تيم الحاج | حباء شحادة
دون آليات قضائية، تواصل منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” إثبات ارتكاب النظام السوري هجمات ضد السوريين، يموت ضحاياها اختناقًا، وتلاحقهم آثارها حتى بعد النجاة.
ورغم عدم اتخاذ أي تحركات ناجعة ضد النظام منذ بدء المنظمة عملها في سوريا عام 2013، شكل التقرير الأخير الصادر عن فريق التحقيق فيها، بارقة أمل من وجهة نظر حقوقيين وسياسيين سوريين معارضين.
إذ حمّل التحقيق النظام السوري مسؤولية ثلاث هجمات بالكيماوي بريف حماة، وقدم أدلة عميقة يصعب على النظام دحضها، ويجعل من المهمة الروسية لإنكارها، أقل منطقية.
لقي التقرير ترحيبًا أمريكيًا وأوروبيًا، وواجه تشكيكًا من روسيا ونفيًا من النظام السوري، الذي اعتبره “كاذبًا ومضللًا ومزيفًا”، فيما يبدو من وجهة نظر سوريين معارضين للنظام فرصة جيدة للاستثمار في تحريض التحركات الدولية.
يناقش هذا الملف نقاط القوة في تحقيق المنظمة الأخير، ومميزاته عن التحقيقات السابقة والتقارير الصادرة إثرها، كما يوضح مجالات استثماره على المستويين القانوني والسياسي، وفرص تحويله إلى أدوات محاسبة وضغط على النظام السوري وحلفائه.
تحقيق أكثر قوة..
النظام متهم بهجمات كيماوية.. الباب مفتوح لـ”الإدانة”
أصدرت منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” تقريرًا لها، في 8 من نيسان الحالي، حمّلت فيه النظام السوري المسؤولية عن ثلاث هجمات كيماوية، استهدفت مدينة اللطامنة في 24 و25 و30 من آذار 2017.
وجاء في التقرير أن طائرة عسكرية من طراز SU-22″” تابعة لـ”اللواء 50” من الفرقة الجوية “22” في قوات النظام، أقلعت الساعة السادسة من صباح 24 من آذار 2017، من قاعدة الشعيرات الجوية جنوبي حمص.
وأوضحت المنظمة أن الطائرة قصفت جنوبي اللطامنة بقنبلة “M-4000” تحتوي على غاز السارين، ما أدى إلى إصابة ما لا يقل عن 16 شخصًا.
أما الهجوم الثاني فكان بعد يوم واحد فقط، إذ غادرت طائرة مروحية قاعدة حماة الجوية في الساعة الثالثة ظهرًا، وقصفت مشفى اللطامنة بأسطوانة تحوي الكلور، ما أدى إلى إصابة 30 شخصًا على الأقل.
وفي 30 من آذار 2017، أقلعت طائرة من مطار الشعيرات من طراز SU-22″” تابعة لـ”اللواء 50” من الفرقة الجوية “22” التابعة لقوات النظام، وقصفت جنوبي اللطامنة بقنبلة “M-4000” تحتوي على غاز السارين، ما أثر على 60 شخصًا على الأقل.
وخلص التقرير إلى أن هذه الهجمات لم تكن لتنفذ لولا معرفة الجهات العليا للسلطات العسكرية السورية بالأمر، لكنه أكد أنه ليس سلطة قضائية، وأن الأمر يجب أن يناقش في مجلس الأمن، وبين الدول الموقعة على اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية.
الأدلة والمنهجية نقاط قوة
اعتبر مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، أن التقرير مهم للغاية، على الرغم من أن نطاقه ضيق، إذ إنه ينظر لضربات حصلت في مكان واحد، مؤكدًا في الوقت ذاته على عمق التحقيق وعمق الأدلة التي عثر عليها.
ومن المؤشرات على قوة التقرير هو أنه لم يعتمد فقط على شهود، بل تضمن عينات ومواد من التربة، واستفاد من وثائق الطب الشرعي، التي أكدت استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية بشكل لا يحمل التأويل.
وقال العبد الله في حديث لعنب بلدي، إن هذا التقرير ممكن أن يكون خطوة على طريق محاسبة النظام وجره للمحاكمات في المستقبل، وتوقع أن يواجه النظام حجمًا من الأدلة من الصعب جدًا الطعن بمصداقيتها وبقوتها الثبوتية.
