“قسد” ترفع ورقة المحاكمات.. عصيان أسرى التنظيم في الحسكة يفتح باب “الابتزاز السياسي”
مرّت الساعات الأخيرة على قيادات “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بشكل صعب، أظهره تضارب التصريحات الرسمية، التي رافقت عملية إنهاء عصيان أسرى تنظيم “الدولة الإسلامية” في “سجن الصناعة” بحي غويران في الحسكة.
تضارب في التصريحات
في مساء يوم الأحد الماضي، انتشرت أخبار وصور على مواقع التواصل الاجتماعي تكشف محاولة “قسد” السيطرة على “سجن الصناعة”، بعد تمكن أسرى التنظيم من السيطرة على أجزاء واسعة منه، وهو ما أكده مدير السجن، روبار حسن، لوسائل الإعلام التي احتشدت أمام بناء السجن، مع تحليق مكثف لطائرات التحالف الدولي في المنطقة.
وأكد حسن حينها هروب أكثر من ستة عناصر من التنظيم، ووافقه بهذه المعلومة الناطق باسم المكتب الإعلامي لـ”قسد” مصطفى بالي، إلا أن الناطق الرسمي باسم “قسد”، كابي كابريل، نفى هذه الأخبار ظهر أمس، الاثنين، وأكد السيطرة على كامل السجن وإنهاء العصيان.
لكن هذا التصريح لم يلبِّ رغبة وسائل الإعلام المحلية في الحسكة، التي أكدت استمرار العصيان في السجن. وظل الأمر كذلك حتى خرج القائد العام لـ”قسد”، مظلوم عبدي، في الساعات الأخيرة من يوم أمس، ليعلن انتهاء العصيان “دون كارثة”، ولينفي مجددًا هروب أسرى من التنظيم.
اقرأ أيضًا: إلقاء القبض على عناصر من تنظيم “الدولة” فروا من سجنهم في الحسكة
الباحث في مركز “عمران” للدراسات بدر ملا رشيد، قال في حديث لعنب بلدي اليوم، الثلاثاء 31 من آذار، إن “سجن الصناعة”، يعد السجن الأكبر للعناصر المعتقلين من “تنظيم الدولة” شمال شرقي سوريا، ويحوي ما يقارب خمسة آلاف أسير.
وأضاف أن هذا السجن هو بالأساس مدرسة صناعية، تم تحويلها إلى مكان احتجاز، مشيرًا إلى أن السجن شهد خلال شباط الماضي ثلاث محاولات استعصاء.
ولفت ملا رشيد إلى عدم قدرة “قسد” على ضبط ومراقبة هذا العدد الكبير من السجناء، في مدرسة مغلقة الأبواب والممرات، مشيرًا إلى أن الخطورة في الموضوع، تكمن في تجمع العشرات والمئات من عناصر التنظيم داخل المهجع الواحد، ما يتيح لهم فرصة القيام بمراجعات تنظيمية، وإعادة تشكيل خلاياهم سواء بقوا في المنطقة أو تم ترحيلهم إلى دولهم.
واعتبر أن “العلاقات بين العناصر المتطرفين لا تموت بين ليلة وضحاها، بل تستمر أحيانًا لعدة عقود ما بقوا أحياء”.
واستبعد أن تكون “قسد” غير قادرة على احتجاز الأسرى، خاصة أن خطوط المواجهة بينها وبين القوات التركية و”الجيش الوطني السوري” في محيط منطقة عملية ” نبع السلام” قد توقفت، وفق ملا رشيد.
لكنه أشار إلى أن ضعف البنى التحتية للسجون في المنطقة (شمال شرقي سوريا) سيشكل دومًا عاملًا خطرًا في كيفية السيطرة على عناصر التنظيم، كونهم محتجزين على شكل كتل كبيرة وضخمة، سواء في مخيم الهول أو في السجون التي هي بالأساس مدارس تم تحويلها إلى مراكز احتجاز، وفق تعبيره.
ابتزاز للمجتمع الدولي؟
على الرغم من تضارب تصريحات قادة” قسد”، كان لافتًا في جميع بياناتهم تأكيدهم على ضرورة تعزيز دعم التحالف لهم، وإعادة النظر في مسألة إجراء محاكمات عاجلة لأسرى التنظيم، وهو ما يتماشى مع التحركات التي تقوم بها الأجهزة القضائية في “الإدارة الذاتية” مؤخرًا، وإعلانها تجهيز محاكمات خاصة للأسرى، وبدء العمل بها قريبًا.
في هذا الإطار، سلط المحلل السياسي حسن نيفي، في حديث لعنب بلدي، اليوم، الضوء على تاريخ “قسد” مع المطالبات بضرورة محاكمة أسرى التنظيم، معددًا الأهداف منها.
وأوضح أنه منذ ربيع عام 2019 بالتزامن مع انتهاء الحرب على تنظيم “الدولة”، بدأت مسألة أسرى التنظيم تأخذ طريقها لتصبح مشروعًا استثماريًا لدى “قسد”، التي تقول تارة إنها لا تملك القدرة على احتوائهم أمنيًا واقتصاديًا، وتارة تطالب الحكومات الغربية بتسلم رعاياها ممن هم من التنظيم.
وأردف نيفي أن الغاية دائمًا هي ابتزاز المجتمع الدولي من أجل استجلاب المزيد من الدعم، مضيفًا أن مسألة أسرى التنظيم ازدادت تفاقمًا إبان عملية “نبع السلام” التي نفذتها تركيا في الصيف الماضي، حيث هددت “قسد” حينذاك بترك معتقلي التنظيم وفتح أبواب السجون أمامهم.
واليوم، ربما تبدأ “قسد” من جديد التهديد والتلويح بورقة الأسرى حيال انتشار فيروس “كورونا” (كوفيد- 19)، وفق نيفي، الذي يرى أن اختيار “قسد” هذا التوقيت لمحاكمة عناصر التنظيم، يعود إلى رغبتها في لفت انتباه المجتمع الدولي وتنبيهه على الدوام إلى أنها ليست مسؤولة عن الأسرى وحدها، وأن على الأوروبيين ألا ينسوا أن خطر معتقلي التنظيم على العالم لا يقل خطورة عن “كورونا”.
اقرأ أيضًا: تخبط في بيانات “قسد” حول هروب عناصر تنظيم “الدولة” من سجن الحسكة
استثمار سياسي
الباحث بدر ملا رشيد، اعتبر أن “قسد” تحاول القيام بالاستثمار السياسي في ملف عناصر التنظيم المعتقلين لديها، “فمن المعروف أن معظم الدول وبالأخص الأوروبية تتهرب من ضرورة استرداد مواطنيها المحتجزين هناك، ومن جهتها تحاول قسد الاستفادة من الملف”، وفق قوله.
وتوقع أن المحاكمة التي ستُجرى لعناصر التنظيم، والتي تحدثت عنها أجهزة “قسد” القضائية، ستشمل في أغلب الأحيان العناصر السوريين، مقدرًا عددهم بتسعة آلاف.
ولفت إلى أن “قسد” تستطيع، وفق سلطتها الحالية، فرض أحكام عليهم، ومعالجة قضاياهم وفق القوانين السورية وقوانين العقد الاجتماعي لـ”الإدارة الذاتية”.
فبالرغم من أن العقد الاجتماعي يفتقد لأي اعتراف رسمي، سيشكل بابًا لدى “الإدارة الذاتية” للتقليل من عدد المعتقلين لديها، وتنظيم شؤونهم، كونها تقوم بعمليات إطلاق سراح لمجموعات من عناصر التنظيم، بناء على تدخل شخصيات عشائرية في أغلب الحالات، وفق ملا رشيد.
أما بالنسبة لعناصر التنظيم الأجانب، والبالغ عددهم ما يقارب ثلاثة آلاف عنصر، فبحسب ملا رشيد، سيكون من المستبعد أن تصدر “الإدارة الذاتية” أحكامًا عليهم في الوقت الحالي، لعدة أسباب، منها الإبقاء على وضعهم الحالي للاستفادة منهم في أي عملية تسليم مستقبلية، والاستفادة في أغلب الأحيان تتمثل بشكل من أشكال الاعتراف بكيان “الإدارة الذاتية” وهو ما تبتغيه الأخيرة.
وقال إن من الأسباب الأخرى هو احتمالية أن يكون لدى بعض من هؤلاء العناصر محامون سيطالبون دولهم باستعادتهم أو بنقض أحكام “الإدارة الذاتية”، وبالمحصلة لا ترغب الأخيرة بمنح هؤلاء حكمًا ينهي حالتهم المعلقة، التي تشكل دومًا عاملًا للضغط على الدول الأوروبية والتحالف الدولي للإبقاء على وجودهم في المنطقة.
اقرأ أيضًا: مصيرٌ بيد العالم.. أسرى تنظيم “الدولة” في سوريا
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :