أسامة آغي
ازدحمت وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات وتحليلات وسخرية وتساؤلات، حول ما رُوّج عبر هذه الوسائل، عن مرشحين ظهرا على الشاشة، يقدم كل منهما نفسه كرئيس محتمل لسوريا ما بعد نظام الأسد.
هذه الكثافة من التعليقات بأنواعها، تكشف عن بنية نفسية لأصحابها، تُظهرُ هشاشة الوعي السياسي للجمهور حيال متغير كبير كسقوط النظام، الذي قد يحدث قريبًا. ولكن ردود الفعل الواسعة، لم تستطع التفكير بعمق حول الكيفية المحتملة لتغيير نظام الحكم في البلاد.
فلماذا هذه الحملة بهذا التوقيت؟ ومن يقف وراءها؟ وما الأهداف المرجوة المتوقعة منها؟
يتضح من الفيديو الذي ظهر فيه المدعو فهد المصري، أن خطابه الموجه إلى الشعب هو خطاب شخصية مجهولة لدى السوريين، وأن جهة تطلق على نفسها اسم “جبهة الإنقاذ السورية” هي من يقف خلف هذا الظهور. ولمحاولة منح الخطاب مساحة من الدغدغة الشعبية، استخدم فهد المصري لغة تجد صدى نفسيًا مقبولًا، وهي التهويل بسقوط الأسد، ودعوة الفئات الموالية داخل النظام إلى القفز من مركبه قبل فوات الأوان.
هذا الظهور لا يتسق في العمق مع طبيعة الصراع في سوريا، ولا يعبّر عن احتمال قدرة ما يسمى “جبهة الإنقاذ” على التأثير على حاضنة النظام، أو من يدعمه من الضباط، فالخطاب يتجاهل فعل تسع سنوات من الحرب في بنية النظام السوري، وتحديدًا في شقيها الأمني والعسكري، وهذان الأخيران لم يعودا ملكًا لدائرة النظام الحاكم الضيّقة، كما يسوّق فهد المصري، بل صارا تحت نفوذ واسع لطرفين منخرطين بالصراع السوري، هما الروس والإيرانيون.
فلماذا ظهر فهد المصري في هذا التوقيت؟ وما قيمة ظهوره سياسيًا وإعلاميًا؟ ومن المستفيد من هذه البروباغندا الإعلامية في هذه المرحلة؟
لتحديد إجابات مقنعة وواقعية، ينبغي فهم الشروط الذاتية والموضوعية لحال النظام السوري وحلفه المساند له، في مرحلة تحولات نتيجة أمور عدّة، مثل الموقف الغربي العام من الصراع السوري، وتحديدًا الموقف الأمريكي منه، وكذلك الدور التركي الكبير في منع تطور الصراع في إدلب لمصلحة النظام، وانشغال العالم حاليًا بجائحة “كورونا”، وما تركته من اضطرابات كبرى على مستوى السياسات العالمية.
الشروط الذاتية والموضوعية المحيطة بالنظام، تقول إنه استهلك إمكانية بقائه سياسيًا، فهو متهم واضح بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهناك وثائق دامغة تتعلق بهذين الانتهاكين، وإن مقدرة النظام على إدارة دفة الحكم اقتصاديًا وسياسيًا باتت خارج قدرته الذاتية، نتيجة تآكله عبر الصراع عسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا، ونتيجة بنيته الموغلة في الفساد، وعبر انحسار نفوذه الفعلي على القوات المسلحة المتمثلة بالميليشيات التابعة للروس أو للإيرانيين.
فلو كان أمر سقوط النظام يتعلق بقدرته الخاصة به، كان سقط بسهولة منذ زمن، ولكنّ أمر سقوطه ليس محددًا بهذه الطريقة، التي يروّج لها فهد المصري أو غيره، وإنما يتعلق هذا السقوط بميزان قوى إقليمي ودولي، تتضح تفاصيله من خلال أمور ملموسة على المستويات الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
فاقتصاديًا، يعاني النظام السوري من مصاعب هائلة على صعيد الوضع الاقتصادي والمعيشي في مناطق نفوذه، هذا الوضع يكشف عن صعوبات تخنق قدرة النظام على تأمين بقائه في هذا الجانب، ويعاني حليفا النظام روسيا وإيران من ضغط اقتصادي هائل، يتعلق بأمرين حاسمين، هما انخفاض سعر برميل النفط إلى ما دون 20 دولارًا، وهذا يعني اهتزازًا كبيرًا بقدرة الدولتين المذكورتين، على الإيفاء بحاجاتهما الاقتصادية والمعيشية الداخلية.
كذلك، لا تزال رزمة العقوبات الأمريكية والغربية بحقّ هذين الحليفين سارية المفعول، بل هي تشتدّ يومًا بعد آخر، وتحديدًا مع اقتراب تطبيق قانون “سيزر” الأمريكي، الذي سيسحق كل قدرات النظام السوري الاقتصادية، ويدخله في دوامة صراع مع حاضنته التي ستجوع.
هذه الحالة هي واقع يعيشه النظام وحلفاؤه، فكيف يطلب فهد المصري أو غيره، تنفيذ سيناريو القفز من مركب النظام، والانقلاب عليه، وكأن هؤلاء يتمتعون بقوة عسكرية أو أمنية؟
هذه الدعوات هي للتشويش والبلبلة لدى الجمهور السوري الشعبي، وغايتها محاولة مسبقة لكسب بعض الفئات من الناس لمصلحة جبهة “الإنقاذ السورية”، التي لم تسجّل في دفترها السياسي أي حصاد سابق يخدم السوريين أو يمكنها الادعاء أنها قامت ببطولته.
والحقيقة السورية القادمة المتعلقة بانتقال سياسي وتحديد نمط الحكم، لا ترسم دوليًا بهذه البروباغندا، بل هناك قاعدة لها، يستمر الصراع حول فرض تنفيذها، أو محاولة استبدالها بمسار ثبت فشله ونقصد مساري “أستانة” و”سوتشي”.
كما أن الحقيقة السورية، التي يجب أن يراها السوريون حاليًا، هي معرفة تقاطعات القوى الدولية الفاعلة في ملف الصراع السوري، لمعرفة اتجاهات الحل الممكن لهذا الصراع، هذه التقاطعات تتحكم بها عدة أمور، منها ميزان القوى الراجح لمصلحة الغرب عمومًا، ومنها ضعف قدرات النظام وحلفه، وهذا سيقود بالضرورة إلى تنفيذ صيغة دولية للانتقال السياسي في سوريا، وهو أمر سيرضخ له الروس، وسيُخرج الإيرانيين من المولد السوري بلا حمّص عمائمي.
الصيغة الدولية لحل الصراع السوري ستكون قاعدتها القرار 2254، وتنفيذ هذا القرار يحتاج إلى عقد مؤتمر برعاية من الأمم المتحدة، وتكون قراراته ملزمة، وسينتج عنه انتقال سياسي، تُحدد ملامحه وشكل حكومته الانتقالية بموجب توافقات، تتعلق بميزان القوى على صعده الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وهو ليس في مصلحة النظام وحلفه.
لهذا يمكننا القول، إن ظهور حملة تشويش سياسية تقودها “جبهة الإنقاذ” أو غيرها من قوى سياسية، إنما الغاية منه تحقيق كسب بعض النقاط الصغيرة في معادلة صراع كبرى، أثبتت الأيام أن السوريين نتيجة انقسامهم السياسي، فشلوا تمامًا في إدارة ملفها، ما جعل هذا الملف شأنًا دوليًا بامتياز.
ومع ذلك ودون اتباع لغة التبشير السياسي السطحية، تقول وقائع الوضع السوري، إن القضية السورية ماضية وبسرعة شديدة، إلى ضفاف حلها السياسي، هذا الحل لن يُرضي النظام السوري، الذي سيخلي مواقعه بسرعة، وقد يضع ورقة مساومة مع المجتمع الدولي، بأن يقبل بانتقال سياسي مقابل عدم محاكمته.
بقي أن نقول إن غيوم الحل السياسي تتلبد في السماء السورية، وإن اليد الدولية هي من يقرر في هذه المرحلة طريقة إخراج هذا الحل.