تحولت فرنسا خلال العقدين الماضيين إلى مكان إقامة شخصيات سورية أسهمت في تثبيت حكم الرئيس السابق، حافظ الأسد.
ولعبت هذه الشخصيات الثلاث دورًا بارزًا في أحداث شهدتها سوريا، في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت مقربة من الأسد الأب، ومن دائرة القرار الضيقة، قبل أن تغادر سوريا وتتخذ من فرنسا مكانًا لقضاء بقية حياتها.
أما طريقة خروج الشخصيات الثلاث فاختلفت، بحسب السياق السياسي والأمني الذي كان مفروضًا في سوريا، فأحدهم خرج منفيًا والآخر منشقًا أما الثالث فخرج للاستقرار بعد اندلاع الاحتجاجات في 2011.
رفعت الأسد منفيًا
شقيق الرئيس السابق حافظ الأسد، وكان يترأس “سرايا الدفاع” المسؤولة عن مجازر حماة في الثمانينيات، قبل أن يصبح نائب رئيس الجمهورية للشؤون الأمنية في عام 1984.
وهو من مواليد القرداحة في 22 من آب 1937، حاصل على شهادة دكتوراه في التاريخ من جامعة دمشق، وهو الشقيق الأصغر لحافظ الأسد.
في عام 1963 كان رفعت ضمن الضباط الذين تخرجوا في المدرسة الحربية، وبعد التخرج شارك في انقلاب 23 من شباط 1966، والتحق عام 1969 بدورة قائد حراسة مدرعات ومشاة، ما جعله مؤهلًا لقيادة قطعات عسكرية وألوية في صفوف الجيش.
ولعب رفعت دورًا رئيسًا في الحياة العسكرية والسياسة في سوريا، منذ تولي أخيه حافظ السلطة التنفيذية في العام 1970. وكان يُنظر إليه على أنه خليفة شقيقه في الحكم، لكن صراع الإخوة لم يقد إلى هذا السيناريو، وكان المنفى هو الخيار.
ونُفي رفعت من جانب أخيه إلى باريس منتصف الثمانينيات، بعدما حاول الانقلاب عليه في أثناء مرضه، بحسب ما يروي القصة فراس طلاس، نجل وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس.
وقال طلاس في أثناء مقابلة، في 4 من تشرين الثاني 2019، مع قناة “روسيا اليوم”، إن رفعت جمع الضباط في أثناء مرض حافظ الأسد ودعاهم للتوحد لأن صحة حافظ الأسد غير مناسبة، وبدأت جماعة رفعت الأسد بنشر صوره بكثرة في الشوارع، إضافة إلى وضع حواجز على مداخل دمشق.
واتصل حافظ الأسد بوزير الدفاع مصطفى طلاس، وأخبره أن رفعت يريد أن يسيطر على دمشق، وطلب منه التحرك، ما أدى إلى تشكيل أركان حرب وإنهاء انقلاب رفعت، بحسب طلاس.
واستقر رفعت الأسد منذ ذلك الحين في باريس، متنعمًا بأموال يُتهم بأنها نقلت من محتويات خزائن البنك المركزي السوري، ليبدأ بتضخيم ثروته، قبل توجيه التهمة إليه بالتهرب من الضرائب واختلاس أموال عامة، تلاها في آذار 2017، قرار مصادرة أملاكه العقارية في فرنسا.
وتشمل ممتلكاته في باريس قصرين، أحدهما مساحته ثلاثة آلاف متر، ومزرعة خيول، وقصرًا قرب العاصمة الفرنسية، إضافة إلى 7300 متر مربع في ليون.
وتقدر ثروته في فرنسا بحوالي 90 مليون يورو، من خلال شركات يقع مقر بعضها في لوكسمبورغ، كما صادرت الجمارك الفرنسية- الإسبانية، في آذار 2018، ممتلكات الأسد على الأراضي الإسبانية.
وتبلغ قيمة ممتلكاته هناك 600 مليون يورو، تتمثل في 503 منشآت، بينها مطاعم وفنادق ومقتنيات فاخرة، كان يمتلكها في مدينة ماربيه الإسبانية.
عبد الحليم خدام منشقًا
الرجل الثاني الذي اختار فرنسا لتكون ملجأ له بعد خروجه من سوريا، هو نائب الرئيس السوري السابق، عبد الحليم خدام، الذي توفي الثلاثاء الماضي.
بدأ خدام حياته السياسية بعدة مناصب، بدءًا من محافظ حماة في ستينيات القرن الماضي، قبل أن يُعيّن محافظًا للقنيطرة بعد حرب 1967، ثم وزيرًا للاقتصاد والتجارة الخارجية عام 1969، على الرغم من حصوله على شهادة الحقوق من جامعة دمشق.
في حين لعب دورًا في العلاقات الخارجية لسوريا بعد تعيينه من قبل الأسد الأب وزيرًا للخارجية في 1970، كما لعب دورًا في مقارعة “الإخوان المسلمون” في أحداث الثمانينيات.
وعُيّن خدام نائبًا للأسد الأب في عام 1984، ليصبح مسؤولًا عن الملف اللبناني حتى أُطلق عليه لقب “المفوض السامي” في لبنان، قبل أن يتحول مصير الملف إلى بشار الأسد في عام 1998.
وبعد إصابة الأسد الأب بنوبة قلبية في 1983، عُيّن خدام في لجنة عسكرية وسياسية لتشرف على إدارة شؤون الدولة، الأمر الذي قربه من الأسد الأب بعد شفائه.
وبقي خدام في منصبه حتى وفاة حافظ الأسد، وتسلّم الرئاسة لمدة شهر وفق مقتضيات الدستور، قبل انتخاب بشار الأسد وتعيينه رئيسًا للبلاد.
وفي 2005، قدم خدام استقالته من حزب البعث الحاكم في سوريا، وغادر سوريا إلى فرنسا، قبل أن يعلن انشقاقه بعد أشهر عن نظام الأسد، ويبدأ بكشف بعض المعلومات فيما يتعلق بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري.
ويُتهم خدام باستغلال منصبه خلال سنوات حكم الأسد الأب، وجمع ثروة تقدر بملايين الدولارات، وأهمها صفقة النفايات النووية ودفنها في تدمر، الأمر الذي نفاه مرارًا واتهم به ضابطًا في المخابرات العسكرية، وفق ما قاله في مقابلة مع قناة العربية في 2013.
ولخدام ثلاثة أولاد ذكور، هم جمال وجهاد وباسم عبد الحليم خدام، إضافة إلى ابنة واحدة هي ريم عبد الحليم خدام.
مصطفى طلاس مهاجرًا
الشخصية الثالثة التي غادرت بشكل طبيعي سوريا إلى فرنسا، هي وزير الدفاع السابق في عهد حافظ الأسد، مصطفى طلاس.
ويُتهم طلاس بمسؤوليته عن مجزرة حماة، ووُصف بأنه “الرجل الثاني في سوريا” خلال حكم الأسد الأب، وهو من مواليد 11 من أيار عام 1932، وشغل منصب وزير الدفاع ونائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة، خلال الفترة بين عامي 1972 و2004 ثم تقاعد بعدها.
وينحدر مصطفى طلاس من مدينة الرستن في محافظة حمص، كما انضم إلى “حزب البعث” منذ عام 1947، واشترك في شباط 1966، في الانقلاب الذي أطاح بالرئيس أمين الحافظ، وعُيّن بعدها قائدًا للمنطقة الوسطى.
وبقي داخل سوريا حتى اندلاع الاحتجاجات في 2011، وخروجه إلى فرنسا في 2012 حيث تقيم ابنته، وبقي هناك حتى وفاته في 27 من حزيران 2017.
–