عروة قنواتي
مع إيماني الكامل والحاسم بأنه لا وجود لتصحيح رياضي وجرد حساب في الملاعب التي تمثل نظام الأسد في سوريا، ولا وجود أيضًا لانتفاضة على الأخطاء ولا علاج مؤقت للمرض المنتشر في جسد الرياضة السورية منذ العام 1971 حتى اليوم، بل الجسد في وفاة سريرية منذ سنوات طويلة، إلا أنني أرغب بالتعليق على مشهد قدوم المدرب التونسي نبيل معلول، وتعاقده مع اتحاد كرة القدم الذي ضم مؤخرًا بعد آخر انتخابات (كما يتم تسميتها في سوريا) مجموعة من اللاعبين القدامى بعهد دورة ألعاب المتوسط 1987 وأول التسعينيات من القرن العشرين، ما يجعل للمخدر رائحة محببة أكثر.
انطلاقًا من العبث الذي دار بأخبار وأقلام الآلة الإعلامية الفقيرة التي تخص اتحاد الكرة في نظام الأسد، من الرغبة في التعاقد مع البرتغالي جوزيه مورينيو، إلى المفاضلة بين الدولي السابق نزار محروس والدولي التونسي نبيل معلول، لتحريك مشاعر الجماهير بأن القادم هو الوصول إلى كأس العالم، الذي كان منتخب سوريا سابقًا قاب قوسين أو أدنى من وصوله لأول مرة في العام 1985 في المباراة التي جمعته مع المنتخب العراقي (المدجج بالنجوم) على أرض الطائف في المملكة العربية السعودية، فظفر الأشقاء بالبطاقة وذهبوا إلى المكسيك 1986، وفعلوا ما يمكن فعله لتقديم المستوى العربي اللائق الذي لن يهزم بأكثر من هدفين في كل مباراة… ما علينا.
جربت ماكينة اتحاد كرة القدم ومنذ سنوات طويلة ثلة من المدربين والمسؤولين عن المنتخبات الوطنية في سوريا وخارجها، من الإيراني جلال طالبي، الذي وصل بمنتخب إيران إلى كأس العالم 1998، مرورًا برادوليسكو وتيتا فاليريو والمصري أحمد رفعت وغوربا، وصولًا إلى شتانغه الألماني، الذي أقصي من مهامه عقب الخسارة من الأردن في كأس أمم آسيا 2019.
وبين هذه الأسماء، كانت الأسماء السورية تتقلب من فجر إبراهيم أكثر من مرة، إلى “أبو شاكر” محمد قويض لمرة واحدة، ونزار محروس أكثر من مرة، وأيمن الحكيم أكثر من مرة، بالإضافة إلى أسماء جاءت لفترة قصيرة بغرض تأدية الواجب وإكمال تصفيات سنخرج منها عاجلًا أم آجلًا، كالمدرب أنور عبد القادر والمدرب أحمد الشعار.
أما لوروا الفرنسي الذي دار كل دمشق مع أعضاء اتحاد كرة القدم قبل سنوات، ولم يعجبه أي منزل في العاصمة إلا بعد (طلوع الروح)، فقد خرج من البلاد مع اندلاع الثورة السورية مطيعًا للقرارات الفرنسية التي طلبت من كل رعاياها مغادرة سوريا.
وأتمنى ألا أكون قد نسيت أي اسم من هذا السجل التاريخي الحافل بالخروج من المسابقات واستحالة الوصول إلى كأس العالم في أي نسخة منذ 22 عامًا حتى اليوم.
أخيرًا، جاء السيد نبيل معلول، الذي وصل بالمنتخب التونسي إلى مونديال روسيا 2018 مشرقًا بتصريحاته الخلابة والوردية، ومجاملًا من الطراز الرفيع لشخصيات القيادة الرياضية في نظام الأسد.
سيصل معلول بالمنتخب إلى مونديال 2022 ومن ثم سيقتحم كأس أمم آسيا 2023 ولربما يرفع الكأس لأول مرة، بحسب تصريحاته الأخيرة، وهو صاحب أقوى رقم تعاقد في سوريا لمدرب عالمي.
لكن السيد معلول لم يدرك بعد أن ما تبقى من الأسرة الرياضية الكروية في العاصمة وغيرها من المدن انقسمت بين مرحب ومتشائم من قدومه وتعاقده، وأن غزلًا ما قد بدأ في صفحات المواقع في تحليل قدومه وسرعة رحيله عند سوء النتائج.
كيف يعرف هؤلاء أن النتائج قد تسوء؟
في الحقيقة، إن من استطاع تدمير كل خطط المدربين وإفشال أعمالهم سابقًا، وخاصة في حقبة أحمد رفعت وجلال طالبي ومحمد قويض، والذي اعتاد أن يبدأ التصفيات بفجر إبراهيم ويسحب البساط من تحته، أو يبدأ بمدرب معقول كمعلول حاليًا وينهي بفجر إبراهيم، يستطيع أن يستبشر بسوء النتائج بل وأن يعمل على جعلها سيئة بالفعل ومريرة على الجماهير.
هذا النهج لم ولن يتغير أبدًا ما دامت مؤسسة الاتحاد الرياضي العام بهيكليتها وتبعيتها وأسمائها موجودة، تتنفس كل يوم هزائم الرياضة منذ العام 1971 حتى هذه الساعة، متباهية بإنجازات “البريستيج” (ذهبية المتوسط 1987، ذهبية غرب آسيا لكرة القدم 2012، وبعض المشاركات لمنتخب الشباب في المونديال العالمي).
ما بعد السيد نبيل معلول كما قبله تمامًا، عقارب الساعة نفسها والتوقيت نفسه، الأقلام والأسنان والحراب نفسها، جدول وموشح الهزيمة وإلقاء اللوم هنا وهناك بل وصبغها بالمؤامرة التي تحاك على الوطن موجودة أيضًا، وهي نفسها لن تغيب عن الساحة، وسيرحل السيد نبيل معلول بأهزوجة لم يسمعها عند استقباله، أو كما كان يظن في فترة حماسته الأولى.