منهجية التقرير أيضًا تُضاف إلى نقاط القوة فيه، إذ لم تركز فقط على التحقيق بالضربات في اللطامنة بل إنها أخذت بعين الاعتبار نفي سيناريو أن تكون الضربات الكيماوية في اللطامنة مزورة، أو تم ترتيبها للإيقاع بالنظام السوري لنشر أخبار كاذبة.
وفنّد التقرير عدة سيناريوها للضربات، منها أن فصائل متمردة داخل النظام قد تكون هي من تقف وراء الهجمات، وأيضًا تناول التقرير سيناريو أن يكون هناك عناصر قاموا من تلقاء أنفسهم بالهجمات دون قرار من القيادة.
ولفت العبد الله إلى أن التقرير حقّق في جميع تلك السيناريوهات، وأقر بعدم وجود أدلة توحي أن أيًا منها حقيقي، ووصل إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن استخدام هذا النوع من الأسلحة، ولا يمكن استخدام منصات إطلاقها إلا بقرار من قيادات عليا في سلاح الجو السوري، وهو ما يمكن أن يحدد شكل الأثر السياسي، وينسف كل الادعاءات والمزاعم التي تبثها روسيا حول أن استخدام الكيماوي ليس حقيقيًا.
ظروف مواتية لفعالية أكبر
يتفق مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، مع مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، على أن تقرير اللطامنة حمل كثيرًا من نقاط القوة، إضافة لكونه وجه إدانة مباشرة للنظام.
ويرى عبد الغني أن التقرير أكد أن النظام استخدم الأسلحة الكيماوية، وبالتالي هو خرق اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، ما يسمح للدول الأعضاء بما فيها روسيا بمحاسبته، كما أن النظام بعد هذا التقرير يكون قد خرق قرار مجلس الأمن 2118.
وقال عبد الغني في حديث لعنب بلدي، إن تقرير اللطامنة يشابه إلى حد بعيد التقارير التي أصدرتها “آلية التحقيق المشتركة” التي أنشأها مجلس الأمن في القرار 2235 في آب 2015.
ويتميز التقرير في نقطتين أساسيتين، الأولى، بحسب عبد الغني، هي حديثه عن مثالية الطقس الذي حدثت به الهجمات بغاز السارين، ما يعني أن صانع القرار على دراية بالهجمات.
والثانية هي أن التقرير حلل عينات من السلاح الكيماوي للنظام السوري الذي سلمه في كانون الثاني 2016، حيث وجد التقرير أن عينات اللطامنة هي نفس عينات غاز السارين الذي سلمه النظام.
مزيد من التقارير المتوقعة
التقرير هو حلقة من سلسلة فريق المحققين الدوليين الذين اختاروا تسع هجمات ليعملوا عليها، حيث بدؤوا بهجمات اللطامنة الثلاث وبقي ست هجمات، بحسب ما أكده مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني.
والهجمات المتبقية التي سيعمل عليها فريق التحقيق في منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية”، هي هجمات التمانعة بريف إدلب، في 12 من نيسان 2014، وكفر زيتا بريف حماة، في 18 من نيسان 2014، والتمانعة، في 18 من نيسان 2014، ومارع بريف حلب، في 1 من أيلول 2015، وسراقب بريف إدلب، في 4 من شباط 2018، ودوما بريف دمشق، في 7 من نيسان 2018، وغير مخول لـ”الشبكة السورية” التصريح عن أي تقرير سيتم عليه العمل في المرحلة المقبلة.
لا تحقيق كامل..
مآخذ على الآلية بانتظار وسائل الدعم
على الرغم من أن تحقيق منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” حمل أدلة عميقة غير قابلة للدحض من قبل النظام، يرى مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، أنه أغفل بعض النقاط الضرورية.
لم يتمكن تقرير اللطامنة من كشف شكل الهيكلية العسكرية المسؤولة عن الهجمات الثلاث، أي إنه لم يشر إلى الضباط الذين كانوا في مركز القيادة، وأعطوا الأوامر لتنفيذ الهجمات.
ووفق العبد الله فإن مثل هذا النقطة في التقرير تعتبر إحدى الركائز، والمعلومات حولها تسمى “الأدلة الترابطية”، وتعني تقديم دليل على وجود ضباط في مواقع محددة من السلطة وأنهم من قدموا التعليمات ووضعوا سياسة عامة لاستخدام السلاح الكيماوي، وأنهم هم من كان بيدهم أخذ القرار.
والحصول على “الأدلة الترابطية” يتم عبر شهادات شهود أو وثائق من داخل النظام، بينما فسر العبد الله عدم الحصول عليها بصعوبة الوصول إلى النظام، الذي لن يقدم معلومات بهذا الخصوص.
وعلى الرغم من عدم الكشف عن المسؤولين من الضباط عن هجمات اللطامنة في التقرير، اعتبر العبد الله أن هذا الأمر لا يضعفه (التقرير) لكنه نقطة يجب التنبه لها واستدراكها وتقديم معلومات عنها وتوثيقها لاحقًا.
الاستقصاء يدعم التحقيق
نشرت مجموعة “bellingcat” الاستقصائية، في 15 من نيسان الحالي، تحقيقًا أثبت وجود ضباط سوريين على مشارف مدينة اللطامنة، بالتزامن مع هجوم كيماوي تعرض له مشفى في المدينة.
وذكر التحقيق أنه في نفس اليوم الذي نُفذ فيه الهجوم بالكلور، في 25 من آذار 2017، وصل وفد يضم كلًا من وزير الدفاع، اللواء علي عبد الله أيوب، وقائد “قوات النمر”، العميد سهيل الحسن، إلى مشارف مدينة اللطامنة.
ويُظهر تحقيق “bellingcat” أن الضباط الزائرين كانوا على الأرجح حاضرين في مركز القيادة يراقبون الضربات على اللطامنة، قبل أقل من ساعتين من هجوم الكلور على المشفى.
واعتمدت المنظمة على طريقتين لتحديد وقت الزيارة استنادًا إلى تحليل الظلال في الفيديو الذي نشرته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) ثم حذفته لاحقًا، وتؤكد الطريقتان أن التسجيل المصور كان قبل استهداف المشفى بالكيماوي، وقدرت أنه بين الساعة الثانية عشرة والثانية ظهرًا من يوم 25 من آذار 2017، بينما تشير ساعة وزير الدفاع في حكومة النظام السوري، الظاهرة في التسجيل، إلى الواحدة والربع ظهرًا.
خلال الزيارة إلى المنطقة، تظهر تسجيلات “سانا” الغارات الجوية على المدينة، ومن خلال رسم خطوط مستقيمة من نقاط ثابتة على الخريطة، يمكن تحديد إحداثيات الغارات.
ورغم أن هذه الخطوط لا تثبت أن الضربات الجوية التي وقعت في أثناء وجود الضباط استهدفت المشفى بالكيماوي، فإن الوفد الذي أجرى الزيارة كان يراقب الضربات على المدينة.
وخلصت المنظمة إلى أن وجود اللواء أيوب والعميد الحسن في مركز قيادة يراقب الضربات على اللطامنة قبل ساعتين من هجوم الكلور، يحتمل أن يكون حقيقة مهمة.
بين 2013 و2020..
خمس مهام وآليات لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” في سوريا
تدخلت منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” بشكل فاعل في سوريا منذ انضمامها لـ”معاهدة الأسلحة الكيماوية” (CWC)، التي تحظر استخدام وتطوير وإنتاج وتخزين ونقل الأسلحة الكيماوية، في تشرين الأول عام 2013، وقدمت 67 تقريرًا متعلقًا بتحقيقاتها في استخدام وإتلاف الأسلحة الكيماوية في سوريا من خلال فرقها ومهامها.
المهمة المشتركة لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” والأمم المتحدة
شُكلت بشكل رسمي، في 16 من تشرين الأول 2013، بناء على قرار مجلس الأمن “2118” الصادر في 27 من أيلول 2013، للإشراف على التخلص من الترسانة الكيماوية للنظام السوري بأضمن وأسرع الطرق الممكنة، وانتهت مهمتها في 30 من أيلول 2014.
