كتبته ريما بصروم لـ ISN شبكة العلاقات والأمن الدولية في زيورخ – بتاريخ 6 آذار 2015
يدخل الصراع في سوريا عامه الخامس، ومعاناة السوريين مستمرة، إذ ورد الأسبوع الماضي أن “الدولة الإسلامية” (داعش) هاجمت منطقة خابور شمال شرقي البلاد، واختطفت أكثر من 200 آشوري مسيحي، بينهم نساء وأطفال، وهدمت كنائس، متسببة بموجة نزوح جماعي بين أبناء هذه المجتمعات.
ووفقًا للمفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، أنتونيو غوتيرس، فالحالة السورية هي “أعنف أزمة إنسانية يواجهها العالم منذ وقت بعيد”، إذ يشكل السوريون الآن أكبر عدد لاجئين تحت وصاية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وعلاوة على ذلك، أكثر من 6.5 مليون سوري هم مهجرون داخليًا (نازحون). ويبلغ اللاجئون والمهجرون داخليًا معًا نسبة 40% من تعداد السكان في البلاد قبل النزاع، وعلى الأقل، نصف ذاك الرقم هم أطفال.
الرواية الأكثر وضوحًا والأقل تنازعًا بشأنها من بين جوانب الصراع، هي المأساة الإنسانية والأزمة الأمنية التي ولدتها داعش والمجموعات المرتبطة بالقاعدة. بينما تناقلت وسائل الإعلام الدولية منذ البداية روايات مختلفة ومتنافسة حول طبيعة النزاع. وزادت هذه الروايات حالة الاستقطاب بين السوريين، وقوضت محاولات لتسوية النزاع.
فمثلًا روجت وسائل الاعلام رواية “الطائفية” و”الانقسام السني-الشيعي” مع تصاعد النزاع، في حين طمست هذه الرواية دور الانقسامات الدولية والإقليمية وتضارب مصالح الدول في التسبب باستدامته. كما ساعد السرد الطائفي والروايات المنافسة الأخرى على ولادة نسخة من التاريخ، قد تكون “مريحة” لمعارضيها، لكنها تقوم على 1. ثنائيات مفرط في تبسيطها من الخير ضد الشر. 2. فلسفة “الضحية” 3. ادعاءات مبالغ فيها لتمثيل “الشعب السوري”.
دور الإعلام في صياغة الرواية
لعب الإعلام دورًا هامًا في صياغة روايات عدة حددت بدورها شكل الرأي العام، وإدراك المجتمع الدولي لتنوع وديناميكية الصراع. وعمومًا، تركز وسائل الإعلام على تشكيلات المعارضة المتطرفة، ونادرًا ما تغطي خطابات أكثر اعتدالًا. وعلاوة على ذلك، فلانتشار محتوى رقمي ينتجه نشطاء من داخل وخارج سوريا دوره في دفع وسائل التواصل المحلي إلى تضخيم الآراء المهتمة بالصراع، في حين أهملت الآراء الأكثر توجهًا نحو المصالحة.
وتضخيم الإعلام لروايات متطرفة أثّر بوضوح على فهم المجتمع الدولي للنزاع وعلى بعض الحلول التي طرحت لتسويته. فمارك لينك مثلًا أظهر كيف من شأن افتراضات مستمدة من وسائل التواصل الاجتماعي أن “تولد استخلاصات تحليلية مضلِّلة، وحالة من اليقين المصطنع، وتضمّن روايات كاذبة وتحفّز على تدخلات عكسية”، مثل الدعوة إلى عمل عسكري ضد سوريا عام 2013.
مثال آخر هو الافتراض المبالغ به أن النزاع طائفي بشكل رئيسي، والحل يجب أن يبنى على صيغة ما لتقاسم طائفي للسلطة. حقيقة الأمر أن الإعلام نادرًا ما غطى أصوات السوريين التي تتحدى رواية الطائفية، أو التي تؤكد الهوية السورية المشتركة، أو المواطنة المتساوية، أو إمكانية مصالحة وطنية.
الحاجة إلى رواية جامعة
وسعيًا إلى حل سياسي، يجب أن تقدم رواية معاكسة تركز على ما يقرب بين السوريين. ومنهجية جوهان غالتونغ لحل الصراع تقترح أن يعالج الصراع من منظور أحكام مبسطة عن “الخير ضد الشر”. عوضًا عن ذلك، يجب أن تعترف روايات النزاع بوجود صعوبات وقضايا عالقة، تدفع إلى الإحباط، والعدائية والعنف؛ وأن تنتهج جهود المصالحة التعاطف، واللاعنف، والإبداع.
ويمكن لتسويات النزاع الناجحة في جنوب افريقيا وكينيا، أن توفر إلهامًا لمعالجة هذه القضايا الحساسة عند البدء بعملية السلام من خلال التأكيد على أهمية تقديم رواية بديلة. ففي جنوب افريقيا، كانت الملكية الكاملة والمتساوية لرواية وطنية واحدة ولعملية التغيير، خطوة أساسية نحو السلام والمصالحة.
وفي كينيا، سعى الحوار الوطني وعملية المصالحة عقب العنف الذي نشب بعد انتخابات 2007-2008 إلى “ترسيخ فكرة التعايش السلمي المبني على روابط المواطنة”، ما أوجد رواية وطنية اعتبرت “شرطًا مسبقًا أساسيًا لصون أمة متلاحمة، ولضمان استقرار سياسي ثابت على المدى البعيد، واستمرارية الدولة”. وفي كلتا الحالتين، تحمل الشعب مسؤولية عن الماضي وعززوا رواية جامعة.
في كانون الثاني 2014، اعترفت جلسة مفتوحة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأن المجتمعات تتناقل عبر تاريخها ذكريات متباينة عن الحرب، حيث تبقى دفينة إلى أن تؤجج إلى عنف. ما يشير إلى الحاجة إلى تجاوز “آلية التفكير بطريقة لا ربح ولا خسارة”، وقبول “روايات وطنية مشتركة”، تساعد على بناء الثقة وتعزيز مصالحة حقيقية.
في سوريا، انتشرت قصص عن الحرب بطريقة آذت الهوية الوطنية وشوّهت تاريخ التعايش المشترك بسلام. ولمواجهة هذا، يجب أن يكون هناك تدوين نزيه ومدروس لرواية وطنية هدفها المصالحة، التي تدمج “ما يكفي من الحقيقة” عن النزاع كي يشعر السوريون بأن معاناتهم باتت مسموعة، وبنفس الوقت تؤكد على المرونة الاجتماعية والتضامن بهدف زرع الثقة بالسوريين وبما يجمع بينهم. وعلى هذا السرد الوطني أن يكون الأساس لأي حل محتمل لإنهاء النزاع في سوريا؛ ومن شأنه أن يمهد الطريق لمصالحة طويلة الأمد من خلال زعزعة أسس ما يفترض أنها أمور مستعصية.
* ريما برصوم، باحثة سورية ومستشارة لمشاريع الحوار وبناء السلام، تستقر في جينيف.
نشر في 6 آذار 2015 وترجمته عنب بلدي؛ لقراءة المقال بالانكليزية اضغط هنا.
–