عنب بلدي- عبدالله الخطيب
رغم أن الجزيرة السورية هي مركز زراعة القمح في سوريا، تسعى الهيئات الزراعية في الشمال الغربي إلى دعم قطاع القمح، في محاولة لتأمين الاحتياجات المتزايدة، مع تقييد الحركة وصعوبة الاستيراد مؤخرًا.
ويتوقع خبراء ومزارعون في شمال غربي سوريا (ريف حلب ومحافظة إدلب)، تواصلت عنب بلدي معهم، محصولًا مبشرًا من موسم القمح في الأراضي الزراعية، رغم الاختلافات فيه، والتحديات الموجودة في كل منطقة.
موسم أفضل في حلب
المهندس الزراعي وابن مدينة الباب بريف حلب عبد الكريم الكرمو، قال لعنب بلدي، إنه يتوقع موسمًا جيدًا بالنسبة لمحصول أرضه من القمح، بينما تواجه المزارعين في إدلب تحديات أكبر أغلبها يتعلق في الجانب الأمني.
يُرجع المجلس المحلي في مدينة مارع بريف حلب، توقعاته في أن يكون موسم القمح بأراضي المنطقة جيدًا، للهطولات المطرية التي روت الأراضي.
كما أكد مدير مؤسسة الحبوب التابعة لـ”الحكومة المؤقتة” في الشمال السوري، حسان المحمد، لعنب بلدي أن الشروط الجوية والمناخية حتى هذه الأيام ممتازة للقمح، متوقعًا موسم إنتاج جيدًا لمحاصيل الحبوب مثل القمح والشعير والبقوليات.
اختلافات جوهرية بين إدلب وحلب.. ما هي؟
تشهد زراعة القمح اختلافات جوهرية بين إدلب وحلب، متملثة بمساحات الأراضي الزراعية وطبيعتها والإمكانيات التي تعمل كل منهما وفقها.
المهندس الزراعي وابن قرية كفرعويد بريف إدلب مصطفى خنوس، يقول لعنب بلدي، “كانت مناطق سهل الغاب و سراقب وتفتناز وبنش، الخزان الرئيس لزراعة القمح في إدلب، إلا أن حملات النظام السوري وحليفته روسيا لم تبقِ ولم تذر”.
وبحسب خنوس، فإن حقول هذه المناطق تعتبر إكثارية، ومشهورة بإنتاجية عالية، وتحتضن أصنافًا جيدة جدًا، لكنها لم تعد تُزرع بسبب المعارك ونزوح الفلاحين عن أراضيهم، ولم يتبقَّ سوى مناطق بالقرب من قرى حزانو وقبين والأتارب.
لكنّ لدى مدير مؤسسة الحبوب في الشمال السوري، حسان المحمد، رأيًا آخر، إذ يقول لعنب بلدي، إن إدلب وأرياف حلب الغربية والشمالية وصولًا إلى الباب وجرابلس، أساسًا هي ليست من مناطق الإنتاج الرئيسة للقمح في سوريا سابقًا.
وتزرع مناطق إدلب وريفها القمح بكميات قليلة على حساب الأشجار المثمرة مثل الزيتون، وهو ما ينطبق على مناطق أرياف حلب الشمالية والغربية.
أما المناطق التي يشرفون عليها (أي مؤسسة الحبوب) في شمال شرقي سوريا، في تل أبيض ورأس العين، فهي أساسية لإنتاج القمح، وفق المحمد، لكن أغلب المزارعين فيها توجهوا إلى زراعة الشعير والحبوب الأخرى البعلية، على حساب القمح، لأسباب وتحديات عدة.
ورغم أن المنطقتين الأعلى إنتاجًا للقمح، بسبب مساحات البعل المزروعة بكثرة، لا يمكن أن تسهمان بتغطية جميع احتياجات مناطق سيطرة فصائل المعارضة من القمح، بحسب المحمد.
ما التحديات التي تواجههم؟
المهندس الزراعي والمزارع عبد الكريم الكرمو، من ريف حلب، اعتبر أن تكلفة الزراعة تأتي على قائمة الصعوبات التي تواجهه، بسبب غلاء المازوت الذي يسبب أكبر معضلة أمام الفلاح في مناطقه.
أما الأمراض التي تصيب القمح، فتمثل التحدي الثاني بالنسبة له، فهذا الموسم أصيب محصوله بالصدأ، الذي بات يقضي على المحصول بشكل كامل، ويباع بعدها كعلف وليس للاستهلاك البشري، على اعتبار أن علاجه ورشه مكلف قليلًا.
اتفق مدير مؤسسة الحبوب في الشمال السوري، حسان المحمد، مع الكرمو في المشاكل التي تواجه مزارعي ريف حلب، واعتبر أن تأمين المستلزمات الزراعية مثل المحروقات والأسمدة والمبيدات والأدوية أكثر ما يعترضهم، ما جعل أصحاب الأراضي يتجهون للزراعة البعلية على حساب القمح.
المهندس الزراعي مصطفى خنوس في إدلب، أرجع السبب في تراجع موسم القمح بمحافظة إدلب إلى المعارك التي شنها النظام السوري على مناطقها، واستيلائه على أراضيها، ما أدى إلى هجرة الفلاحين وتركهم إياها دون زراعة، إضافة للكثافة السكانية الضخمة في المنطقة.
المحمد أشار إلى أن “الحكومة السورية المؤقتة” تسعى إلى حل هذه الأزمات من خلال مؤسساتها المتمثلة بوزارة الزراعة ومؤسسة إكثار البذار والمؤسسة العامة للحبوب، التي تساند الفلاحين وتقدم ما تستطيع من دعم لهم، لكن هذا الدعم قليل جدًا بسبب قلة التمويل الذي تتلقاه هذه الجهات، ما يضاف لصعوبات المزارع.
أصناف ضائعة من القمح.. “خطر كبير” في إدلب
أضيعت أصناف كثيرة من القمح في إدلب بشكل خاص، بحسب المهندس مصطفى خنوس، ومن أبرز الصعوبات التي تواجه مزارعي الشمال برأيه، هي عمليات الخلط بين أصناف القمح.
فبحسب قوله كان لديهم أصناف قوية وجيدة للغاية، ولكن مع حركة التهجير، وعدم اعتماد أي كيان زراعي يعمم خطة كاملة ويطبقها، أصبح كل شيء عن طريق الفلاح، الذي يمكن أن يستأجر من جاره صنفًا من القمح أو يعيره آخر أو يشتري ثالثًا، وهو ما أدى إلى خلط بين الأصناف.
فمن الممكن بكل بساطة أن يُخلط صنف “الدوما 1″مع “الشام 7″، أو “الدوما 2” مع “الشام 8” أو مع “الشام 10” أو “الشام 6”.
وخلط الأصناف هذه يخلق مشكلة زراعية كبيرة برأيه، ويترتب عليه إعادة تنقية للأصناف، ولإكمال هذه العملية هناك ما لا يقل عن ست سنوات حتى إعادة السيطرة والمحافظة على صنف جديد يواكب المنطقة من الناحيتين المورفولوجية (التشكل) والهيدرولوجية (المياه).
فروق بين موسمي 2019 و2020
يرى المهندس الزراعي والمزارع عبد الكريم الكرمو أن الفرق في عمليات الزراعة بين موسمي 2019 و2020، يتجلى بارتفاع تكلفة المستلزمات الخاصة بزراعة الأرض ورعايتها، رغم توزيع بذار حنطة لتشجيعه ومن معه على الزراعة.
وكان الكرمو يفلح ويزرع و”يطبق” هكتار الأرض بمبلغ 20 ألف ليرة سورية في الموسم الماضي عام 2019، أما في الموسم الحالي فأصبحت تكلفته 60 ألف ليرة سورية.
إضافة إلى أن إغلاق الطرقات في العام الحالي، نتيجة الإجراءات المتبعة لمنع انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) له تأثير كبير على سعر البيع.
ماذا عن الاكتفاء الذاتي من القمح؟
مدير مؤسسة الحبوب في الشمال السوري، حسان المحمد، أكد لعنب بلدي، أن سوريا لن تصل في كل مناطقها الزراعية إلى ما يُعرف بالاكتفاء الذاتي من القمح، ودائمًا ما يوجد فيها عجز كبير جدًا بين الاحتياج والمحصول المتوفر.
يحتاج شمال غربي سوريا إلى 731 طنًا من القمح.
المحصول المتوقع 300 ألف طن |
وتوقع المحمد أن يحصد مزارعو القمح في العام الحالي بجميع أنحاء سوريا ما بين مليون و500 ألف طن، ومليون و700 ألف طن في أفضل الأحوال.
وعن الفجوة الكبيرة بين الإنتاج والاستهلاك، قال المحمد، إن هناك دراسات عالمية من قبل برنامج الأغذية العالمي (WFP) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO) وغيرهما، حددت استهلاك الفرد السوري من القمح على مدار السنة.
وكانت نتائجها المبنية على النمط الغذائي والعادات الخاصة بالمواطن السوري، أن المعدل الوسطي لاستهلاك كل فرد من القمح على مدار السنة 133 كيلوغرامًا.
وإذا ما طُبقت هذه المعادلة على سكان الشمال السوري في المناطق المحررة، وضُربت أعداد الأشخاص فيها المقدرون بنحو خمسة ملايين و500 ألف نسمة، بعدد المعدل الوسطي لاحتياج الفرد السنوي من القمح، الذي هو 133 كيلوغرامًا، ستكون النتيجة أنها تحتاج إلى 731 ألف طن من القمح سنويًا، لكن المحصول السنوي فيها لا يصل بأفضل أحواله إلى 300 ألف طن.
تم إنجاز التقرير بالتعاون مع مراسلي عنب بلدي يوسف غريبي وعاصم ملحم.