قدمت المهمة تقارير شهرية عن سير عملها، وفي التقرير النهائي ذكر مدير منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” أن المهمة “أنجزت عملها بنجاح تحت ظروف معقدة وصعبة للغاية”.
مهمة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” (FFM)
ردًا على الاتهامات المستمرة بحدوث هجمات بالأسلحة الكيماوية في سوريا، أُنشئت مهمة تقصي الحقائق، في 29 من نيسان 2014، “لتقصي الحقائق المتعلقة باتهامات استخدام المواد الكيماوية السامة (الكلور) حسبما ذكرت التقارير، لأهداف عدائية في الجمهورية العربية السورية”.
طُلب من المهمة دراسة المعلومات المتوفرة المتعلقة بالاتهامات، بما فيها المعلومات المقدمة من حكومة النظام السوري وغيرها.
بدأت تنفيذ عملها منذ أيار عام 2014، وأجرت لقاءات مع الشهود، وحصلت على عينات وأدلة فيزيائية للتحليل، ودرست حالات عدة لاتهامات استخدام الأسلحة الكيماوية، وأكدت “بدرجة عالية من الثقة” استخدام الكلور والخردل كأسلحة في سوريا.
وقدمت 22 تقريرًا للدول المعنية ولدول معاهدة الأسلحة الكيماوية ولمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أولها كان في حزيران عام 2014 وآخرها في آذار عام 2019.
وذكرت فيها الظروف التي عانتها من الهجمات على بعثاتها في أثناء توجهها لقرية كفرزيتا في ريف حماة الشمالي، واضطرارها لإيجاد سبل بديلة للقاء الشهود خارج سوريا لتتمكن من التحقيق، وشمل تحقيقها مناطق ريف حماة الشمالي وإدلب وخان شيخون وسراقب في ريف إدلب، والحمدانية في حلب، ودوما في ريف دمشق.
فريق تقييم التصريح (DAT)
أُنشئ عام 2014 للعمل مع السلطات السورية المعنية للبحث في ثغرات وتضاربات التصريح الخاص بالترسانة الكيماوية السورية، بعد تصاعد الأسئلة حول تمام وصحة ما أعلن عنه النظام السوري من الأسلحة الكيماوية التي دُمرت.
أجرى فريق تقييم التصريح أكثر من 20 زيارة إلى سوريا، ولقاءات متعددة مع السلطات السورية، وزار مواقع سابقة لاستخدام الأسلحة الكيماوية وأخذ عينات منها.
لم يتمكن الفريق من حل كل الثغرات والتضاربات والخلافات المتعلقة بتصريح النظام السوري، لذلك لم تؤكد بشكل تام مدى دقة التصريح ولا مدى توافقه مع معاهدة “الأسلحة الكيماوية”، وفق تقريره الصادر في حزيران عام 2016.
قدم الفريق ستة تقارير للأمم المتحدة، وما زال تفويضه صالحًا لتحديد ما إذا تم إتلاف كامل الترسانة الكيماوية السورية أم لا.
آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” (JIM)
ما أوجدته مهمة تقصي الحقائق كان أساس عمل آلية التحقيق المشتركة بين منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” والأمم المتحدة، التي هدفت لتحديد مرتكبي هجمات السلاح الكيماوي التي تم التأكد منها.
أُنشئت بناءً على قرار مجلس الأمن 2235، في 7 من آب عام 2015، وحتى انتهاء تفويضها في تشرين الثاني عام 2017، من فريق مؤلف من ثلاثة أعضاء وموظفين فنيين.
وفي تقريره المقدم في 26 من تشرين الأول 2017، توصل الفريق إلى أن الأدلة كافية وموثوقة لتحميل تنظيم “الدولة الإسلامية” مسؤولية استخدام غاز خردل الكبريت في أيلول عام 2016 على قرية أم حوش في ريف حلب.
وحمّل النظام السوري المسؤولية حول استخدام غاز السارين في مدينة خان شيخون بريف إدلب، في 4 من نيسان 2017، إضافة إلى ثلاث هجمات بغاز الكلور حصلت ما بين عامي 2014 و2015 وثقها بستة تقارير سابقة.
فريق التحقيق والتحديد (IIT)
يملك فريق التحقيق والتحديد مهمة تحديد هوية مرتكبي الهجمات بالسلاح الكيماوي في سوريا، بناء على كل المعلومات المتعلقة بهجمات السلاح الكيماوي المتوفرة التي أكدتها مهمة تقصي الحقائق، والتي لم تقم آلية التحقيق المشتركة بتحديد هوية مرتكبيها.
حصلت على تفويضها من قرارات مؤتمر الدول الأعضاء المعنون بـ”التعامل مع تهديد استخدام السلاح الكيماوي” في 27 من حزيران 2018.
كان تقريرها الأول في 8 من نيسان الحالي، وتوصلت فيه إلى مسؤولية النظام السوري عن استخدام السلاح الكيماوي في بلدة اللطامنة بريف حماة الشمالي، في آذار عام 2017.
الخطوة الثانية قانونية أم سياسية؟
هل يسهم التحقيق في التحرك ضد النظام السوري
تفرض نقاط القوة الكثيرة في تحقيق منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” الذي أثبت ضلوع النظام في ثلاث هجمات عام 2017، تساؤلات حول مدى نجاعته في تغيير الواقع الحالي، عبر الدفع بمحاسبة النظام بآليات قضائية، أو تحويل الملف إلى فرص تحرك سياسي.
وصف مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، ومدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، نتائج تحقيق اللطامنة بالذخيرة التي يمكن الاستفادة منها للدفع باتجاه نقل النظام من قفص الاتهام إلى المحاسبة والمساءلة.
لا آلية قضائية متوفرة
لا تمثل التقارير التي تصدر عن لجان وهيئات التحقيق الدولية والأممية عمومًا، محاكمة قضائية ما لم تخولها ولايتها ذلك صراحة، أي إنها ليست حكمًا قضائيًا، ولكنها تحمل قيمة قانونية مهمة لعدة أسباب، بحسب ما قاله الصحفي والحقوقي السوري منصور العمري في لقاء سابق، لعنب بلدي.
وأضاف العمري أنه في حالة تقرير منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” وبناء على تقريرها الأخير، قد يجتمع مجلس المنظمة ويتفق على اتخاذ إجراءات، من بينها تعليق أو تقييد حقوق سوريا في المنظمة، أو يوصي باتخاذ تدابير جماعية وفقًا للقانون الدولي، أو يعرض التقرير على الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن.
أما بالنسبة لردود الفعل الدولية، فقد تتخذ دول مثل الولايات المتحدة وأوروبا إجراءات فردية، كفرض عقوبات على الوحدات والأشخاص الضالعين في هذه الهجمات، ويمكن أن تبحث المنظمات الحقوقية السورية في إمكانية رفع دعاوى قضائية أيضًا حسب المتاح.
وهو ما تؤكده إحاطة مع كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية، حول تقرير الأسلحة الكيماوية، إذ قال أحد المسؤولين، إنه وفق العادة عند ظهور مثل هذه التقارير يجب اللجوء إلى مجلس الأمن لاتخاذ الإجراءات اللازمة، مثلما حصل مع البرنامج النووي الإيراني، بحسب ما نقله موقع الخارجية.
لكن هذه الآلية الآن ليست متاحة، بحسب المسؤول الأمريكي، بسبب روسيا، المدعومة من الصين، التي تعوق أي محاولة لإدانة النظام السوري.
بينما يمكن أن تشكل هذه التقارير مصادر مهمة للمحاكمات المستقبلية في حال تحويل ملف سوريا إلى مجلس الأمن، أو إنشاء محكمة خاصة بسوريا، أو في سوريا نفسها إن سقط نظام الأسد وأصبح القضاء السوري مستقلاً وكفئًا، بحسب العمري.
وتقول منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” إنها ليست هيئة قضائية أو شبه قضائية مخولة بسلطة تحديد المسؤولية الجنائية الفردية، ولا تملك سلطة إصدار نتائج نهائية بشأن عدم الامتثال للاتفاقية، وعمل لجنة التحقيق يماثل عمل الهيئات الدولية لتقصي الحقائق أو لجان التحقيق، فهي هيئة منفذة لاتفاقية الأسلحة الكيماوية.
فرصة للتحرك السياسي
يرى مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن المحاسبة لا تعني المحاكمة أو المسار القضائي الذي قد يستغرق وقتًا طويلًا، موضحًا أن الفرصة باتت مواتية لكي يتحرك مجلس الأمن لاستخدام الفصل السابع منه، القاضي بفرض عقوبات عسكرية على النظام السوري، ويسمح بالتدخل العسكري ضد النظام من أجل الحد من استخدام المطارات التي تتم من خلالها عمليات قصف المدنيين بالأسلحة الكيماوية، مؤكدًا أن هذا التقرير يجب توظيفه للضغط على روسيا وعلى النظام لإجبارهما على تسريع عملية التغيير السياسي في سوريا.
كما يعتبر مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، أن الأدلة المستخلصة من تقرير استهداف اللطامنة كبيرة جدًا، ويمكن أن تعول الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وجميع الدول الرافضة لاستخدام الكيماوي عليها لإحراز التقدم في العملية السياسية في سوريا.
وكان “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية“، رحب بتقرير فريق التحقيق التابع لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية”، وطالب بناء على نتائج التقرير بتحرك دولي وفق الفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن الدولي، وما يقتضيه القرار 2118، لمحاسبة النظام السوري.
من جانبه، وصف المتحدث باسم “الهيئة العليا للمفاوضات” وعضو وفد المعارضة في “اللجنة الدستورية”، يحيى العريضي، في حديث لعنب بلدي، تقرير منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” المتعلق بهجمات اللطامنة بـ”المهم جدًا”.
ودعا “جميع من يحمل أمانة الحق السوري وصوت السوريين، وأي مؤسسة تسمي نفسها معارضة أن تستفيد من هذا التقرير لإدانة النظام، والعمل على تفعيل دور المجتمع الدولي ومجلس الأمن عبر ممارسة الضغط، حتى يكون هناك تقدم في مسيرة التخلص من النظام وإزاحته”.
استطلاع رأي: لن يسهم التحقيق في تحرك فعلي ضد النظام
رغم التفاؤل الذي يبديه الخبراء والسياسيون الذين التقتهم عنب بلدي، لا يبدو الشارع السوري متأملًا بأي تحركات من شأنها أن تضع حدًا لهجمات النظام السوري.
عنب بلدي طرحت استطلاعًا للرأي عبر صفحتها على “فيس بوك”، ووجهت لمتابعيها السؤال التالي: “حمّلت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية النظام السوري مسؤولية ثلاث هجمات في 2017.. هل تعتقد أن ذلك بداية لمحاسبة النظام دوليًا؟”.
صوت 59٪ من المشاركين الذين تجاوز عددهم 400 بـ”لا”، بينما أجاب 41٪ بـ”نعم”، وأظهرت التعليقات شبه إجماع على عدم الثقة بالتحركات الدولية، وعدم وجود الرغبة الجادة في محاسبة النظام السوري.
اللجنة الدستورية “هي الحل”
حول الخطوات التي يمكن أن تقوم بها “الهيئة العليا للمفاوضات” أو وفد المعارضة في “اللجنة الدستورية” للاستفادة من نتائج هذا التحقيق، أشار يحيى العريضي إلى أن الخطوة السياسية الوحيدة المتوفرة في الساحة حاليًا هي “اللجنة الدستورية”، التي “تعد أحد المحاور الأساسية لتطبيق القرار الدولي 2254، وبوابة للحل السياسي”.
ولفت العريضي إلى أن أكثر ما يقلق النظام ويدفعه لرفض وعرقلة أي حل سياسي هو مسألة الملفات الإجرامية التي ارتكبها، التي تشكل عبئًا على كاهله وكاهل من يدعمه وتحديدًا روسيا، وفق قوله.
وبحسب العريضي، يمكن الاستفادة من نتائج التقرير أيضًا عبر إضافتها إلى قانون “قيصر” الذي بات جزءًا من المنظومة القانونية في أمريكا، خاصة في هذا الوقت الذي لا يستطيع فيه النظام تدبر وضعه الاقتصادي.
وتتواصل “الهيئة العليا للمفاوضات”، بحسب العريضي، بشكل شبه يومي مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وكثير من أعضاء مجلس الأمن، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لتحويل المواقف الدولية إلى إدانة فعالة للنظام.