أصدر مجلس تحقيق تابع للأمم المتحدة تقريرًا موجهًا إلى مجلس الأمن، وثق فيه سبع هجمات على مرافق صحية وخدمية في منطقة “خفض التصعيد” شمالي سوريا، مرجحًا أن يكون النظام السوري مسؤولًا عن خمس منها، دون الجزم بذلك.
سُلّم التقرير المؤلف من 184 صفحة و200 ملحق، إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 9 من آذار الماضي.
ووثق التقرير بـ”وضوح” وقائع الحوادث وأسبابها والأشخاص والكيانات التي تُنسب إليها، وهي التي وقع عدد كبير منها شمال غربي سوريا، في الفترة التي أعقبت توقيع روسيا وتركيا اتفاق “خفض التصعيد” في 17 من أيلول 2018.
رغم ذلك، قال غويتريش في الرسالة التي وجهها إلى رئيس مجلس الأمن، خوسيه سينجر وايزنغر، إن مجلس التحقيق الذي أُنشئ في آب 2019، ليتولى متابعة الحوادث ومراجعتها والتحقيق فيها، ليس هيئة قضائية أو محكمة قانونية، ولا يقدّم نتائج قانونية ولا ينظر في مسائل المحاسبة القانونية.
وأوضح الأمين العام أن الصعوبات التي واجهها المجلس في رسم صورة واضحة لما وقع في كل حادثة، هو ما جعل عدد الحوادث التي جرى التحقيق في ملابساتها محدودًا.
ما الحوادث السبع التي حققت فيها اللجنة؟
شدد غويتريش على أثر الأعمال العدائية ضد المدنيين والمواقع الإنسانية في شمال غربي سوريا، وذكّر بأهمية احترام جميع الأطراف القانون الإنساني الدولي وما يتضمن الالتزام في جميع الأوقات بالتفريق بين المدنيين والمحاربين، والتفريق بين المرافق المدنية والأهداف العسكرية، وتوجيه الهجمات فقط ضد المقاتلين والأهداف العسكرية؟
وحقق التقرير في سبعة مرافق تعليمية وصحية تعرّضت للهجوم من قبل أطراف النزاع في سوريا، هي:
- أضرار لحقت بثانوية “الشهيد أكرم علي الأحمد” في قلعة المضيق بمحافظة حماة، في 28 من نيسان 2019.
- أضرار لحقت بمركز “الرعاية الصحية الأولية” في ركايا بريف إدلب، في 3 من أيار 2019.
- أضرار وقتلى وإصابات في مركز “الرعاية الصحية الأولية” في كفر نبودة بحماة، في 7 من أيار 2019.
- أضرار وقتلى وإصابات وقعت في مخيم “النيرب” للاجئين الفلسطينيين بريف حلب، في 14 من أيار 2019.
- أضرار لحقت بمستشفى “السقيلبية الوطني” في حماة وإصابات، في 26 من أيار 2019.
- أضرار لحقت بمستشفى “كفر نبل الجراحي” بريف إدلب، في 4 من تموز 2019.
- أضرار لحقت بمركز “الحماية” في أريحا بريف إدلب وإصابات نجمت عنها، في 28 من تموز 2019.
وافترض التقرير ضرورة تجنب الاستهداف العسكري للأماكن المدرجة بهذه القائمة، لأنها تنطوي على رعاية صحية أو أنشطة مدنية بحتة أخرى، أو تُدعم من الأمم المتحدة.
ووجه غوتيريش رسالة إلى رئيس مجلس الأمن، مفادها أن أثر الأعمال العدائية على المواقع المدنية والإنسانية في شمال غربي سوريا، يجب أن يكون تذكيرًا واضحًا بأهمية احترام جميع أطراف النزاع، وضمان احترام القانون الإنساني الدولي.
“يرجح أن النظام السوري وحلفاءه هاجموا خمسة مرافق”
رجحت نتائج تقرير مجلس التحقيق التابع للأمم المتحدة أن النظام السوري وحلفاءه هاجموا خمسة مرافق، رافعًا التهمة عن روسيا.
وفي ضوء المعلومات المتاحة له، قال مجلس التحقيق إنه “من المحتمل للغاية” أن الهجوم على مركز “الرعاية الصحية الأولية” في قرية ركايا سجنة بمحافظة إدلب، في 3 من أيار 2019، يعود لقوات النظام السوري.
وأضاف أنه “من المعقول” أيضًا أن يكون الضرر الذي لحق بمنشأة رعاية صحية مماثلة في كفر نبودة، بمحافظة حماة، في 7 من أيار 2019، منسوبًا إلى النظام وحلفائه.
كذلك الأمر فيما يتعلق بالأضرار التي لحقت بمستشفى “كفرنبل الجراحي” في مدينة كفرنبل بمحافظة إدلب، في 4 من تموز 2019، قال المجلس إنه “من المحتمل للغاية” أن تكون الغارات نفذتها الحكومة أو حلفاؤها، مضيفًا أنه يفتقر إلى ما يكفي من الأدلة للتوصل إلى نتيجة قاطعة.
وأشار مجلس التحقيق إلى أنه “من المحتمل للغاية” أن النظام السوري وحلفاءه شنوا هجومًا على مركز “حماية الطفل” في أريحا بمحافظة إدلب، في 28 من تموز 2019، مضيفًا مرة أخرى أنه لم يكن هناك ما يكفي من الأدلة قبل التوصل إلى نتيجة حازمة.
وانتقل التقرير بعد ذلك إلى الهجوم على مخيم “النيرب” للاجئين الفلسطينيين بالقرب من مطار حلب، في 14 من أيار 2019، الذي أسفر عن مقتل 11 شخصًا وإصابة 29 آخرين، وقال مجلس التحقيق إنه “من المحتمل” أن الغارة نفذتها إما جماعات معارضة مسلحة أو “هيئة تحرير الشام”.
ولم ينظر مجلس التحقيق في الحادثة السابعة بمستشفى “السقيلبية الوطني” بمحافظة حماة، في 26 من أيار 2019، لأنها لم تكن مدرجة في قائمة الأمم المتحدة لحل النزاعات، ولم تكن مدعومة من قبل المنظمة.
“هيومن رايتس ووتش” تنتقد التقرير
انتقد مدير منظمة “حقوق الإنسان” الدولية، لويس شاربونو، بحسب ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في رسالة وزعها على الصحفيين بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، إحجام غوتيريش وتقرير فريقه الأممي عن “تسمية روسيا صراحة كطرف مسؤول عن هذه الهجمات إلى جانب النظام السوري”.
واعتبر أن الهجمات الواسعة النطاق على المرافق الإنسانية، بما في ذلك المستشفيات، ليست جرائم حرب محتملة فحسب، بل أدت أيضًا إلى انخفاض خطير بالقدرة على التعامل مع الضحايا الحاليين والمستقبليين المصابين بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
وقال شاربونو في رسالته، “توصيات التقرير ضعيفة وسطحية ومخيبة للآمال بشدة، خاصة في ضوء النتائج التي توصل إليها بأن أغلبية المرافق المُحقق فيها تعرضت للهجوم بعد مشاركة إحداثياتها مع الأمم المتحدة”.
وأضاف أن هذا التقرير “أشبه بأدوات التجميل حين يتعلق الأمر باستخدام إحداثيات الأمم المتحدة في الهجوم علي المستشفيات بدلًا من حمايتها”.
بماذا أوصت اللجنة؟
وضعت اللجنة عددًا من التوصيات في تقريرها تتعلق بعلاج مشكلة استهداف المرافق المدنية والحد من الخسائر البشرية والمادية فيها، وأشار غويتريش إلى أنه للمساعدة في تحديد أفضل السبل من أجل معالجة توصيات المجلس، “فإنني أعتزم تعيين مستشار مستقل كبير من ذوي الخبرة في هذا المجال”.
ومن بين التوصيات أيضًا، تعزيز الجهود وزيادة الوعي وبناء القدرات مع جميع الأطراف السورية، من بينها فصائل المعارضة المقاتلة.
ودعا لاغتنام أي فرصة لضمان الوصول الإنساني إلى شمال غربي سوريا، ووضع إرشادات واضحة لوكالاتها الإنسانية بشأن التعامل مع الجهات غير الحكومية في شمال غربي سوريا، ومراقبة تنفيذ التعليمات.
مجلس التحقيق ومهامه
عَيّن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريش، الفريق تشيكابيديا أوبياكور رئيسًا للمجلس الذي يضمّ ستة أفراد آخرين.
وانعقد المجلس لأول مرة في 13 من أيلول عام 2019، وأجرى أول اجتماعاته في 30 من أيلول 2019، بمدينة نيويورك الأمريكية.
أجرى المجلس ما بين 2 و16 من تشرين الثاني 2019، زيارات ميدانية إلى عمّان وغازي عنتاب وأنقرة.
أما الحكومة السورية فلم تستجب إلى الطلبات المتكررة لإصدار التأشيرات لأعضاء المجلس، بحسب رسالة الأمين العام، ولذلك لم يستطع الأعضاء دخول سوريا وهو ما عقّد عملهم.
وكانت المهام الرئيسة للمجلس، جمع ومراجعة جميع الأدلة وتقارير التحقيق المتاحة وغيرها من المصادر ذات الصلة، وعليه بحث التقرير في:
- تحديد وإجراء مقابلات مع جميع الشهود ذوي الصلة وغيرهم ممن يمكنهم المساعدة في التحقيق، وتسجيل بياناتهم، وزيارة مواقع الحوادث.
- إعداد تقرير عن الحوادث يشمل:
-نتائج الوقائع والظروف المتعلقة بالحوادث من الأسماء والمهن الكاملة للمتوفين والمصابين.
-تواريخ وأوقات وأماكن وفاتهم أو إصاباتهم وطبيعتها وأسبابها.
-أوصاف الخسائر أو الأضرار التي لحقت بممتلكات الأمم المتحدة والمنظمات التي تدير المرافق المعنية والمتوفين والمصابين.
–