آثار نفسية وجسدية.. كيف يمكن معالجة العنف الأسري

  • 2020/04/19
  • 11:47 ص
العنف الأسري

د. أكرم خولاني

للشهر الثاني على التوالي لا يزال فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) يحكم قبضته على العالم، وما زالت معظم الدول تفرض الحجر المنزلي على مواطنيها، وخلف أبواب البيوت الموصدة تختفي قصص العائلات، وترتفع صرخات الاستغاثة نتيجة العنف الأسري الذي ازدادت حدته مع فرض الحجر المنزلي، ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى إصدار تقرير يوضح أسباب زيادة العنف الأسري خلال هذا الفترة، ويذكر دور كل من الحكومات والمؤسسات الصحية والهيئات الطبية والجمعيات الإنسانية وأفراد المجتمع، ويشير التقرير إلى أنه قبل انتشار الفيروس، كانت واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض للعنف الأسري، ولكن الضغوط التي سببها انتشار الفيروس أدت إلى رفع هذه النسبة إلى الضعف.

ويمكن للعنف الأسري أن يكون عنفًا جسديًا كالضرب أو الدفع، أو نفسيًا كالسب والشتم أو المراقبة أو الحبس في المنزل أو التهديد بالعنف أو التكبر على الضحية وإذلالها، أو جنسيًا كالتحرش الجنسي أو الاغتصاب أو إجبار الشريك على أشكال معينة للجماع، أو اقتصاديًا كحرمان أحد أفراد الأسرة من الحصول على المال أو منعه من العمل كي لا يستقل ماليًا أو سلبه أمواله الخاصة.

وللعنف الأسري آثار سلبية على الفرد والأسرة والمجتمع، لذلك من الضروري معرفة طرق التخلص من هذه الظاهرة الاجتماعية السيئة والخطيرة.

ما آثار العنف الأسري؟

يؤدي العنف الأسري إلى آثار سلبية وخيمة على الفرد، سواء من الناحية النفسية أو الجسدية، وعلى الأسرة وعلى المجتمع:

آثار سلبية على الفرد من الناحية النفسية:

  • الإصابة بالإحباط وخيبة الأمل نتيجة الشعور بالظلم.
  • الشعور بالقلق والاضطراب، نتيجة الهيجان الداخلي وعدم الحصول على قدر كافٍ من الحنان والأمان والمحبة.
  • الاكتئاب والانطوائية والعزلة نتيجة التعرض للاحتقار والتهميش.
  • فقدان الثقة بالنفس وتقليل الاحترام للذات، نتيجة كثرة التقريع التي تفقد الجرأة على إبداء الرأي والتعبير عن النفس أمام الآخرين.
  • الكذب لتجنب العقاب القاسي الذي لا يتناسب مع ما يتطلبه الموقف.
  • التكيف مع العنف، ما يؤدي إلى اللامبالاة في مختلف شؤون الحياة.

آثار سلبية على الفرد من الناحية الجسدية:

  • فقدان الشهية: تؤدي ممارسة العنف من ضرب أو إهانة في أثناء تناول للطعام، إلى عدم الرغبة في تناوله.
  • اضطراب النوم والأرق: نتيجة حالة القلق والاضطراب.
  • إسقاط الحمل: قد يؤدي ممارسة العنف على المرأة الحامل وضربها على بطنها إلى إحداث ضرر بالجنين، فقد يموت ويسقط.
  • الانتحار: قد يؤدي العنف المستمر ضد الفرد واحتقاره وإشعاره بالنقص إلى شعوره بحالة من التعب واليأس وفقدان الأمل من الحياة، ورغبته في الموت، ما يدفعه إلى الانتحار.

آثار سلبية على الأسرة:

تؤدي أجواء العنف السائدة في الأسرة إلى تمهيد الطريق للتفكك الأسري، سواء نتيجة الطلاق أو تعدد الزوجات أو فقدان أحد الوالدين لمدة طويلة، ما يؤدي إلى تلاشي الإحساس بالأمان، وتمزق الروابط العاطفية بين أفراد الأسرة.

الآثار السلبية على المجتمع: يؤدي التفكك الأسري وغياب الشعور بالاستقرار الأسري والدفء العائلي إلى الشعور بالإحباط، ما يدفع البعض إلى التعبير عن الغيظ والكبت من خلال ممارسة العدوان على أفراد المجتمع، وهو ما ينتج عنه اضطراب أمن واستقرار المجتمع.

كيف يمكن معالجة ظاهرة العنف الأسري

السبيل الوحيد للخروج من دائرة العنف المنزلي هو اتخاذ إجراء عملي وعدم إخفاء المشكلة والسكوت عليها، والخطوة الأولى هي إخبار شخص ما بشأن الإساءة، سواء كان صديقًا أو قريبًا عزيزًا أو موفر الرعاية الصحية أو مستشارًا دينيًا أو أي شخص آخر موثوق.

وتعتبر الاستجابة لمواجهة العنف المنزلي جهدًا مشتركًا بين الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية وإنفاذ القانون:

تعالج العديد من حالات العنف الجسدي من قبل طبيب الأسرة أو غيره من مقدمي الرعاية الصحية، ولكن معظم الضحايا لا يرغبون بمناقشة القضية مع الأطباء الذين يعالجونهم.

ينبغي على المعالجين تقييم الحالات المرتبطة بعنف منزلي لكل من الضحية والجاني، وتقديم الاستشارات اللازمة، مع الانتباه إلى ضرورة إجراء التقييم مع كل فرد بصورة خاصة خلال المقابلة الأولية، وذلك من أجل زيادة شعور الضحية بالأمان عند كشفها عن واقعة العنف المنزلي الحادثة في العلاقة.

يجب تقديم النصح للمعتدين، والتقصي عن أسباب السلوك العدواني لديهم ومعالجتها، بهدف تقليل خطورة قيامهم بالعنف المنزلي في المستقبل، سواء أكان ذلك في نفس العلاقة أم في علاقة جديدة.

وضع خطة سلامة للضحية، حيث تسمح خطة السلامة بالتخطيط للمواقف الخطرة التي يمكن أن تواجهها الضحية إذا وقعت حادثة حادة في المنزل مرة أخرى، ووضع استراتيجيات لضمان سلامتهم، مثل تجنب المواجهات في الغرف التي تتضمن مخرجًا واحدًا فقط، وتجنب الأماكن التي تحتوي على العديد من الأسلحة المحتملة (مثل المطابخ، الحمامات، وغير ذلك).

تعديل السلوكيات السلبية للأطفال الذين تعرضوا للعنف أو شاهدوه إلى سلوكيات إيجابية، بحيث نمكنهم من التحكم بموجات الغضب والمشاعر السلبية، وممارسة ردود فعل غير عنيفة لتفريغ الشحنات السلبية التي تولدت لديهم نتيجة العنف الذي أثر فيهم، لنساعدهم على تكوين علاقات مستقبلية آمنة وسليمة.

يحتاج الضحايا الذين تعرضوا لمراحل متقدمة من العنف الأسري إلى علاج وظيفي لتطوير مهاراتهم ليصبحوا قادرين على المشاركة في العمل وتنفيذ المهام اليومية بشكل جيد، ويتم ذلك من خلال تمكينهم من ابتكار أدوار جديدة واكتساب الكفاءة الذاتية اللازمة للتغلب على آثار العنف الأسري، وبالنسبة للضحايا الأطفال يجب تعزيز المهارات التعليمية واللعب والمهارات الاجتماعية الملائمة لسنهم لتسهيل النمو السليم والنجاح في الأنشطة المدرسية.

يمكن اللجوء إلى السلطات الحكومية والمحاكم في حال استمرار العنف للحصول على أمر قانوني يقيّد الشخص المعتدي أو يجبره على الابتعاد عن الضحية، ويمكن نزع ولاية الأسرة منه إذا ثبت عدم كفاءته للقيام بذلك وإلزامه بدفع النفقة، وإذا تعذر ذلك يمكن إيجاد ما يسمى بالأسر البديلة التي تتولى رعاية الأطفال الذين يقعون ضحايا للعنف الأسري.

ما سبل الوقاية من العنف الأسري؟

نشر الوعي الأسري وأهمية التوافق والتفاهم بين أفراد الأسرة، والاتفاق على نهج تربوي واضح بين الوالدين، وإيجاد نوع من التوازن الممكن بين العطف والشدة، وبين الحب والحزم، أو الحب المعتدل والنظام الثابت، وبين الحرية والتوجيه، إلى جانب خلق بيئة مواتية لعلاقات تعاطف وتعاون بين الآباء والأبناء.

التثقيف المبكر للزوجين قبل الزواج ومعرفة الحياة الزوجية وأنها لا تخلو من مكدرات، وأن الواجب على كلا الزوجين مقابلة ذلك بالصبر والاحتساب، كما يجب على كل منهما معرفة ما له وما عليه من حقوق وواجبات زوجية، لكيلا يدع الواجب عليه أو يطالب الآخر بما لا يجب عليه.

توعية المجتمع إعلاميًا لتغيير النظرة السائدة تجاه العنف ضد الأطفال التي ترى أن الأمر طبيعي، وبخاصة قبول العنف الجسدي.

توعية المجتمع إعلاميًا حول قيمة المرأة في المجتمع وأهميتها، وأنه من غير المسموح أن تُمارس عليها أفعال جائرة من العنف بصفتها إنسانًا لها ما للرجل من حقوق، وعليها ما عليه من واجبات.

قيام المؤسسات الدينية بدورها في تكريس مفهوم التراحم والترابط الأسري، وبيان نظرة الأديان للمرأة واحترامها وتقديرها لها.

التوعية والتثقيف عن طريق المؤسسات التعليمية عبر المناهج الدراسية والندوات العلمية والمحاضرات الثقافية، لتوضيح الآثار السلبية من جراء انتشار ظاهرة العنف الأسري كإحدى المشكلات والأمراض الاجتماعية وآثارها على المجتمع.

مقالات متعلقة

  1. العنف الأسري.. أكثر الجرائم التي لا يتم التبليغ عنها
  2. خمسة آثار لانتشار "كورونا" في العالم العربي
  3. سيدات تعرضن للتعنيف ولا يجدن من ينصفهن في الشمال السوري
  4. آثار مدمرة.. بنات وأمهات ضحايا العنف الأسري في سوريا

أسرة وتربية

المزيد من أسرة وتربية