزية أهل الميت التي لا يمكن التخلي عنها، ولكن الوعي وتخوف الأهالي من العدوى فرض واقعًا جديدًا، بتعزية أهل المتوفى من دون تقبيل ذويه، ومن دون الشرب بنفس الكأس والفنجان، فصارت ضيافة الماء والقهوة المرة عبر أكواب بلاستيكية تستعمل لمرة واحدة أمرًا اعتياديًا لم يكن مألوفًا سابقًا.

سنعود إلى تطبيق تقاليدنا كما في السابق بعد “كورونا”

إبراهيم الخالدي أحد سكان ريف درعا، قال لعنب بلدي، إنه بمجرد زوال خطر الفيروس ستعود الأمور إلى طبيعتها، وهذا ظرف استثنائي يتطلب من الجميع الوعي وتدارك خطر انتشار الوباء، ولا يقتصر الأمر على التعزية والأفراح، ولكن صار ملاحظًا أن أغلب الناس يتجنبون السلام بالمصافحة والتقبيل في الأحوال العادية.

هذه التغيرات توازيها جهود من مبادرات محلية تحاول نشر حالة من الوعي لمواجهة الفيروس، ففي مدينة إنخل شمالي المحافظة، على سبيل المثال، شكلت مجموعة من الكوادر الطبية والطلبة الجامعيين ومثقفي المدينة فريق “إنخل التطوعي”، الذي يعمل على توزيع “البروشورات” والكمامات والمعقمات حسب الإمكانيات المتاحة.

وعملت حكومة النظام على إغلاق المدارس والمساجد في جميع أنحاء المحافظة، كتدبير احترازي لمنع التجمعات خوفًا من انتقال الفيروس، إضافة إلى حملات تعقيم المرافق العامة والمدارس.

وحتى تاريخ إعداد هذه المادة، أعلنت وزارة الصحة عن 38 مصابًا بفيروس “كورونا”، توفي منهم شخصان بسبب الإصابة، بينما شفي خمسة من المصابين.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



English version of the article


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة