عنب بلدي – زينب مصري
التهمت النيران جسده، في مشهد وثقته عدسة كاميرا أحد الشهود، ليفارق الحياة بعد ساعات من نقله إلى المشفى، متأثرًا بحروق من الدرجة الثالثة، عقب سكبه مادة البنزين على نفسه وإشعالها.
أنهى اللاجئ السوري بسام الحلاق حياته، بسبب الظروف المادية والاقتصادية التي كان يعاني منها مع عائلته منذ خمس سنوات في بلد اللجوء، لبنان، إذ كان “عفيف النفس”، بحسب ما قاله ابن أخته أحمد قرقش الذي يقطن في المنزل المجاور لمنزل خاله، لعنب بلدي.
قبل وفاته في المشفى سأله ابناه عن الدافع وراء ما فعله، فكان جوابه سؤالًا لهما عما إذا كانا راضيين عن وضع العائلة ونظرة الناس لهم مع غياب قدرتهم على شراء حتى ربطة الخبز من محل البقالة.
“لم يحمل همّ نفسه ولكن حمل همّ ابنيه وهمّ أحفاده، وهو غير قادر على فعل شيء من أجلهم”، يضيف ابن أخته أحمد، ويتابع “عبء كبير جعله يقدم على تلك الخطوة غير المتوقعة، ولا نعرف أبدًا ما الذي دار في رأسه حينها”.
“كورونا” يفاقم الأزمات
عمل بسام الحلاق مع ابنيه (24 و25 عامًا) في النجارة المسلحة (نجارة الباطون) في منطقة جديتا التابعة لقضاء زحلة، وأسكنهم حينها صاحب المحضر في بيت “الناطور”.
دفعوا أجرة المنزل من عملهم، بحسب ما رواه أحمد، وبعد انتهائه انتقلوا إلى قرية تعلبايا التابعة لقضاء زحلة في محافظة البقاع اللبنانية، حيث يقيمون منذ ستة أشهر.
ومع بدء أزمة “كورونا” في لبنان، أصبح من الصعب على الأب وابنيه إيجاد عمل، وإعالة عائلة مكونة من عشرة أشخاص تتشارك المنزل نفسه، وفي حين عمل أحدهم بأجرة أسبوعية تبلغ 25 ألف ليرة لبنانية، بلغت ديون أجرة المنزل المتراكمة منذ ثلاثة أشهر مليونًا و200 ألف ليرة لبنانية.
“كورونا” ينال من فرص عمل اللاجئين السوريين
يتشارك اللاجئون السوريون في لبنان الصعوبات المادية ذاتها على اختلاف درجاتها، إذ ازدادت الصعوبات المادية التي تعيشها أم محمد حنّان وعائلتها المكونة من زوجها وعشرة أبناء وبنات، وخاصة بعد الإعلان عن انتشار فيروس “كورونا” في لبنان، وفرض السلطات اللبنانية حالة عزل عام منذ منتصف آذار الماضي.
سن زوجها الذي شارف على الـ65 عامًا وحالته الصحية يمنعانه من العمل، بينما يعيل المنزل ثلاثة من الأبناء، شابّتان تعملان في محل لبيع الألبسة، وشاب يعمل في نجارة الموبيليا، لكن الثلاثة اليوم دون عمل.
تعيش العائلة في منطقة برج حمود في العاصمة بيروت، بحسب أم محمد، وكانوا قد اختاروها لقربها من مكان عمل الأبناء، بينما لا يحصلون على أي مساعدة من منظمات أو جمعيات بعد انقطاع المساعدة التي كانت تقدمها الأمم المتحدة والتي تقدر بـ27 دولارًا شهريًا للفرد الواحد.
بحسب 131 استبيانًا عبر الهاتف أجرته جمعية “الحماية اللبنانية” (LPC) نشرت نتائجه شبكة الأخبار الإنسانية “Reliefweb“، وشارك فيه 90 لاجئًا في المخيمات غير الرسمية في لبنان، اضطر 49% منهم للتوقف عن عملهم، وأفاد 54% منهم بتوقف أنشطتهم الاجتماعية.
أجري الاستبيان في الفترة ما بين 17 و20 من آذار الماضي، لدراسة مدى معرفة المشاركين بفيروس “كورونا”، وأثر الحظر على الظروف المعيشية وقدرتهم على الوصول إلى الخدمات،
وتعمل جمعية “الحماية اللبنانية” مع اللاجئين السوريين والفلسطينيين في مجال الاستجابة للصدمات والاحتياجات الإنسانية والحماية القانونية، وتسعى لتقديم الخدمات الأساسية للمقيمين منهم في مخيمات اللجوء غير الرسمية والمخيمات الفلسطينية، وتشمل هذه الخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة وتوفير النقد في حالات الطوارئ.
قيود تحد من حركة السوريين
وكانت البلديات في 21 مدينة لبنانية فرضت قيودًا على اللاجئين السوريين، لا تنطبق على المواطنين اللبنانين، كجزء من جهود السلطات اللبنانية في مكافحة انتشار فيروس “كورونا” في البلاد.
إذ فرضت 18 بلدية على الأقل في محافظة البقاع، حيث يعيش ما يقارب ثلث اللاجئين السوريين في لبنان، حظر تجول وقيودًا أخرى على السوريين، كتحديد شخص واحد لشراء وتوفير الاحتياجات الأساسية للمخيمات غير الرسمية، والتنسيق مع البلديات بخصوص هذه التحركات، بحسب تقرير صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في 2 من نيسان الحالي.
البلديات طبقت إجراءات حظر التجول على اللاجئين السوريين في المناطق الخاضعة لاختصاصها الإداري قبل أن تدعو الحكومة اللبنانية إلى حظر التجول على الصعيد الوطني، “لتتخطى القيود بحق السوريين تلك التي وضعتها الحكومة على المواطنين”.
ووفق التقرير، سمحت بلدية بريتال في بعلبك للسوريين بالتجول ضمن نطاق البلدية بين الساعة التاسعة صباحًا والواحدة ظهرًا، لتلبية الحاجات الضرورية، ومن يخالف التعليمات من السوريين سيواجه “إجراءات قانونية”، وقد تصادر وثائقه الثبوتية.
منظمة “هيومن رايتس ووتش” اعتبرت أن هذه “القيود التمييزية” تحد من الاستجابة لأزمة الصحة العامة في البلاد، مع عدم وجود دليل على أن حظر التجول الإضافي المفروض على اللاجئين السوريين سيحد من انتشار المرض، الذي لا يميز بين لاجئ ومواطن.
وتستضيف لبنان نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري، منهم حوالي 950 ألفًا مسجلين رسميًا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وسجلت وزارة الصحة اللبنانية 630 حالة إصابة مؤكدة بفيروس “كورونا” في عموم البلاد، توفي منها 20 حالة، وتماثل للشفاء 80 حالة، منذ الإعلان عن أول إصابة في 21 من شباط الماضي، وفي الوقت الذي أعلنت فيه الوزارة عن إصابة 27 من “الوافدين” على أراضيها، لم تحدد وجود حالات إصابة للاجئين بين تلك الإصابات المسجلة.
–