“المخدّم غير موجود”.. الحكومة الإلكترونية في سوريا مشروع على ورق

  • 2020/04/05
  • 12:55 م

الحكومة السورية الإلكترونية (تعديل عنب بلدي)

نور عبد النور | علي درويش | خولة حفظي

على شاشة كبيرة تركّز أنظار الحاضرين، لقراءة تفاصيل العرض التقديمي.. “النشر، التفاعل، التعاملات، التحول”، هي مراحل الخطة التي ستنقل حكومة النظام السوري إلى الحالة اللا تقليدية، وإلى مرحلة جديدة من الخدمات، تفصح عنها موظفة حكومية برتبة “مديرة تحول رقمي”.

التفاصيل المعروضة هي تفاصيل خطة التحول المنجزة ورقيًا قبل 11 عامًا، والمعطلة على أرض الواقع، في وقت باتت تقنيات الإنترنت البديل العالمي البدهي عن التعاملات الحكومية الورقية، في كثير من دول العالم.

شهد ذلك العرض، في 27 من شباط الماضي، إطلاق “بوابة الحكومة الإلكترونية السورية” وتطبيق للهاتف المحمول مرفق بها، دون تفعيل خدماتهما، التي تبدو اليوم ملحة أكثر من أي وقت مضى، مع الشلل الإداري الحاصل في سوريا منعًا لانتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).

إذ لا يستفيد المواطنون السوريون من الخدمات الحكومية الإلكترونية، سوى في تحديد كميات المواد التموينية التي يحصلون عليها عبر “البطاقة الذكية”، وما زالوا يعتمدون على الطوابير كوسيلة تلقائية لتنظيم مواعيد حصولهم على خدمات لا تحتاج في دول أخرى سوى إلى جهاز محمول ووصول إلى الإنترنت.

يناقش هذا الملف التأخر في التحول الرقمي الحكومي في سوريا، ودوره في تعطيل حياة المواطنين، خاصة مع انتشار “كورونا” وما كشفه من تراجع في الأداء الخدمي في سوريا، ويوضح تفاصيل الخطط غير المنجزة، وحالة البنى التشريعية والتقنية، كما يسلط الضوء على انعدام أي اعتماد على الإنترنت في حكومات المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.

دائرة الشؤون المدنية في دمشق (سانا)

لا بدائل تقنية..

“كورونا” يشلّ معاملات السوريين حتى إشعار آخر

تعيش ليلى وعائلتها على راتب والدها التقاعدي، لكنه توفي منذ فترة قصيرة، ما يعني أنها لا تستطيع الحصول على الراتب بسبب توقف العمل في الدوائر الحكومية في سوريا، منذ آذار الماضي.

تقول ليلى (تحفظت على نشر اسمها الكامل لأسباب أمنية)، لعنب بلدي، إنها بدأت بإجراءات إثبات الوفاة من السجل المدني، ما تسبب بإيقاف راتب والدها حتى استخراج قيد عائلي، لم تستطع أن تحصل عليه بسبب إيقاف العمل بدائرة السجل المدني في دمشق.

ليلى هي إحدى المتضررين من قرار وزارة الداخلية التابعة لحكومة النظام السوري، القاضي بتمديد إيقاف تقديم الخدمات لمعاملات السجل المدني والسجل العدلي والهجرة والجوازات والمرور، حتى 16 من نيسان الحالي، وسط عدم وجود بديل لإتمام المعاملة الحكومية، التي يفترض أن تتم حصرًا على الورق.

وتشمل معاملات السجل المدني إيقاف خدمات عدة، ومنها استخراج الوثائق الشخصية والبطاقة الشخصية والبطاقة الأسرية (دفتر العائلة)، إضافة إلى بيانات إخراج القيد الفردية والعائلية وجواز السفر الوطني، والمعاملات الأسرية مثل تثبيت الزواج والطلاق وتسجيل الولادة والوفاة.

بينما تتضمن معاملات الهجرة والجوازات المتعطلة منح أو تجديد وثائق السفر وبيان حركة السفر للمواطنين، ومنح أو تجديد الإقامة الخاصة بالعرب والأجانب، ومنح إذن العمل، ومنح تأشيرة الخروج.

يروي محمد السباعي وهو أحد سكان مدينة حمص لعنب بلدي، تفاصيل مشكلته مع تعطيل مديرية الهجرة والجوازات، إذ كان قد انتهى من معاملة تجديد جوازات السفر لأبناء أخيه، الذين يحتاجونها لتمديد إقاماتهم السياحية في تركيا، لكنه لم يستطيع تسلّم الجوازات حتى اليوم، بعد أن كان الموعد في 23 من آذار الماضي.

بالإضافة إلى معاملات الهجرة والسجل المدني، توقفت معاملات أخرى عدة أساسية ويومية في حياة المواطنين، مثل المرور واستخراج براءة ذمة، والمصالحة على المخالفات الحضورية، ومنح إجازة السياقة، بينما توقفت معاملات السجل العدلي وأهمها منح وثيقة غير محكوم (لا حكم عليه).

ولم توضح الداخلية السورية، البدائل أو الإجراءات أو ما يترتب على تأخير المعاملات، واكتفت بالقول إنها ستعفي المواطنين من الغرامات على التأخر في تسجيل الواقعات ومنح البطاقات الشخصية والعائلية بعد تلك الفترة.

ولا توفر الحكومة السورية أي منافذ إلكترونية لإجراء المعاملات الحكومية، وهو ما أدى إلى تعطيلها بشكل كامل مع تعطيل عمل الوزارات، ما وضع المواطنين في أزمة معاملات، تعطل السير الطبيعي للإجراءات القانونية المختلفة.

إطلاق العمل بأول صراف للمصرف الزراعي التعاوني بمدينة طرطوس – 19 آب 2014 (سانا)

استجابة لرغبة الأسد.. خطة “حكومة إلكترونية” على ورق

لماذا تعثّر التحول الرقمي في سوريا؟

في نهاية عام 2009 أفرجت وزارة التقانة والاتصالات السورية وكان عمرها ستة أعوام فقط، عن أولى وثائق خطة الحكومة الإلكترونية، التي كان مخططًا لها أن تنتهي في غضون 11 عامًا، أي في نهاية العام الحالي.

تعريفات:

التحول الرقمي

هو تسريع طريقة العمل اليومية، بحيث يتم استثمار التطور الكبير الحاصل للتكنولوجيا لخدمة أسرع وأفضل، وزيادة الكفاءة في خط سير العمل بحيث تقل الأخطاء وتزيد الإنتاجية.

الأتمتة

استخدام الكمبيوتر والأجهزة المبنية على المعالجات أو المتحكمات والبرمجيات في مختلف القطاعات، من أجل تأمين سير الإجراءات والأعمال بشكل آلي دقيق وسليم وبأقل خطأ ممكن.

وكان من المفترض أن تكون الآن 100% من الخدمات الرئيسة مقدمة إلكترونيًا بالمستوى التفاعلي أو المعاملاتي، و50% معدل استخدام الخدمات الإلكترونية المتاحة (نسبة عدد مستخدمي الأقنية الإلكترونية إلى مستخدمي القناة التقليدية)، و70% من إجمالي الخدمات الحكومية متوفرة عبر أقنية غير القناة التقليدية، و60% من التوريدات الحكومية تتم إلكترونيًا، لكن التقدم التقني الوحيد الذي أُنجز فعليًا هو “البطاقة الذكية”، التي تشبه إلى حد كبير بطاقات التموين، مع فارق أنها مؤتمتة.

أما عن الرؤية، فكانت “تقديم خدمات متميزة للمستفيدين، عن طريق رفع فعالية وإنتاجية وشفافية العمل الحكومي، وتقديم خدمات إلكترونية متكاملة، متاحة بواسطة قنوات متعددة، مع العمل على حماية البيانات الشخصية”.

ولتحقيقها، كان لا بد من تقييم للواقع على مستوى الجهوزية التنظيمية والإدارية، وتوفر العامل البشري، وهو ما أُفردت له ورقة مرفقة مع الخطة، بينما خُصصت أخرى لتوضيح “السياق الوطني” للإنجاز، وهو ما ظل مرتبكًا، حتى يومنا الحالي.

خطة “خطابية”

اطلعت عنب بلدي على الخطة المنشورة في موقع وزارة الاتصالات، وهي الخطة الثانية في إطار التحول الرقمي في سوريا، بعد مشروع عملت عليه الحكومة عام 2002 مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وأُنشئت عقبه الوزارة (كانت سابقًا ضمن وزارة المواصلات التي تتولى مهام مختلفة منها الإعلام)، ليرأسها بشير المنجد، الذي عُوّل عليه لقيادة مرحلة من التقدم التكنولوجي في سوريا.

ومع اقتصار المشروع الأول على توسيع شبكات الاتصالات وتطويرها كبنى عصرية أساسية، بدا المشروع الثاني، بالتعاون مع “UNDP” حالمًا أكثر، مع مجموعة من العوائق التي تغاضت عنها خطة الوزارة، وذكرتها على مضض، مقابل التركيز على العوامل المساعدة، وربطها بخطة بشار الأسد للإصلاح الحكومي، كأساس في خطة الولاية الرئاسية الثانية، التي كانت في عامها الثاني، آنذاك.

استُهلت الخطة والأوراق المرفقة بها بعبارة قالها بشار الأسد في خطاب القسم بعد استفتاء عام 2007 على “تجديد البيعة” له، مفادها أن التطوير الإداري هو الحل الوحيد لمكافحة الفساد، ولتحقيقه يفترض التوسع باستخدام التقنيات الحديثة، أي إن الأساس في التحول الرقمي هو مكافحة الفساد الحكومي.

توسعت الخطة في شرح أهمية التطوير الإداري الذي تحدث عنه الأسد، وأشارت إلى أن الحكومة الإلكترونية ليست أتمتة تعاملات وحسب، لكن قبل ذلك تغيير في أنماط الإدارة السائدة.

ولنجاح ذلك، تشير الخطة إلى عامل أساسي، هو زيادة الرقابة على عمل الحكومة، من “النقابات ومجلس الشعب والجبهة الوطنية التقدمية”، كممثلين عن المجتمع المدني، الأمر الذي يشير إلى تناقض في مفهوم الإصلاح الإداري والرقابة الشعبية، مع تحديد التفاعل العائد من مجموعات محددة لا تمثل المواطنين بالضرورة في الحالة السورية.

وبينما أشادت الخطة بالمناخ السياسي و”تبني القيادة” عملية الإصلاح كنقاط قوة تساعد على التنفيذ، انتقدت “الممانعة من إدارات داخل الحكومة”، الأمر الذي استمر حتى اليوم كمبرر لعدم تنفيذ أو تأخر أي خطة في سوريا.

حكومة أم حوكمة؟

تفرق بعض التعريفات بين الحوكمة الإلكترونية والحكومة الإلكترونية، بالاعتماد على الفرق بين الحكومة والحوكمة، فالأولى تعني الجهاز، والأتمتة تعني أتمتة العمليات والهياكل وتطوير الأنظمة، والثانية تشير إلى الوظيفة، أي أتمتة الخدمات، وتفترض تواصلًا ثنائيًا بين المواطن والحكومة إلكترونيًا، وهو ما يفترض أن المواطن قادر على التفاعل مع الحكومة عن بعد.

وزارة الاتصالات تشير إلى خطتها على أنها “مشروع الحكومة الإلكترونية”، لكن أهدافها تتضمن التواصل الثنائي، والخدمات المؤتمتة للمواطنين، وهي تقترب من الحوكمة في كثير من التفاصيل المقدمة.

مؤشرات توقف عملية التحول الرقمي

تُعدّ لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (أسكوا) تقارير دورية عن واقع التنمية الحكومية في المنطقة العربية، وتشمل هذه التقارير مؤشرات عن تقدم الحكومات الإلكترونية والحكومة الإلكترونية في الدول محل الدراسة، كما تنفذ مشاريع وورشات عمل فيها لمعرفة مستوى التقدم الحكومي ودعمه.

وتعتمد هذه الدراسات غالبًا على مؤشرات لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم (يونسكو) التي تظهر تأخر سوريا في مجال الحكومة الإلكترونية.

في عام 2014، قالت “يونسكو” إن الحرب والصراعات العسكرية والسياسية أثرت على تطور الحكومة الإلكترونية في سوريا، التي أحرزت على مؤشر “EGDI” (E-Government Readiness Index)، أي مؤشر الجاهزية للحكومة الإلكترونية، 0.272 لتلي السودان في قائمة الأسوأ مقارنة ببقية الدول العربية.

في عام 2016، تراجع المؤشر الذي يصف التقدم في الإجراءات المتخذة نحو حكومة إلكترونية إلى 0.02.

أما في عام 2018، فتحسن المؤشر بشكل طفيف، وصعد إلى 0.365، وصُنف على أنه “متوسط”، بينما بقيت سوريا في مراكز متأخرة عربيًا في التصنيف، إلى جانب اليمن والسودان والصومال والعراق، في الوقت الذي تتصدر فيه الإمارات والبحرين قوائم عالمية.

وتعتمد تلك المؤشرات على أسس السياسات والاستراتيجيات الطويلة الأمد والإرادة السياسية، والخطط ودور وسلطة المؤسسات المختلفة، والأساس القانوني والتنظيمي وحالة الإنترنت والرقابة والخصوصية.

“في خدمة الدولة”

التشريعات والشبكات أسس في التحول الرقمي

تحتاج عملية الوصول إلى حكومة إلكترونية وحوكمة إلكترونية مجموعة من الأسس المالية والتنظيمية والكوادر البشرية الخاضعة لتدريبات، ومن أهم الأسس المطلوبة، وجود إطار تشريعي واسع يفصل العملية سواء على مستوى التحول داخل الحكومة أو بين الحكومة والمواطن، إلى جانب البنية التحتية المؤهلة.

مديرة التحول الرقمي بالوزارة المهندسة بيان الحللي خلال إطلاق بوابة الحكومة الرقمية 27 شباط 2020 (سانا)

تشريعات أمنية لا حوكمية

تذكر خطة وزارة الاتصالات المنشورة عام 2009 أن للإطار التشريعي لتنفيذها نقاط قوة ونقاط ضعف، الأولى متمثلة بوجود معايير خاصة بأمن المعلومات، ووجود معايير خاصة بإجراءات التوريد، والتعاقد للمشاريع المعلوماتية، مع قانون “التوقيع الإلكتروني وخدمات الشبكة”، وهي تشريعات تتعلق بالإنترنت كخدمة وتنظيم استخدامه.

أما عن نقاط الضعف، فهي عدم وجود تشريع لحماية خصوصية البيانات الشخصية الموجودة لدى الإدارة الحكومية، وعدم وجود تشريع لنشر المعلومات الخاصة بالجهاز الحكومي وطرق التواصل “بما يعزز الشفافية”، وضعف إجراءات التوريد والتركيب والتشغيل للمشاريع.

ورغم التطرق إلى ذكر الشفافية، لم تعرّج الخطة خلال تحديد نقاط القوة على نقص التشريعات المتعلقة بحرية استخدام الشبكة وحق الوصول إليها واستخدامها بشكل معاكس من قبل المواطنين، ضمن إجراءات حوكمية، تضمن سهولة الحصول على الخدمات عن بعد أو عبر قنوات إلكترونية.

الانقلاب الوحيد، والتحرك التشريعي اليتيم الذي أُلحق بالخطة، وخُصص لوزارة الاتصالات والتقانة، صدر عام 2012، تحت اسم “قانون التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة الإلكترونية”.

السياق الموافق وطبيعة التشريعات المنصوص عليها في القانون وتوظيفه لاحقًا، أشار إلى أن القانون لم يُسن لخدمة عملية التحول الرقمي، ولكن لأغراض أمنية.

يختص القانون بأجزاء واسع منه بتوضيح العلاقة بين مزود الإنترنت والمواطن، من ناحية صلاحيات وموانع اختراق الخصوصية، أكثر من بحث العلاقة بين الحكومة والمواطن عبر قنوات إلكترونية، وبوساطة الشبكة.

ويركز القانون على حالات “الجريمة الإلكترونية” خلال مشاركة المواطنين على الشبكات، والعقوبات اللاحقة بها، ويتيح هوامش للمحاسبة على إبداء الرأي بحرية، تحت ذريعة “الترويج للإرهاب والإخلال بالأمن العام”.

عوائق في الوصول إلى الإنترنت

تشير دراسة لـ”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” إلى أنه قبل عام 2005 كان على المواطن السوري الذي يرغب بالوصول إلى الإنترنت أن يتقدم بطلب رسمي إلى أحد مزودي الخدمة العاملين في سوريا، مرفق بصورة لهويته، ثم ينتظر الجواب على طلبه، إذ إن “مؤسسة الاتصالات” اعتادت وضع خدمة الاشتراك بالإنترنت تحت التقنين لأوقات طويلة خلال الأعوام الماضية، وما زال الاشتراك المستمر “ADSL” يخضع للتقنين لدى المؤسسة حتى الآن.

عقب ذلك، بدأت مزودات الإنترنت بالانتشار، ولم تعد تقتصر على المزود الحكومي، ويصل عددها حاليًا إلى أكثر من 30.

في عام 2010، كانت سوريا في المركز الـ124 في قائمة من 138 دولة تحت اسم مؤشر تكنولوجيا المعلومات ، صادرة عن “المنتدى الاقتصادي العالمي“، وخرجت سوريا عام 2013، بسبب الأوضاع السياسية والعسكرية من التصنيف الذي يصدره المنتدى سنويًا.

وصلت نسبة الاعتماد على بوابات الإنترنت في سوريا عام 2016 إلى 33٪، بينما اعتمدت نسبة كبيرة من المستخدمين على شبكتي الهاتف المحمول الوحيدتين (سيريتل، MTN) للنفاذ إلى الإنترنت، وفق بيانات للاتحاد الدولي للاتصالات مفصلة في دراسة لـ “أسكوا“.

ولم يزد، وفق الدراسة ذاتها، عرض حزمة الإنترنت على 93 ألف ميجابايت في الثانية، مقارنة بمليون و182 ألفًا في الإمارات العربية المتحدة، والحزمة هي وحدة بيانات يتم إرسالها عبر الإنترنت تحدد السرعة والاستجابة والضغط على الشبكة.

في العام ذاته (2016) أعلنت وزارة الاتصالات أنها تملك خطة ستجعل سوريا تسبق الخليج العربي ببوابات الإنترنت، لكن أعطال الشبكة وانقطاعات “الكابل البحري” حالت دون ذلك لاحقًا.

ففي مطلع عام 2018، سادت مشكلة الإنترنت البطيء عموم الأراضي السورية، ما أدى إلى صعوبة في فتح صفحات المواقع الإلكترونية، إضافة إلى مشاكل في تحديث صفحات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، وأثار ذلك حفيظة مجلس الشعب الذي انتقد رداءة الإنترنت.

حينها، أكدت وزارة الاتصالات في حكومة النظام السوري أن ضررًا أصاب “الكابل البحري” المسؤول عن توصيل الإنترنت، هو السبب الرئيس في المشكلة، ووعدت بإصلاحها وإطلاق الإنترنت من الجيل الرابع في غضون أشهر، وهو ما لم توفره سوى شركة “سيريتل” الخاصة لخطوط الهواتف المحمولة، وعلى نطاق ضيق وبأسعار مرتفعة.

وفي شباط الماضي، قال وزير الاتصالات لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن عدد بوابات الإنترنت في سوريا وصل إلى أكثر من مليون ونصف مليون بوابة، ما يشكل نسبة تغطية تفوق 90%

وفي المناسبة ذاتها، أعلنت الوزارة تطبيق آلية جديدة لحزم الإنترنت، تنص على تخفيض السرعة بعد استهلاك حد معين من الإنترنت، وفق الباقة التي يستخدمها مشتركو “الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد”، ولزيادتها يجب دفع مزيد من المال.

 

المصدر: 2019 league speed broadband Worldwide

“البطاقة التموينية المؤتمتة”..

أذكى الخدمات الإلكترونية المتوفرة للسوريين

تقول وزارة الاتصالات السورية إن عدد الخدمات الحكومية الرئيسة التي أدرجتها الوزارات المختلفة على موقع “EGOV.SY” الإلكتروني لتقديمها في إطار الحكومة الإلكترونية، يصل إلى 1121 خدمة رئيسة، تدون أن تفصل أو تحدد ما تلك الخدمات وفي أي مجالات أو لأي وزارات تتبع.

ومؤخرًا، أطلقت الوزارة “بوابة الحكومة الإلكترونية السورية “إي دوت إس واي ”(E.SY)، وتطبيق “بوابتي” للهاتف الذكي، وذلك ضمن مشروع الحكومة الإلكترونية.

وزير الاتصالات والتقانة، إياد الخطيب، قال لوكالة “سانا”، في 27 من شباط الماضي، إن بوابة الحكومة الإلكترونية “إحدى البنى الأساسية والمهمة للحكومة الإلكترونية”، والتفاعل مع هذا التطبيق والبوابة سيكون أكبر عند إطلاق البنك المركزي السوري خدمة الدفع الإلكتروني خلال الأشهر المقبلة.

وتوفر البوابة والتطبيق، المعلومات كافة حول الخدمات الحكومية في نموذج موحد، كما يتضمنان الوثائق اللازمة، والرسوم المالية المطلوبة، والوقت المتوقع لأدائها، ويتيحان للمستخدمين المشاركة بآرائهم بما يتعلق بصحة المعلومات والخدمات المنشورة وجودتها وتطابقها مع الواقع الذي تعمل وفقه.

بينما لا توفر حتى الآن أغلب الوزارات خدمات مؤتمتة على نطاق واسع، الأمر الذي رصدته عنب بلدي من خلال المواقع الرسمية، ومن مقابلات مع مواطنين أكدوا تعطل أغلب الإجراءات الحكومية في ظل تعطيل الوزارات كإجراء للحد من انتشار فيروس “كورونا”.

التحول الرقمي إلى “بطاقات تموينية”

منذ العام 2014 نفذت شركة “تكامل” مشروع “البطاقة الذكية” لمصلحة وزارة النفط في حكومة النظام السوري، لأتمتة توزيع المشتقات النفطية على الآليات بجميع أنواعها، وكذلك التوزيع على المواطنين بما يخص المازوت والغاز، ويطبق عبر محطات الوقود العامة والخاصة ليحصل المواطن على حصته.

طُبق المشروع على ثلاث مراحل، الأولى في تموز 2014، وتركزت حينها بالآليات الحكومية، والثانية في 2016، للآليات الخاصة، بينما انطلقت المرحلة الثالثة في عام 2017، لتوزيع مازوت التدفئة للعائلات، في محاولة منها لحل أزمة المشتقات النفطية.

وبدأت حكومة النظام باعتماد نظام “البطاقة الذكية”، منذ آب 2018، لتوزيع المخصصات من مادة البنزين كأولى المواد التي أُلحقت بالبطاقة، تبعتها مادتا المازوت والغاز وتحديد مخصصات العائلة السورية منهما شهريًا، تحت عنوان ترشيد استهلاك المخصصات.

ابتداء من شباط الماضي، أُدخلت مواد أخرى ضمن البطاقة، وهي السكر والأرز والشاي، ويحصل بموجبها المواطنون على مادة السكر بمعدل كيلوغرام واحد للشخص شهريًا، بسعر 350 ليرة سورية، على ألا تتجاوز حصة الأسرة أربعة كيلوغرامات شهريًا، ليُلحق بها مواد غذائية أخرى، جعلت من “البطاقة الذكية” بطاقة تموينية مؤتمتة.

ويعد مشروع “البطاقة الذكية”، واحدًا من الخدمات النادرة المتوفرة للمواطنين باستخدام تقنية الإنترنت، وتستخدم عبر تطبيق للهواتف المحمولة، ويقتصر دورها على تخصيص المواد النفطية والتموينية، وتحديد حصول المواطنين عليها.

البطاقة الذكية في سوريا – (سانا)

التقانة غائبة عن حكومات الشمال

تعامل ورقي في مناطق المعارضة.. و”الإدارة الذاتية” في مرحلة البنية التحتية

تفتقر المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري إلى أدوات تجعل تسيير أمور التعاملات الحكومية أكثر تنظيمًا، وذلك متعلق بظروف موضوعية في المناطق التي تشهد توترات أمنية وعسكرية واقتصادية، وعوامل ذاتية تتعلق بالتخطيط والكفاءة والهيكليات الحكومية والتشريعات المتوفرة.

وحتى الآن لم تستطع “الإدارة الذاتية” (في شرق الفرات) و”حكومة الإنقاذ” (في إدلب وما حولها) و”الحكومة المؤقتة” (شمالي حلب) تطوير آليات عملها وإدخال الأتمتة في تسيير الأمور الإدارية، سواء النظم التي تدعم التشارك في المعلومات والتعاون ضمن إدارة حكومية واحدة أو ضمن إدارات الحكومة، أو نظم تقديم الخدمات من الحكومة إلى المواطنين، فضلًا عن غياب نظم تسيير التعامل بين الحكومة والمؤسسات الأخرى كالمنظمات الإغاثية، والمبادرات المنظمة لخدمات العاملين ضمن قطاعات الحكومة وإداراتها.

وما زال التعامل الورقي طاغيًا على مفاصل العمل الإداري في المناطق الثلاث، حسبما توصلت إليه عنب بلدي من خلال التواصل مع الإدارات المنظمة لهذه المناطق، والبحث في أساليب تسيير التعاملات بين الإدارات نفسها وبين الحكومة والأهالي.

ضريبة عدم الاستقرار

مسألة الانتقال من التعامل الحالي إلى نظام أتمتة لا يتم بين ليلة وضحاها، فالأمر بحاجة إلى كوادر متخصصة لبناء البنية التحتية وتجهيزها، وتدريب الكوادر على كيفية التعامل مع نظم الأتمتة، ودراسة المشروع إداريًا، وتطوير الأدوات بشكل جيد ومدروس، وهو ما يوقفه استمرار التوترات العسكرية، ويمنع تطوره نتيجة عدم الاستقرار، بحسب مدير مكتب العلاقات العامة في “حكومة الإنقاذ”، محمد سالم قاسم.

كما أن بناء نظام الحوكمة الإلكترونية يحتاج إلى قدرات مالية وتجهيز كوادر بشرية ومعدات اتصالات من الصعب الحصول عليها، وفق ما قاله قاسم في لقاء مع عنب بلدي، وفي حال الحصول عليها فأثمانها مرتفعة إضافة إلى صعوبة إدخالها عبر المعابر الحدودية.

وحتى الآن، ما زالت تعتمد مناطق شمالي وشمال غربي سوريا على مولدات الكهرباء في تأمين إمدادات الكهرباء إلى الإدارات والمؤسسات والمنازل، وهو من العوائق الأساسية، فلا يوجد مؤسسات متخصصة لاستمرار تأمين الكهرباء فيها.

بنية تحتية إلكترونية تفتقر إلى “السيرفرات”

تعمل “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا على تجهيز بنية تحتية لإنشاء نظام أتمتة في مناطق سيطرتها، تعمل بواسطة “الكابل الضوئي” (وسيلة لنقل البيانات لمسافات طويلة بسرعة عالية، تُستخدم في شبكات البيانات والاتصالات، وتدعم الكثير من أنظمة التلفزيون والهاتف حول العالم)، وفق ما قاله مصدر من “هيئة الاتصالات والطاقة” العاملة في الإدارة لعنب بلدي.

وأضاف المصدر (تحفظ على نشر اسمه لأسباب تتعلق بمركزية البيانات الإعلامية)، أن الإدارة تعمل حاليًا على المشروع، وانتهت من إحدى مراحل العمل، و”أصبحت البنية التحتية في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا شبه جاهزة”.

العمل انتقل حاليًا، بحسب المصدر، إلى محافظة دير الزور شرقي سوريا ومدينة منبج شرق محافظة حلب ومدينة الطبقة غربي الرقة، على أن يكون مركز التقاء مراحل العمل بعد الانتهاء منه في مدينة الرقة، وذلك نهاية العام الحالي حسب المخطط الزمني للمشروع.

“وبعد الانتهاء من تجهيز البنية التحتية سيبدأ العمل على مشروع الأتمتة بين بعض المؤسسات وليس جميعها، كمؤسسات الضريبة والنقل والمواصلات، بينما سيكون للمؤسسات الأمنية بنية خاصة بها”، بحسب المصدر.

لكن المشروع تعترضه عدة عوائق منها إدخال “السيرفرات” (مخدمات الإنترنت) وبعض أنواع التجهيزات الإلكترونية، التي تعد أساس البنى التحتية المطلوبة لعملية التحول الرقمي.

أخذ بصمة رجل لاستخراج بطاقة هوية له في المجلس المحلي لمدينة الباب – كانون الأول 2019 (عنب بلدي)

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق