عبد الله الخطيب | تيم الحاج | علي درويش
في تطوير لخبرة “مكافحة الجراثيم”، لجأ النظام السوري إلى مكافحة فيروس “كورونا” بآليات مشابهة، وبالاستعانة بـ”أبطال الجيش العربي السوري”، ودعم من “جهاز الأمن الداخلي” ممثلًا بـ”الشرطي يونس”.
عبّر وزير الصحة في حكومة النظام السوري عن تلك الرؤية، في واحدة من مقابلاته عبر التلفزيون الحكومي، قبل أن يتم الإعلان عن أولى الإصابات في سوريا، لكنه استمر في نهج التعالي والتخويف، وطوّره إلى الاستثمار، بعد تسجيل حالات في العاصمة ومحيطها.
الإعلام أيضًا كان حاضرًا في أدوات صدّ المرض، الذي وصل إلى أغلب دول العالم، لكنه ما زال غير قادر على الانتشار في سوريا بحرية، وسط تكتم رسمي، ومجموعة من الإجراءات الحكومية، التي تتخذ في كثير من الأحيان طابعًا أمنيًا.
تدرّج الإعلام السوري في عكس رواية النظام السوري، من التجاهل إلى الإنكار ثم الاعتراف بوجود المرض مع التقليل من أهميته، إلى استثماره كوسيلة للتهديد بالقبضة الأمنية، وشماعة لتبرير ضرورة رفع العقوبات الدولية.
يناقش هذا الملف طريقة النظام السوري والإعلام الرسمي والموالي له في التعاطي مع قضية فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، الذي بدأ بالانتشار في سوريا، عبر تحليل مضمون أخبار الفيروس في وكالة الأنباء الرسمية، ومناقشة مراحل تطور هذا الخطاب مع خبراء ومتخصصين، وتسليط الضوء على جوانب استثماره.
“سانا” نموذجًا..
كيف انعكست قضية “كورونا” على الخطاب الإعلامي السوري؟
أجرت عنب بلدي تحليلًا للخطاب الإعلامي السوري بقضية فيروس “كورونا”، متخذة من وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) نموذجًا على ذلك، وباحثة في أخبارها المنشورة خلال شهر واحد، من 10 من آذار الماضي حتى 10 من نيسان الحالي، لتخرج بنتائج عدة، من حيث الكم والمضمون.
نشرت “سانا” خلال فترة رصد عنب بلدي، 419 خبرًا على موقعها الرسمي، خصصت منها 224 خبرًا (أي ما نسبته 53.46%) عن فيروس “كورونا”، وهي عينة البحث.
“سانا” ركزت في 171 خبرًا (أي ما نسبته 76%) من أخبارها على مواضيع الفيروس في سوريا، وما تبقى منها 54 (أي ما نسبته 24%)، خصصته لمواضيع الفيروس دوليًا وركزت فيه على إيران وأمريكا والصين.
“كورونا” سوريا.. تطمين وتحذير
انتهجت “سانا”، من خلال ما لاحظته عنب بلدي في بحثها، ثلاثة تصنيفات لأخبارها عن فيروس “كورونا” في سوريا، الأبرز بينها هو بعثها رسائل تطمينية وخدمية، وأخرى تحذيرية ووقائية من الفيروس، إضافة لما يتعلق بها من قرارات حكومية وحملات شعبية، إذ خصصت لهذا الجانب 140 خبرًا من أصل 171 أي ما نسبته 81%.
أما الأولوية الثانية في أخبار الوكالة فكانت لتعميمات وزارة الصحة السورية وتصريحات وزيرها، نزار يازجي، في حالات الإعلان عن الإصابات والوفيات من عدمها، ونتائج تحاليل الفيروس على الأشخاص، لتخصص لها 23 خبرًا (أي ما نسبته 13.4%)، من أصل الإجمالي.
أما ثالث التصنيفات، فكان لأخبار تطرقت فيها “سانا” لمطالبات سياسية واقتصادية، خاصة فيما يتعلق بمسألة رفع ما أسمته “حصارًا اقتصاديًا” عن سوريا، واستنكارًا شعبيًا لـ “نفاق الغرب” في تعامله مع سوريا، ورفع الإجراءات “القسرية“، التي تمنع وصول المساعدات الإنسانية إليها، مركزة على الجانب الصحي فيها.
وتحدثت وكالة “سانا” في ثمانية أخبار (4.6%) من الإجمالي، خلال فترة البحث الذي أجرته عنب بلدي، بشكل صريح وواضح عن هذه المطالبات، مستخدمة في بعض منها تصريحات دولية عن طريق الاتحاد الأوروبي، ممثلًا بمفوض السياسة الخارجية فيه، جوزيب بوريل، أو تصريحات روسية، أو محلية بلسان وزير الصحة السوري، أو أفراد من المجتمع السوري.
“كورونا” دوليًا.. أمريكا العدو وإيران الحليف
نوعت الوكالة الحكومية “سانا” بمضامين تغطيتها الإخبارية التي تناولت بها فيروس “كورونا” على الصعيد الدولي وخارج نطاق سوريا، لكنها ركزت بشكل خاص على كل من أمريكا وإيران والصين، رغم اختلاف الرسائل المراد إيصالها عنهم.
واستهدفت الوكالة في خطابها الإعلامي الخاص بالفيروس في أمريكا، على إظهار العجز لديها من خلال عرض أرقام الإحصائيات اليومية للإصابات وتفاقمها، إضافة إلى نقلها ما يهاجم إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وطريقته في التعامل مع “كورونا”، و”عرقلة بلاده الجهود الدولية” في هذا الوضع.
وجاء ذلك في نشر “سانا” عشرة أخبار خلال فترة البحث، ما يشكل نسبته 18.5% من مجمل الأخبار الدولية التي نشرتها بذات الفترة الزمنية تلك.
لم تكن حدة الخطاب الإعلامي الذي وجهته الوكالة إلى أمريكا فيما انتقته من أخبارها عن “كورونا”، بذات الدرجة لدولة تحتل الترتيب السابع في العالم بعدد الإصابات لديها، والخامسة بتسجيل عدد الوفيات، وهي إيران.
“سانا” ركزت بخطابها الإعلامي فيما يتعلق بأخبار “كورونا” في إيران، على إظهار الطرف الإيجابي من القضية، من خلال نقل “قدرة منظومة إيران الصحية” على الصمود في وجه الفيروس، وتخطيها ذروة تفشيه، وبدئها العمل على “الاختبارات السريرية” للأدوية والعلاج، وتحقيقها “الاكتفاء الذاتي” في هذا المجال، ونقلها ما يصب بتخفيف العقوبات عنها.
وبحسب بحث عنب بلدي، انتقت “سانا” ونشرت الأخبار التي تفيد بتحميل أمريكا مسؤولية تفشي الفيروس في إيران، وعرقلتها الجهود الدولية في هذا المجال.
وبحسب البحث، نشرت”سانا” ثمانية أخبار (ما نسبته 14.8%) من إجمالي أخبارها الدولية حول “كورونا” البالغة 54.
خصصت “سانا” مساحة لـ36 خبرًا دوليًا (أي ما نسبته 66.6%) من 54 آخرين، تنوعت موضوعاتها بما يخص “كورونا”، مركزة على دور الصين الإيجابي في محاربة الفيروس.
وإلى جانب نشرها ما يتعلق بأرقام وإحصائيات الإصابات والوفيات جراء فيروس “كورونا” في العالم، تنوعت انتقاءاتها ما بين جانب صحي، وآخر اقتصادي، وثالث روسي.
مصطلحات أمنية
استخدمت “سانا” مصطلحات خلال تغطيتها جائحة “كورونا” في سوريا، لا توصف بالإعلامية أو الطبية، وهي أقرب ما تكون لمصطلحات أمنية.
ورصدت عنب بلدي من خلال الأخبار التي نشرتها الوكالة الحكومية، نقلها قول رئيس جامعة حماة، زياد سلطان، تشكيلهم “خلية” مهمتها زيارة الكليات ومتابعة تطبيق إجراءات الوقاية.
كذلك استخدمت “سانا” مصطلحي “رصد” المخصص لكل من ينشر أخبارًا كاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص فيروس “كورونا”، و”إهابة” الذي استخدمته للتعبير عن تحذير وزارة الداخلية المواطنين للتقيد بحظر التجول المفروض.
كما استخدمت مصطلح “أهاب” عن اجتماعات “الفريق الحكومي” المخصص لتنفيذ الإجراءات الوقائية و”مراقبة” الالتزام بـ“الحجر الطوعي”.
كما نشرت “سانا” صورة طلبت فيها من الأهالي التبليغ عن المرضى الذين يُشتبه بإصابتهم بالفيروس، باستخدام شعار “بلغ.. لا تتردد”.
وأعادت الوكالة الحكومية بهذه المصطلحات إلى أذهان السوريين أسلوب التعامل الأمني للنظام مع بداية الاحتجاجات في عام 2011، وعمليات كتابة التقارير الأمنية للوشاية.
عدد حالات “كورونا”
من “سوريا بخير” إلى “الشرطي يونس”
كيف يدير النظام بوصلة “كورونا” إعلاميًا؟
قبل تاريخ 22 من آذار الماضي، كان معظم السوريين يعيشون حالة من الترقب، بانتظار إعلان تسجيل إصابات بفيروس “كورونا”، فأغلب دول جوار سوريا، والدول التي لديها علاقات وثيقة مع النظام كإيران والعراق ولبنان، سبقته بأسابيع، في تسجيل إصابات بالفيروس، وظلت دمشق تستقبل طائرات وقوافل المسافرين القادمة من هذه الدول، على الرغم من التحذيرات الأممية بضرورة أخذ الاحتياطات تجاه القادمين من بلدان تشهد انتشارًا للفيروس.
قبل ذلك بنحو شهر، كان معاون مدير الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة، هاني اللحام، أكد لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، في 29 من شباط الماضي، الاشتباه بحالتين قادمتين من إيران، تم تحويلهما إلى مشفى “المجتهد” في دمشق وعزلهما على الفور، دون تحديد تاريخ وصولهما.
لكن اللحام قال حينها إن الحالتين تماثلتا للشفاء، وزالت عنهما الأعراض، وتم تخريجهما من المشفى، دون أن يجزم أن الفيروس الذي أصابهما هو “كورونا”، مشيرًا إلى أن أي حالة مشتبه بها قادمة من مناطق موبوءة في إيران، تظهر عليها أعراض، يتم تحويلها إلى المشافي المجهزة لتلك الحالات.
وكانت عنب بلدي تواصلت في شباط الماضي، مع طبيب في دمشق، وأكد وجود أكثر من حالة اشتباه بـ”كورونا” في مشفى “المجتهد”، لافتًا حينها، إلى وجود تكتم كبير على الحالات المشتبه بإصابتها.
عقب ذلك، كثفت حكومة النظام محاولات نفي وجود أي إصابة، وسارعت المنابر الإعلامية للمؤسسات الطبية في مناطق النظام إلى نشر أخبار تنفي حدوث إصابات بالفيروس.
وتكتم مدير عام مشفى دمشق (المجتهد)، الدكتور سامر خضر، على وجود إصابات بالفيروس في المستشفى، وذلك بعد أنباء تداولتها صفحات التواصل الاجتماعي.
وعقب النفي المتكرر، خرج وزير الصحة في حكومة النظام السوري، نزار يازجي، في 22 من آذار الماضي ليعلن تسجيل أول إصابة بفيروس “كورونا” في دمشق، لفتاة عمرها 20 عامًا قادمة من الخارج، دون تحديد البلد الذي التقطت منه العدوى.
وكان متوقعًا أن يستمر النظام في انتهاج سياسة التكتم على انتشار الفيروس في مناطقه، وهو ما عكسته تصريحات يازجي “الغريبة”، حين حاول طمأنة الناس عبر حديثه عن جيش النظام وقدرته على هزيمة الفيروس والجراثيم كما هزم “الإرهابيين”، وفق قوله.
وحتى ساعة إعداد التقرير، لا يزال عداد “كورونا” بطيئًا في سوريا (متوقف عند الرقم 19 منذ أكثر من أسبوع)، عكس بقية دول العالم، إذ اعترفت حكومة النظام بوجود 19 إصابة، شفيت منها أربع حالات وتوفيت حالتان، بينما يشير منطق العدوى بالمرض إلى أن الحالات المصابة، مع تأخر كشفها، من المفترض أن تتسبب بعشرات أو مئات الحالات الأخرى.
المرحلة الأولى: سوريا بخير
تواصلت عنب بلدي مع ثلاثة مختصين في علم الاجتماع لتفسير خطاب التكتكم لدى الإعلام السوري على إصابات “كورونا”، واتفقوا أن إعلام النظام يتعاطى بنسق واحد مع القضايا كافة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، وحتى في الجانب الصحي، لا يخرج عن منهجه في التضليل وإخفاء الحقائق.
الأكاديمي والمدرّس السابق في جامعة دمشق حسام السعد، اعتبر أن إعلام النظام حاول بداية التقليل من خطورة “كورونا”، في مقابل تعظيم الجانب الأيديولوجي المرتبط بالسلطة، مثل القدرة الهائلة للأطباء والمشافي، وأن سوريا محصنة دائمًا ضد ما يعترضها من مشكلات مهما كان حجمها.
طريقة إعلام النظام، وفق السعد، المتخصص في علم الاجتماع، ليست جديدة فيما يتعلق بعدم الشفافية في التعامل مع الحدث، مع الاعتماد على “الترهيب” من المرض، “وهو ما لا نراه في أغلبية إعلام دول العالم في ظل الأزمة الصحية الحالية”.
ومن خلال إنكاره وجود الوباء في سوريا لمدة شهرين كاملين، اعتمد النظام على آلته الإعلامية في الترويج لدعايته المعتادة بأن البلاد “بخير”، الشعار الذي استُخدم طوال تسعة أعوام من الحرب والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة.
الأكاديمي والباحث في مركز “حرمون” للدراسات المعاصرة طلال عبد المعطي مصطفى، ومن خلال ما رصده لتغطيات ظاهرة انتشار “كورونا”، لاحظ أن معظم وسائل إعلام دول العالم استنفرت للحديث عن هذا الفيروس وأخطاره على الناس، ونشر المعلومات اليومية عن عدد الإصابات والوفيات والإجراءات المطلوب اتخاذها من قبل المواطنين، باستثناء الإعلام الحكومي والإعلام الموالي السوري.
إذ تجاهل في البداية الحديث عن الفيروس، ممارسًا “سياسة اللامسؤولية” ما انعكس سلبًا على المجتمع، الذي لم يتخذ أي إجراءات وقائية، ما يعني أن الفيروس قد يكون انتشر بشكل أكبر مما تعلنه وزارة الصحة التابعة للنظام.
وفي هذا الإطار، رجح مصطفى أن الثقة لن تعود بين السوريين والإعلام الرسمي، على الرغم من جميع إجراءات التوعية التي تتبعها وسائل إعلام النظام، “بل على العكس تضاعفت فجوة عدم الثقة هذه وما زالت كذلك منذ عام 2011”.
المرحلة الثانية: “القانون يقول”
على الرغم من فرض حظر التجول الجزئي، واتخاذ إجراءات الوقاية لمنع انتشار فيروس “كورونا”، بدا واضحًا توجيه القبضة الأمنية للنظام بوصلة وسائل الإعلام، إذ بات أسلوب تخويف المواطنين السمة البارزة في الساحة الإعلامية، ويبدو أن المتلقي تلقف الرسالة الأمنية المغلفة، ما اضطره إلى تنفيذ القرارات من باب تجنب الاعتقال والدخول إلى الأفرع الأمنية التابعة للنظام.
وتعزيزًا لفكرة زرع الخوف، تداولت وسائل الإعلام نصًا لقانون الوقاية من الأمراض السارية، وعقوبة المتستر على المرضى، كما نشرت “سانا” أرقامًا هاتفية خصصتها وزارة الداخلية للتبليغ عن الأشخاص الذين يدخلون الأراضي السورية بطريقة غير شرعية، مثل لبنان التي تربطها معابر غير شرعية مع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.
وطلبت الوزارة من المواطنين عدم التستر عليهم والمبادرة إلى الإبلاغ عنهم، تحت حجة الحرص على الصحة العامة، لوضعهم في الحجر الصحي مدة 14 يومًا.
وفي هذا السياق، قال الباحث ودكتور علم الاجتماع حسام السعد، إن النظام الأمني في سوريا يتدخل في شؤون الحياة السورية كافة، وهو ليس بعيدًا عن التغطية الإعلامية لانتشار الفيروس.
في حين يرى الخبير الاجتماعي صفوان موشلي، أن الإعلام الرسمي في سوريا لم يتغير عن آلية عمله المعروفة، معتبرًا أنه خاضع بالكامل للأجهزة الأمنية.
وقال إن شكل ومدى وحجم تغطية أي ظاهرة إعلاميًا في سوريا، بدءًا من تناول المناخ والطقس إلى الحرب والسلام مرورًا بكل ما هو صناعي أو صحي أو اجتماعي، لا يتم باستقلالية ومهنية، بل لا يستطيع إلا أن يكون في خدمة النظام الأمني.
ويتفق الباحث طلال عبد المعطي مصطفى مع موشلي والسعد، في أن القبضة الأمنية هي المتحكمة بالمسار الإعلامي في سوريا، معتبرًا أن القرار الأول والأخير للأجهزة الأمنية، فيما يتعلق بأي شيء يحدث في سوريا، مضيفًا أن أي وزير، بمن فيهم وزير الصحة، لا يستطيع الإعلان عن المرض وانتشاره دون الموافقة الأمنية مسبقًا.
المرحلة الثالثة: “عالجلو وضعو”
في 25 من آذار الماضي، بدأت وحدات الشرطة التابعة لوزارة الداخلية بالتجول عبر سياراتها في شوارع وحارات المناطق، لتنفيذ قرار فرض حظر التجول.
وتزامن ذلك مع نشر تسجيل مصوّر لعناصر من الشرطة، يلقون القبض على مواطن خرق القرار في دمشق ويريد الذهاب إلى منطقة صحنايا المجاورة، لكن بدل ذلك تم سَوقه إلى الفرع لـ”معالجة وضعه”.
وتصدرت جملة “بهدوء يا يونس طالعو عالفرع عالجلو وضعو”، حسابات السوريين في مواقع التواصل الاجتماعي، نسبة إلى الشرطي يونس، الذي طلب منه الضابط اعتقال الشخص واصطحابه إلى الفرع لمعالجة وضعه.
وفي برنامج “تريند الأسبوع”، الذي يُبث على “الإخبارية السورية”، تحدثت مذيعة البرنامج عن التسجيل وردود فعل السوريين عليه، لكنها اختتمت الحلقة بنصيحة وجهتها للسوريين بالقول “نصيحة التزموا في بيوتكم حتى لا تتم معالجة أوضاعكم من قبل يونس ورفاقه“.
حملة أخرى أطلقتها وكالة “سانا” بعنوان “معًا ضد كورونا“، تشير إلى أن تفشي المرض يشكل تهديًدا لجميع المواطنين، وتوصي بكيفية تقليل انتشاره، مع نشر شعارات للتبليغ عن المصابين، في صورة تشبه من يريد التبليغ عن جناية أو جريمة.
الخبير الاجتماعي صفوان موشلي، يعتقد أن إعلام النظام لن يفلح في محاولاته إظهار الحرص على سلامة المواطنين، رغم “ممارسته أقصى أنواع العنف النفسي لترسيخ وتأبيد الخوف في نفوس المواطنين”.
وأضاف أن النظام السوري اكتشف خطورة كسر الخوف لدى السوريين منذ عام 2011، لذلك يرى، كما هو الحال في معظم الأنظمة الاستبدادية، أن فيروس “كورونا” هدية ممكن من خلالها فرض مزيد من القيود على الناس، عبر رسائل إعلامية تكرس الخوف والهلع، وأنه لا بد من الالتزام بما يفرضه النظام ومؤسساته، وفق قوله.
هل من استجابة؟
استبعد موشلي أن يتم تطبيق العزل الصحي في مناطق النظام رغم التهديدات التي تنطق بها وسائل الإعلام الرسمية، معللًا ذلك بوجود قرابة 90% من المواطنين في مناطق النظام تحت خط الفقر، ولا يملكون أي مدخرات، ما سيدفعهم للخروج طلبًا لتحقيق أسباب المعيشة.
وأضاف، “أيًا كان الخطر الذي يسببه انتشار فيروس كورونا، الجميع في مناطق النظام منهارون اقتصاديًا، ويفضلون الإصابة في أثناء محاولتهم الحصول على طعام أطفالهم، ولذلك ستبقى نصائح إعلام النظام سخرية وجنائزية”.
الاستثمار في الفيروس..
استجداء لرفع العقوبات واستقطاب للمنظمات الدولية
وجد النظام السوري في انتشار فيروس “كورونا” ملجأ للهرب من العقوبات المفروضة عليه، خاصة أن الجائحة هزت اقتصاد العالم ووصلت التوقعات إلى انكماش اقتصادي عالمي يتراوح بين 13% و32% في العام الحالي، كما أن تأثيرها على التجارة العالمية من المرجح أن يتجاوز الركود الناجم عن الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حسب منظمة التجارة العالمية.
انخفاض قيمة الليرة السورية منذ منتصف العام الماضي وتخطي سعر صرف الدولار عتبة الألف، مع عقوبات اقتصادية مرتقبة في حزيران المقبل، موعد تطبيق “قانون حماية المدنيين الأمريكي” (قيصر)، دفع حكومة النظام إلى تجديد المطالبة برفع العقوبات عبر وزارة الخارجية والمغتربين السورية، في 19 من آذار الماضي، بشكل فوري، وغير مشروط.
كما حمّل النظام الولايات المتحدة وحلفاءها المسؤولية الكاملة عن كل ضحية إنسانية لهذا الوباء عبر إعاقة الجهود الرامية للتصدي للفيروس، الذي يشكل تهديدًا جديًا للبشرية جمعاء، حسب “سانا“، إضافة إلى المطالبة برفع العقوبات عن عدد من الدول الحليفة لسوريا كإيران وكوبا.
مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، تحرك أيضًا للمطالبة برفع العقوبات التي كان يصفها على الدوام بأنها غير عادلة، ووصف التصريحات الأمريكية بأنها غير مسؤولة وتضليلية ومجرد محاولة للتغطية على جرائم وانتهاكات الولايات المتحدة الأمريكية ضد سوريا، وطالب الولايات المتحدة بالرفع الفوري وغير المشروط لجميع الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة عليها.
دور الحلفاء و”المعارضة الداخلية”
حلفاء النظام لعبوا الدور ذاته، إذ طالبت روسيا والصين إلى جانب دول أخرى برفع العقوبات بشكل كامل عن سوريا، بحجة عدم تسييس محاربة فيروس “كورونا”، وناشدوا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في رسالتهم إليه، بالرفع الكامل والفوري للإجراءات التي وصفوها بـ”غير القانونية والقمعية والتعسفية للضغط الاقتصادي”، بحسب ما نشرته صحيفة “الشرق الأوسط“، في 27 من آذار الماضي.
ورد غوتيريش مناشدًا برفع العقوبات الدولية والفردية المفروضة على بعض الدول، معتبرًا أن تلك العقوبات يمكن أن تقوّض قدرتها على الاستجابة لمكافحة الفيروس.
وبعد مساندة الدول الحليفة لسوريا، عاد النظام السوري عبر نائب وزير خارجيته، فيصل المقداد، للمطالبة برفع العقوبات، معتبرًا أنها تؤثر على حياة الفقراء، وتساعد على انتشار المرض، حسب تصريحه لوكالة “سبوتنيك” الروسية.
رسالة أخرى قُدمت إلى غوتيريش، في 28 من آذار الماضي، من قبل رئيس وفد معارضة الداخل في جنيف، إليان مسعد، لرفع العقوبات، وما أسماه تذليل صعوبات الحصول على الإمدادات الطبية والإنسانية والأساسية والغذائية اللازمة، لكن مسعد تجاوز طلبه واتهم “معارضة الخارج التي تسكن الفنادق” حسب تعبيره، بأنهم لا يريدون رفع العقوبات.
كما انتشرت مقاطع فيديو وصدرت تصريحات لفنانين سوريين طالبوا برفع العقوبات، وبثت منصات حكومية دعوات غنائية لمطربين تناشد بإلغاء العقوبات.
وكانت الولايات المتحدة ودول أوروبية فرضت عقوبات اقتصادية على شخصيات وكيانات مرتبطة بالنظام السوري، نتيجة استخدامه القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين عام 2011، ثم قصفه المدن والبلدات السورية بجميع أنواع الأسلحة، ومن بينها أسلحة محرمة دوليًا.
وأثرت العقوبات الأمريكية والأوروبية عبر 15 حزمة، منذ عام 2011، على النظام السوري في عدة مجالات، سياسيًا بتركيزها على شخصيات رسمية تقوم بدور فاعل في الأحداث والقمع الممارس، واقتصاديًا بحظر بيع النفط ومشتقاته، وحجب الاستثمار الخارجي، وتجميد الأرصدة وتقييد نشاط المصرف المركزي، وبالتالي تقييد تعاملاتها التجارية الخارجية، وشل قدرة النظام المالية، واستمرت إضافة عقوبات على شخصيات وشركات على ارتباط بالنظام السوري.
طريق إمداد من المنظمات الدولية
تصف الأمم المتحدة نظام الصحة العامة بالهش في سوريا، نظرًا للأزمة الطويلة التي عاشتها، وتقول إنه سيتطلب كثيرًا من الدعم لتعزيز قدرته على مواجهة التفشي المحتمل لـ”كورونا”.
وتحتاج سوريا في الفترة الحالية إلى 71.2 مليون دولار أمريكي لتمويل إجراءات في مواجهة الفيروس، أُمِّن ثلاثة ملايين و250 ألف دولار من المبلغ، عن طريق منظمة الصحة العالمية و”يونيسف” ومنظمة الصحة في شرق المتوسط، كما تعاني سوريا أيضًا من نقص المشافي والكوادر الطبية، بحسب تقرير للأمم المتحدة صدر في 25 من آذار الماضي حول احتياجات سوريا لمواجهة فيروس “كورونا”.
كبيرة مستشاري الشؤون الإنسانية لمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، نجاة رشدي، حثت الدول المانحة والدول التي فرضت إجراءات أحادية على تقديم إعفاءات خاصّة في مجال الرعاية الطبية في هذه الأزمة، وممارسة الجهود الحثيثة لضمان تقديم المساعدة والدعم لجميع السوريين في عموم البلاد في أقرب وقت ممكن.
كما قالت روث هيذرنكتون، مسؤولة العلاقات العامة والمتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إنها مستعدة لتقديم الدعم الممكن لمراكز الحجر الصحي ومراكز الطوارئ في سوريا، لدعم مختلف التدابير الوقائية ضد “كورونا”، وتعطي اللجنة إمدادات محلية لمساعدة جمعية “الهلال الأحمر العربي السوري”.