عنب بلدي – عبد الله الخطيب
قرر المجلس المحلي في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، فصل كل شخص في داخل المجمعات التربوية يسيء إلى “الثورة” أو “الثوار” أو مبادئهم أو يثبت تأييده للنظام السوري، وبدأ بتنفيذ القرار خلال الأيام الماضية.
شمل القرار كل طالب أو مدرس أو شخص عامل في التربية، وتشمل كلمة طالب التلاميذ في الحلقة الأولى من التعليم الأساسي (من الأول إلى الخامس) والحلقة الثانية (من السادس إلى التاسع)، إضافة إلى تلاميذ دور الحضانة، أي من عمر أربعة إلى 14 عامًا.
القرار الصادر عن المجلس المحلي، والمعمم في 19 من آذار الماضي على كل المدارس والمعاهد والروضات، حظي بتأييد مدير التربية باعزاز، محمد حوراني، بحسب ما أكده لعنب بلدي.
وقال حوارني إنهم مطلعون على القضية وأسباب القرار. وسعت عنب بلدي إلى تتبع أساس القرار عبر مراسلها في المنطقة، ليتبيّن أن القضية ترتبط بطالبتين في الصف السابع، أي بعمر 13 عامًا.
السبب في الصف السابع
يارا، طالبة تدرس في الصف السابع بمدرسة في المدينة، تحفظت وذووها على نشر اسمها الكامل، كما تحفظوا على ذكر اسم مدرستها “لأسباب أمنية”، روت لعنب بلدي كيف بدأت القضية.
أُصدر التعميم بعد رسم طالبتين علم النظام على أيديهما في مدرستها، لتشاهدهما المعلمة وتسألهما عن ولائهما لبشار الأسد، وبعد تحققها من ذلك، وفق تعبير يارا، تم فصلهما من المدرسة.
عادت الطالبتان في اليوم الذي تبع الفصل في محاولة لتسوية الأمر مع ذويهما، ولكن المديرة رفضت وأحالت القضية إلى مديرية التربية في مدينة اعزاز، وعلّقت قرار فصلهما أمام على جدار المدرسة.
لكن حوراني أكد لعنب بلدي، عدم فصل أي طالب حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، إنما “تُقدم في حالات كهذه نصائح توعوية”، وعن قضية الطالبتين أوضح أنهما “فُصلتا لمدة أسبوع واحد، ثم نقلتا إلى مدرسة أخرى”.
وزيرة التربية في “الحكومة السورية المؤقتة”، هدى العبسي، أكدت لعنب بلدي، أن الوزارة لديها نفس الإجراء قبل أن يتخذ من تربية اعزاز، معتبرة أنه “قرار صائب”، فمن “يريد تأييد النظام فليلحق به.. لا مكان لمؤيدي عصابات الأسد بيننا”.
وعند سؤال العبسي عن وجود خطة لديهم لتعميم هذا القرار على كل المديريات التابعة لـ”الحكومة المؤقتة”، أجابت أن ذلك شيء “مؤكد وحتمي”.
وكشفت لعنب بلدي أن قرار فصل المؤيدين من المدارس في الشمال، سواء من الكادر الإداري أو التعليمي أو الطلابي، ما زال بمرحلة الدراسة حاليًا وقريبًا سيعلن عنه، دون تحديد المدة.
ووفقًا للعبسي، قبل وصولها إلى الوزارة كان القرار معممًا في جامعة إدلب، وتابعت “للأسف تفاجأت أن قرارًا كهذا لم يصدر بعد”.
“جهاز” كشف الولاء
بحسب مدير تربية اعزاز، محمد حوراني، فإن البحث في القضية والتأكد من الحالة يكون من خلال وجود مكتب تعليمي عائد للمجلس المحلي في المدينة، و”جهاز للرقابة والتفتيش”، بالإضافة للمديرين والإداريين في كل مدرسة.
لكن سارة الأمين، وهي معلّمة في مدرسة لطلاب الحلقة الأولى من التعليم الأساسي في اعزاز، لم تذكر لعنب بلدي شيئًا عن “جهاز الرقابة”، بل دعت مديرية التربية باعزاز للتأكد من أي خبر عن “تأييد طفل أو طالب أو شخص عامل في هذا المجال للنظام السوري”، وذلك “من خلال التواصل مع أصدقائهم ومعلميهم وأهاليهم”.
بين الرفض والتأييد.. ما ذنب الأطفال؟
وزيرة التربية في “الحكومة السورية المؤقتة”، هدى العبسي، ورغم تأييدها قرار فصل المؤيدين، لكنها ترفض أن يشمل الأطفال كما هو معمم في قرار اعزاز، وذلك برأيها لأن “الأطفال الموجودين بيننا هم مسؤوليتنا”.
وأضافت أن المقصود بقرار تربية اعزاز هم الأهل والمعلم والمعلمة وليس طالب الروضة، إذ لا تعتقد العبسي أن مناطقهم تحوي أطفالًا مؤيدين.
سارة الأمين، المعلمة في مدرسة لطلاب الحلقة الأولى من التعليم الأساسي في اعزاز، أكدت لعنب بلدي أنها مع اتخاذ إجراءات معينة تجاه الطلاب “المؤيدين”، ولكن ليس الفصل من المدارس.
وأشارت إلى أن قرار الفصل ليس هو الأمثل، والأفضل هو استدعاء أولياء الأمر والتفاهم معهم، وذلك لأنهم أطفال صغار يتأثرون بآراء وأفعال أهلهم في المنزل.
وبالنسبة لكون القرار يشمل الأطفال في مرحلة الروضة والحضانة، قالت سارة، “هؤلاء ليس عليهم لوم وذنب، بل المسؤولية الأولى والأخيرة تقع على الأهل والتربية في المنزل”.
فاطمة إبراهيم، معلمة في المرحلة الإعدادية بمدينة اعزاز، رفضت قرار الفصل بشكل قاطع خلال حديثها لعنب بلدي، وذلك بقولها، “من الجرم محاسبة طلاب المرحلة الإعدادية بقرار ظالم كهذا وحرمانهم حقهم بالتعليم”، أما أطفال الحضانة (الروضة) فلا يمكن حتمًا محاسبتهم بأي كلمة.
وأضافت أن الأهالي مسؤولون عن غرس مبادئ الثورة وحبها فيهم، وبرأي فاطمة لا يمكن أن يكون البديل عقابًا، بل السماع منهم ومحاورتهم وتوعيتهم ومحاولة تصحيح مفاهيمهم الخاطئة.
وأكدت فاطمة، أنه إذا ما نُفيت هذه الفئات من المدرسة فلا يمكن نفيهم من المجتمع، والعمل على هذه الفئة ضروري لكسبهم، كي لا يخلقون أعداء جددًا للثورة، وإذا لم يستطع المعلم التأثير بأفكار الأطفال فهذا هو “الفشل التربوي” بحسب تعبير فاطمة.
هل تؤثر هذه القرارات على استقلالية التعليم؟
عزام خانجي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة “تعليم بلا حدود”، قَيَّم القرار بقوله، إن الثورة قامت بالأصل للحفاظ على كرامة الإنسان وحقه في التعبير عن رأيه بحرية، ومحاسبة الجناة عما يرتكبون من “جرائم”، وليس على ما يقولون ويعتقدون.
لكن بنفس الوقت أوضح أنه مع استقلالية التعليم، وأن يعمل على نقل العلوم والمعارف وبناء المهارات وتعزيز القيم النبيلة والهوية الأصيلة للوطن.
وذلك حتى لا يستغل البعض التعليم لإدخال أفكار هدامة تتعلق بالتطرف والانحراف، وأضاف، “دائمًا ندعو للتثبت مما ينقل ويقال، ولا نأخذ الناس بالشبهات، ونعمل على تطبيق القانون”.
ما الحل؟
يكون الحل بحسب رئيس مجلس إدارة مؤسسة “تعليم بلاحدود”، بوجوب العمل على إعداد المعلمين تربويًا وعلميًا بشكل يليق بمكانة الأطفال والجيل القادم، لأن وجود المعلم الذي تنقصه الكفاءة اللازمة لهذه المهنة السامية برأيه، سوف يكون ضرره أكثر من نفعه.
ويعتقد خانجي أن المجتمع بحاجة إلى تكاتف لوضع التعليم على رأس سلم الأولويات وأن تكون نخبة المجتمع هي من تعمل في التعليم.
كما اتفق مع المدرسات اللواتي التقتهم عنب بلدي على ضرورة توعية الطفل والطالب لكسبه بدلًا من عقابه وتنفيره، والتأثير به بشكل إيجابي، وغرس الأفكار داخله بالتعليم.