مذنبات أم ضحايا.. عاملات جنس سوريات يتحدثن عن تجربتهن في تركيا
اسطنبول – أسماء العمر
رن هاتفي عند الحادية عشرة ليلًا، إشعار يحمل رقمًا غريبًا، كتبت لي أن لديها ساعتين لتقابلني.
كانت الرسالة التي أترقب وصولها منذ أشهر، فقررتُ الذهاب. بعد ساعة كنا جالستين، وفي يدها النرجيلة، كانت ترتدي قميصًا أصفر غير لافت للانتباه، وبنطال جينز أزرق. “سبور” هو المصطلح الشعبي الذي كنت سأصفها به في سوريا. كانت تبدو لي كأي فتاة عادية، لكنها لم تكن كذلك.
كنا وحيدتين في ذلك المقهى، هو عبارة عن استراحة على طريق سريع، مكان لم يُصمم ليشعر أحد بالانتماء إليه، لكنه كان من اختيارها.
وقتها محدود، فلديها عمل لتنجزه، عمل يبدأ في وقت متأخر من الليل، زبائنه متبدلون، لكن ربحه مضمون.
جميلة (اسم مستعار)، هي واحدة من امرأتين سوريتين في تركيا التقتهما معدة التقرير، تعملان في الجنس، كوسيلة لكسب المال، لدى كل واحدة منهما أسبابها ودوافعها المختلفة، كما تملكان خلفيتين اجتماعيتين متمايزتين، تشتركان في رفضهما لعمل النساء في هذا المجال.
لا يسعى التقرير إلى تعميم الحالتين، مع عدم إمكانية الوصول إلى أرقام دقيقة عن العاملين والعاملات في هذا المجال، من السوريين في تركيا، لكنه يسلط الضوء على السياق الاقتصادي والقانوني والمافياوي له.
يستخدم التقرير لفظ “العاملات في الجنس” لوصف النساء اللاتي يقدمن خدمات جنسية مقابل المال، ولفظ “منزل دعارة” لمكان عملهن، ولفظ “قواد” لمشغليهن.
جميلة
كانت تعطي انطباعًا أنها مرتاحة جدًا خلال اللقاء السريع، رغم تفقدها المتكرر لهاتفها في انتظار موعد ما. دخان النرجيلة يقطع حديثها: “أقل كلمة يمكن أن يقولوها هي أني عاهرة”، ثم تزفر الدخان، “أكيد ما بشوف حالي هيك، لأنو نفسه يلي قال هي الكلمة، ممكن يفكر يطلع معي بيوم من الأيام”، تقول جميلة، ثم تعود للحديث الرئيس، كيف وصلت إلى هنا؟
“كنت في قهوة بشارع الاستقلال في اسطنبول عقب طلاقي الثاني، عندما التقيت بأحلام.. كانت تجلس وحدها، تبادلنا الحديث عن حياتنا، وأخبرتها أنني قدمت إلى تركيا لأبحث عن عمل أعيل به أمي وابن أخي اليتيم في سوريا”.
بعد ذلك اللقاء في عام 2018، بدأت جميلة عملها في بيت للدعارة، تحت إدارة “القوادة” أحلام وزوجها سامر، لتدرك بعد فترة أنها عالقة في واحدة من شبكات المافيا في تركيا.
اسطنبول المركز
المقهى الذي اختارته جميلة يطل على بحر مرمرة في اسطنبول، المدينة التي تعتبر من أهم الوجهات السياحية في تركيا، ما يجعل الدعارة فيها مهنة رائجة، منذ زمن بعيد، ففي القرن التاسع عشر، شغلت مافيات نساء قدمن من البلقان مستغلة هربهنّ من الحرب، وكن يُنقلن منها إلى مدن أخرى كإزمير وتيريستة.
لا يجرم قانون العقوبات التركي العمل في تجارة الجنس، بل ينظمه في بيوت مملوكة للدولة تجمع الضرائب، أما العاملات ومالكو البيوت فهم أشخاص عاديون يكسبون المال من هذا النشاط.
هناك حوالي 40 بيتًا للدعارة في تركيا، ويحاول الحزب الحاكم في تركيا في السنوات الأخيرة التقليل من عددها بسبب توجهه المحافظ، وفق الباحثة التركية سينيم هون، وهي محامية دولية لحقوق الإنسان تعمل في المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين (ECRE)، التقيتها في أثناء إعداد هذا التقرير.
وبحسب الباحثة، يطلق القانون التركي مصطلح “نساء عموميات” على النساء العاملات في الجنس، وهذا يعني أنهنّ متاحات للعامة.
لكن الدعارة في تركيا قانونية على الورق فقط، إذ تتمتع الشرطة بسلطة اتخاذ إجراءات صارمة ضد الجرائم الصغيرة مثل “الأعمال الاحتكارية” و”الأفعال غير اللائقة” و”الفحش”، كما تتعرض العاملات في هذا المجال للإهانة والضرب.
الإطار القانوني لهذه المهنة في تركيا لا يشمل السوريين على أراضيها، وتقتصر ممارستها في البيوت المرخصة على المواطنين، وعن ذلك توضح الباحثة سينيم، “هناك نوع من التسلسل الهرمي، كما الوضع في أي سوق عمل في تركيا، يحصل السوريون على مورد مالي أقل، كذلك العاملون في مجال الجنس الأتراك يكسبون أكثر من العاملين بالجنس السوريين”.
من خلال البحث الميداني الذي أجريته في عدة مناطق باسطنبول، تبين أن انتشار الدعارة لا يتعلق بكون المنطقة محافظة أو غير محافظة، فهي تنتشر في أحياء متنوعة من حيث الاتجاه الديني والفكري والسياسي.
لكن الحصول على أرقام رسمية صعب بسبب طبيعة المهنة، إذ لا توجد إحصائية رسمية ثابتة بخصوص العاملات والعاملين في هذا المجال وضحاياه، أما بالنسبة للسوريين فلا يخبرون عن هذه الأعمال، لعدم رغبتهم بالتحدث عن هذه القضية، وفق دراسة بعنوان “الاتجار بالجنس في تركيا”، للباحث التركي مليح سيفير، أُجريت في العام 2018.
مافيات تدير سوق الدعارة
من خلال البحث، توصلتُ إلى أن سوق الدعارة الذي يعمل فيه السوريون تديره برمته مافيات، بعضها سوري وبعضها تركي، والأولى تتبع للأتراك الذين لديهم صلات بالشرطة، إذ يحصل رجال الشرطة على المال مقابل إعلامهم مسبقًا بالمداهمات.
ما مرت به جميلة يعتبر إحدى الطرق التي تتصيد عن طريقها المافيا الفتيات، حيث تتسكع عاملاتهنّ في بعض مقاهي اسطنبول، التي تشبه إلى حد كبير ما كان يطلق عليه في سوريا “المقاصف”.
جميلة تعرفت إلى طرق أخرى بعد اختلاطها بفتيات يعملن في بيوت الدعارة، إذ تقوم المافيات أحيانًا بنشر إعلانات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال أو تدريبات، أو عبر استغلال العائلات الفقيرة التي تبرم عقدًا لبيع ابنتها للمافيا فترة معينة، بمقابل مادي.
فيما بعد، تجبر المافيا الفتيات على الانصياع لجميع الطلبات، إما بالتهديد أو بطرق أخرى كالابتزاز، فالعاملات لا يملكن مصدرًا آخر للمال أو أي معيل.
بناء على ما شهدته جميلة، قد يشوه عاملو المافيات وجه الفتاة إذا كانت عنيدة، وقد يبدلن هويتها التركية بأخرى مزورة إذا فكرت بالهروب، ثم يتصلون بالشرطة للإيقاع بها، وفقط عندما تهدد الشرطة بالاعتقال يأتي “القواد” كالمنقذ بالهوية الأصلية، ويسترد الفتاة.
يحق للفتيات أن يخرجن بمفردهن، ولكن لوقت محدد، وفي حال لم يجبن على هواتفهن أو تأخرن أو قررن الهروب، تجد المافيا وسيلة لإعادتهن.
لم أتمكن من التواصل مع أي من العاملين في تلك المافيات، كإجراء سلامة، بعد تحذيرات من العاملتين اللتين التقيتهن، ومن مصادر مختلفة في الجمعيات والمنظمات المعنية الإنسانية، التي تدعم أشخاصًا وقعوا ضحية الاتجار بالبشر.
الزبون يختار
إلى جانب المافيا، يشترك الزبون في استغلال العاملات في الجنس في كثير من الأحيان، بينما يبدو منقذًا في أحيان أخرى، ولذلك كان المهم التواصل مع أحد زبائن بيوت الدعارة.
عمّار (اسم مستعار) أب مطلّق لديه طفلة، يتردد على منازل للدعارة منذ أربع سنوات، التقيته في مقهى بأنطاكيا (جنوبي تركيا)، كان برفقة فتاة، لكنها جلست بعيدًا، وكأنه لم يرغب في أن تسمع الحديث.
على شاشة هاتفه المحمول، عرض عمار المحادثات بينه وبين وكيل أحلام وسامر في أنطاكيا، الذي أرسل إليه صور الفتيات المتوفرات لليوم ليختار واحدة يقضي ليلته معها، وبينهن فتيات في مدن أخرى، عليه أن يدفع المزيد لو أعجبته واحدة منهن، لقاء “خدمة توصيل”.
“مؤخرًا لم تعد الأمور جيدة”، يقول عمار، فالفتيات المتوفرات يكنّ في بعض الأحيان بصحة غير جيدة، أو صغيرات في السن، لذا يستعين للحصول على بعض المواعيد بوسائل أخرى بدلًا عن أحلام وسامر ووكيلهما، كتطبيقات مثل “هورنيت” أو “تويتر” حيث تتوفر فتيات بحسابات مختلفة مميزة برمز خاص عن الحسابات العادية.
يؤكد عمّار أن المافيا ترسل الفتاة فقط عندما تثق بالزبون، أما في العادة فتطلب من الزبون القدوم إلى بيت الدعارة الرئيس، حيث يكون محاطًا برجالهم الذين يراقبون ويحمون المكان.
“عندما تعمل الفتاة وحدها لا تذهب النسبة الأكبر إلى القواد، وفي كثير من الأحيان تحاول الفتيات أن يصلن إلى اسطنبول، حيث الربح أكبر والسياح يدفعون أكثر من السكان المحليين”، يقول عمار.
في اسطنبول، تبدو جميلة ممتنة لقدرتها على تحصيل 100 دولار أمريكي في الساعة، رغم أن النسبة الأكبر تذهب لـ”القواد” بينما يتبقى لها 20% فقط، لكن في أنطاكيا تأخذ الفتاة حوالي 250 ليرة تركية في الساعة.
يوم عمل
تستلقي جميلة على سريرها بجانب خزانتها المليئة بألبستها من اللونين الزهري والأبيض المفضلين لها، في واحد من بيوت المافيا الثلاثة التي تتشاركها مع حوالي عشرين فتاة، وتتنقل بين تلك البيوت بناء على برنامجها.
الأول مخصص لسكنهنّ، والثاني مكان عملهنّ، والثالث تسكن فيه أحلام (القوادة) وزوجها. يرعى خمسة شبان منازل الفتيات، يراقبونها من الداخل والخارج، وعندما يصل الزبون إلى بيت الدعارة، باستطاعته اختيار الفتاة التي يريد.
يبدأ يوم عملهن متأخرًا بسبب طبيعة المهنة، وتبدأ الاتصالات من الزبائن حوالي الساعة الثانية ظهرًا.
يقمن بإعداد طعامهن قبل الذهاب إلى مصففة الشعر استعدادًا لليلتهن، يقصدن المقاهي ومراكز التسوق بداية، ثم الحانات ليلًا، إذ يعتبر إيجاد الزبائن جزءًا من مسؤولياتهنّ.
المافيا لا تؤمّن مصروف الفتيات، فقط المسكن والأساسيات، ولا تراعي صحتهن الجنسية أو تتكلف بأدواتها، فجميلة تشتري بنفسها موانع الحمل ووسائل الوقاية منه، ولا تخضع للفحص الدوري في المشافي، كما العاملات التركيات في الجنس اللاتي يحملن “رخصة” أو وثيقة كالتي يحملها العاملون في المهن الأخرى مثل الأطباء والمحامين.
جميلة دائمًا متوجسة من خطر الترحيل، لأن ترخيص الدعارة هو حكر على الأتراك ولا يمنح للأجانب، كما أن التعامل مع الزبائن ليس آمنًا أيضًا، بل هو خاضع للمراهنة الدائمة.
“جميع زبائني عرب، وكثير منهم يمارسون الشعائر الدينية.. أغلبهم متزوجون، يقومون بإخفاء الأمر عن زوجاتهن ويتسللن من دون علمهن”، تقول جميلة، ثم تحاول تفسير الأمر بناء على خبرتها ومشاهداتها، “أعتقد أنه هروب من الواقع بالنسبة لهم. فالعديد من الزبائن يحاولون أن يكونوا في صورة حسنة”، وتعتقد أن ذلك مخالف لما يكونون فيه بالوضع الطبيعي.
بتول
جنوبًا، في مكان أقرب إلى سوريا، حيث صدى القذائف يتردد بعيدًا، التقيت مع بتول (اسم مستعار)، التي بدت كأنها تريد أن تتكلم عن وضعها لأحد ما، في الوقت الذي أخفت فيه الأمر عمن تعرفهن.
في بيتها، ضمن بناء متهالك قرب أنطاكيا، شرحت ما حدث معها ذلك اليوم بعد مضي شهر على خروجها من سوريا مطلقة مع أولادها، كانت في أحد الكراجات دون ليرة تركية واحدة في جيبها.
“اقترب مني رجل تركي بلهجة عربية ركيكة، وأومأ لي”، لم تفهم بداية ماذا يريد، وعندما أدركت طلبه صرخت وغضبت، “لكنه عاد وقال لي سين جوزيلسن (أنت جميلة)، قبل أن يظهر قطعة نقود من فئة الخمسين ليرة”.
عقب ذلك استجابت بتول لطلبه ومنحته ما يريد في مكان مظلم، “ملكت الدنيا بالخمسين ليرة” تقول بتول، “كانت حالتي صعبة، لا أملك فلسًا”.
كانت بتول قد قدمت مع أولادها (فتاتين وصبي)، وأقاموا في مخيم قرب كلّس، إحداهنّ تدرس في الثانوية، والأخرى تُدرس في الجامع، وليست لديهما أدنى فكرة عن عمل والدتهما.
بالكاد تغطي بتول ديونها وإيجار منزلها من خلال هذا العمل، إذ تأخذ من الزبون الواحد خمسين ليرة، وأحيانًا أربعين فقط إذا كانت مضطرة، وعندما تسأله أن يزيد قليلًا من النقود كـ”زكاة” يصدها بقوله “في المرة القادمة”، لكن ذلك ليس حالها فقط بل حال كثيرات من السوريات والتركيات اللواتي يعملن مثلها في ولاية كلّس، حسبما قالت.
“بكيت أمس، واليوم صباحًا، أبكي كل يوم”، كانت تعمل بتول في سوريا كمصففة شعر، وهي من خلفية اجتماعية محافظة دينيًا، على عكس جميلة، لكن كلتيهما غير قادرتين على الإفصاح عن طبيعة عملهما.
وصمة عار
تقول المختصة في علم الأنثروبولوجيا، التركية شولة جان، إن هوية النساء اللاتي يدخلن هذا العالم تتغير كثيرًا، فبمجرد أن يفقدن هوية المرأة “الصالحة” التي منحها لهن المجتمع، يُنبذن ويضِعن إلى الأبد، ولا يمكنهن العودة إلى ما كنّ عليه، وتتابع، “في هذه الحالة لا يعود بإمكانك تصديق أنه يمكنك بناء عالم أفضل من خلال الأخلاق، ستفقد الإحساس بمن أنت ومن ثم تجد نفسك في ممارسة هذا العمل، العمل الجنسي”.
تختلف بتول عن جميلة في أن الخطر الوحيد الذي تواجهه في حال حاولت ترك هذا العمل هو خطر الجوع والفقر، إذ لا ترتبط بمافيا مشغلة بل تعمل بمفردها، وتتمنى لو كان باستطاعتها العمل بمجال آخر.
تدرك بتول أن المنظمات غير الحكومية لن تساعدها، فهي لا تعتبر ضحية للاتجار بالبشر أو لتجارة الجنس المرخصة في البلد، إذ تمارس المهنة بشكل مستقل، بإرادتها وبدافع الفقر، لذا حاولت التواصل مع منظمات غير حكومية معنية بمساعدة ضحايا الاتجار بالبشر، منها UN” “Women، لكنها تجاهلت اتصالاتي ورفضت التجاوب مع حالة جميلة.
على الهامش
توجد في تركيا منظمات غير حكومية تلبي احتياجات العاملين بالجنس، لكنها قليلة، وتواجه ضغوطًا من الحكومة.
المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، ووكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة، لديهما تفويضات في تركيا بمتابعة موضوع الاتجار بالبشر، ولكنهما تحيلان جميع الحالات إلى الشرطة التركية، وإلى إدارة الشؤون البلدية والقروية.
وتدير الأمم المتحدة في تركيا “منزلين آمنين”، وهما مكانان مخصصان لحماية الأفراد المعرضين للخطر في مواقع سرية من المافيا، بحسب مصدر يعمل في منظمة الهجرة الدولية (ضابط حماية)، تواصلتُ معه، لكنه تحفظ على نشر اسمه كونه غير مخول بالتصريح.
يمكن للمنزلين توفير الحماية للضحايا 30 يومًا فقط، وتوفر المنظمة خطوطًا ساخنة للضحايا، وتتلقى نحو 20 ألف مكالمة شهريًا، لذا لا يستطيع العاملون في الحماية التعامل مع العدد الكبير للحالات.
يقول المصدر، “يحق للضحايا التمتع بالعديد من الحقوق والحماية على الورق، ولكن على أرض الواقع نادرًا ما يحصلون على تلك الحقوق، وهناك نقص في التمويل لمتابعة هذه الحماية”.
منذ بداية 2011 تعاملت “IOM”، مع عشر حالات اتجار جنسي فقط في تركيا، وتتبع المنظمة “بروتوكولات باليرمو” بشأن الاتجار بالبشر، وهي مجموعة من المعايير الدولية لتحديد ضحايا الاتجار بالبشر، ولا تشمل خدماتها الأشخاص الذين يمارسون الجنس طوعًا، وهو ما ينطبق على حالات العمل تحت ضغط الظروف.
دور الشرطة
عن استثناء العاملات في الجنس طوعًا من قوائم ضحايا الاتجار بالبشر، يقول مختص في الطب النفسي باسطنبول يعمل في منظمة تابعة للأمم المتحدة، “لن أستخدم مصطلح (قسري) للحديث عن العمل في مجال الجنس، لأنني أستطيع أن أقول الشيء نفسه عن أمين الصندوق أو مدرّس أو شرطي أو جندي أو حتى نفسي. لا أعرف إذا اخترت أن أكون طبيبًا نفسيًا أو ما إذا كانت ظروف الحياة أجبرتني فقط. لذلك عندما أقابل إحدى المشتغلات بالجنس، لا أسألهن إذا كن مجبرات، بل أسألهن عن حاجاتهن.”
بموجب قانون مكافحة الاتجار بالبشر التركي رقم 6284، يتمتع ضحايا الاتجار بالبشر بحماية القانون ويحق لهم الحصول على الحماية، وهم يحتاجون إلى التقدم بطلب إلى وزارة الأسرة والتخطيط الاجتماعي.
المختص، الذي تحفظ على نشر اسمه في التقرير، يعتقد أن أفضل طريقة لأخذ حقوق هؤلاء الفتيات، هي مرافقتهن إلى مراكز الشرطة، “لكن هذا ليس ما يحدث عادة. في بعض الأحيان تحصل على رسالة نصية من إحداهن تقول فيها إنها لا تعرف أين هي، فغالبًا ما يكون من الصعب تحديد مكان الضحايا ومساعدتهم”.
الهروب
تحلم جميلة بأن تجد لنفسها مشروعًا صغيرًا، لتؤمّن نفسها بعيدًا عن هذا العمل، لكن يجب عليها أولًا أن تحلم بالخروج من الشبكة التي وقعت بها.
يتراءى للفتيات أحيانًا أن الطريقة الوحيدة للهرب هي عن طريق الزبون، بعد استنفاد كل الأبواب، ويتعين على الزبون أن يؤمّن حماية من مستوى قوة المافيا، وفق عمار، الذي قابلتُه.
كما تخلق المافيا شبكات داخل الشبكات، وتضبط علميات الهروب، عن طريق جعل الفتيات يفتشن هواتف بعضهنّ ومحادثاتهنّ.
“ما في بنت فينا ما بتفكر تطلع من هي الشبكة، من أول يوم بتبلشي تفكري بخطة كيف تهربي”، تقول جميلة، رغم أنها دخلت هذا العالم طوعًا، لكن كثيرات ممن يشاركنها غرفتها، لم يكن أمامهن خيار.
لا تفصح جميلة عن رغبة كبيرة في الزواج من رجل واحد، فهي قد لا تفعل ذلك، وفي حال فعلت، فستختار شريكًا ينظر إلى شخصيتها، ليس إلى جسدها.
نشر هذا المقال ضمن مشروع “سوريا في العمق” الذي تدعمه منظمة IMS الدنماركية بالتعاون مع مؤسسة The Guardian Foundation
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :