غضب “كورونا”

  • 2020/04/05
  • 12:00 ص

إبراهيم العلوش

ارتفعت نسبة الخلافات المنزلية بعد الحجر بسبب فيروس “كورونا” في فرنسا بنسبة الثلث، وفي ألمانيا ارتفعت بنسبة كبيرة أيضًا، رغم أنها لم تطبق الحجر الكامل للسكان في بيوتهم مثل فرنسا، وفي سوريا وبين سوريي المهجر لا أحد يقيس النسبة، وتظل الحقائق غامضة لتباين وضع السوريين في مدنهم وحسب أماكن وجودهم في المهاجر الداخلية والخارجية.

كل الدول تخصص ميزانيات كبيرة لتطويق خطر “كورونا” والمشاكل الصحية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عنه وعن الوقاية منه في ظل انتظار علاج يخفف على الناس هذه المحنة الشديدة، أما النظام السوري فقد خصص كل إمكانات الدولة وكل موازناتها من أجل سحق السكان وإخضاعهم أو تهجيرهم ليضمن الخلود لبشار الأسد ولطاقمه المخابراتي.

أمام هذا التحدي الكبير، يجد السوريون أنفسهم في امتحان عسير، فبالإضافة إلى مأساة التهجير والتجويع، يضطر كثير منهم أن يجدوا أنفسهم في الحجر الصحي وبلا عمل يحفظ قوت عيالهم، ما يدفع بعضهم إلى الاستسلام للغضب والانفعال الذي يفاقم المأساة ويجعلها أكثر كارثية على زوجته أو على أولاده أو على الأيتام الذين يتكفل بمعيشتهم، سواء كانوا من أولاد أخيه أو أخته أو غيرهم ممن تبرع وبشهامة أن يتكفل بعيشهم وحفظ كرامتهم بدلًا من أن يُتركوا في الشوارع نهبًا للعصابات التي تمتهن الجريمة أو التعصب الديني كوسيلة للابتزاز والتكسب.

خصصت الحكومة الفرنسية بتاريخ الأول من نيسان الحالي رقمًا هاتفيا لتلقي الشكاوى المتعلقة بالعنف المنزلي الناتج عن حجز الناس في بيوتهم، واعتبرت أن الصيدليات قادرة على تلقي الشكاوى بشأن العنف المنزلي، نظرًا لأن مخافر الشرطة صارت مشغولة بفرض الحجر الصحي، حيث لا يُسمح للمواطن بالتجول الحر لأكثر من ساعة واحدة في اليوم، وسيتم التعامل مع شكاوى العنف المنزلي بشكل سريع، كما أكد وزير الداخلية كاستنير، وكانت الحكومة الفرنسية خصصت عددًا من الملاجئ لضحايا العنف المنزلي من النساء، فقد كانت تموت امرأة فرنسية كل ثلاثة أيام في عام 2018، وهذا ما اعتبره الرئيس الفرنسي، مانويل ماكرون، عارًا على فرنسا، فما بالكم بالعنف المنزلي في هذه الأيام العصيبة المحفوفة بالقلق وبالتوتر.

ونحن السوريين مثل كل البشر عرضة لهذا التوتر، ولهذا الغضب، وسط ظروف لا تقارن أبدًا بالمجتمع الفرنسي أو الألماني، فالحكومة السورية تستثمر كل قواها لتهجير السوريين ولقتل المعتقلين ولابتزاز المارين على الحواجز، ولا يهمها شأن الناس من قريب أو من بعيد!

كل الظروف تقودنا إلى مزيد من التدهور، وتقود عائلاتنا إلى المزيد من التمزق، فهل نستسلم لهذا التحدي، ونترك غضبنا يمزق ما تبقى بيننا من المحبة والتعاون والأمل، سيكون هذا الأمر بمثابة مساعدة لوباء “كورونا”، ولوباء نظام الأسد، فهل نحن نتعامل مع الشر ضد عائلاتنا وضد مستقبلنا الذي حاولنا أن نستعيد التحكم به بدلًا من أن يتحكم به الآخرون؟

شعوب كثيرة ورغم فقرها تعاملت مع “كورونا” ومنتجاته من غضب ومن خوف بحكمة، وتعاون الناس فيما بينهم من أجل الحد من الضحايا، فالهند مثلًا التي قارب عدد سكانها المليار وثلاثمئة مليون، وبإمكاناتها البسيطة، استطاعت أن تلجم خطر “كورونا” حتى الآن، واحترم الناس الحجر الصحي ودفع بعض منهم ثمنًا باهظًا وهم يعودون إلى قراهم مشيًا على الأقدام ولمسافة وصلت إلى مئة كيلومتر في بعض الحالات.

وكذلك أهلنا في المخيمات يحاولون تفادي انتشار المرض بينهم رغم الإمكانات البسيطة والظروف القاهرة، وقد طبق كثير منهم إجراءات السلامة حسب إمكاناتهم البسيطة، خاصة أن عاداتنا بالتمسك بالنظافة وغسل اليدين بالصابون هي عادة متأصلة لدينا منذ الطفولة بالإضافة إلى كون (النظافة من الإيمان) كما تنص شعائرنا الدينية وعاداتنا، وكذلك فإن الشمس بدأت تساعد الناس بتعقيم الأشياء والخيم وتحدّ من انتشار الفيروس الذي يتكاثر في الأماكن غير المهواة بشكل دائم، ويهاجم الفيروس الأجسام ذات المناعة الضعيفة التي تفتقد إلى الحركة وإلى التعرض للشمس، وكذلك يساعد ضبط الغضب والانفعال على تهيئة الظروف المناسبة لتماسك جهاز المناعة الذي يشكل الحصن الأهم في التصدي للمرض في هذه الظروف، حيث لم يستطع أي باحث أو مؤسسة طبية اكتشاف الدواء لهذا الوباء الخطير.

هذا الفيروس يثير غضب العالم، فهو لم يستثنِ الغني أو الفقير، ولم يستثنِ الدول القوية أو الدول الضعيفة، ولا يفرّق بين الأبيض والأسود، وهاجم أبناء الديانات المختلفة، ولم يكن أحد معصومًا من خطره، فالكنائس أقفلت أبوابها وأجّلت احتفالاتها الدينية، وأوقفت السعودية العمرة وربما ستوقف الحج هذه السنة، فهذا الوباء بمثابة الطاعون في العصور القديمة!

لا أحد منا منزه عن الغضب في هذه الظروف الصعبة، ولكن من العار أن نصبّ جام غضبنا على الأطفال وعلى النساء وعلى الضعفاء منا، مهما كانت المبررات التي تصوّرها لنا نزوات الغضب، ويجب لجم تطورات الغضب التي تجعل الأولاد يعتدون على أخواتهم أو على إخوتهم الصغار.

تحية إلى السوريات وإلى السوريين في الداخل وفي الخارج، في المعتقلات وفي المخيمات، وفي كل مكان وهم يتحدون المستحيل من أجل أن يكونوا، ومن أجل أن يحققوا أهدافهم في العيش بكرامة وحرية!

مقالات متعلقة

  1. عام على "كوفيد- 19".. عشرة أعوام على التدمير
  2. الإغلاق يسابق حملات لقاح "كورونا" في أوروبا
  3. تركيا تشترط فحص "كورونا" سلبيًا للقادمين من الخارج.. وتشتري لقاح "فايزر"
  4. "محلي" سرمين يرفع الحجر الصحي عن المدينة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي